مذكرات حرم الرئيس

١٩٧٣/٠٩/٢٤

هذه كلمات من القلب كتبتها تحية جمال عبد الناصر رفيقة حياة ذلك الزعيم الذى هز مصر والعالم. إنها لمحات من حياتها معه التى حسبتها بالشهر واليوم؛ 26 عاما وثلاثة أشهر.

لقد كان من حظها أن تزوجت ضابطا شابا فى 29 يونيو 1944، وكونت معه أسرة صغيرة سعيدة، ولكنها على الفور أدركت أنه لم يكن بالشخص العادى. فلقد بدأ بعد الزواج مباشرة فى التحضير لامتحانات أركان حرب، وبعد التخرج منها تقدم الى مفتى فلسطين متطوعا فى الكفاح ضد الصهاينة، وبعد أن رفضت الحكومة المصرية طلبه، دخلت مصر رسميا فى حرب فلسطين، وكان جمال عبد الناصر من أول من شاركوا.. فقد غادر الوطن فى 15 مايو 1948.

إن فترة حرب فلسطين وحصار الفالوجا، الذى كان فيه جمال عبد الناصر لمدة أكثر من شهرا، كانت من أقسى الفترات فى حياة تحية.. فقد تركها مع ابنتاهما هدى ومنى، وهما أقل من عامين، لتتحمل المسئولية وحدها.

وبالكتاب عدة خطابات متبادلة بين جمال عبد الناصر ورفيقة حياته أثناء حرب فلسطين. وتلك الخطابات، على بساطتها واقتضابها – لأنها تفتح بمعرفة الرقيب – إلا أنها فى منتهى الرقة، وتعبر عن مشاعر عميقة، ومعايشة مستمرة رغم ظروف الحرب.

ولقد تأكد حدس تحية بعد رجوع جمال من فلسطين، وتأكيده أن الحرب الحقيقية فى القاهرة! فقد بدأ يعمل بنشاط فى تنظيم الضباط الأحرار، كما اشترك فى تدريب الفدائيين فى منطقة القناة.

لم تكن تحية تعلم شيئا عن طبيعة النشاط السياسى والعسكرى لزوجها ولكنها لاحظت وجود أسلحة وذخائر فى المنزل؛ فكانت ترى ولا تتكلم! لقد كانت طبيعة العلاقات الانسانية والتعبير عنها والاحترام المتبادل فى ذلك الجيل مختلفة تماما، ومحاطة بسياج من المشاعر النبيلة.

ومرت الأيام واذا هو فى ليلة 23 يوليو 1952 يخرج ويتأخر ويزداد قلقها، بعد أن شعرت بأن شيئا غير عادى يجرى فى البلد. وفى الساعات الأولى من صباح 23 يوليو عرفت أن الحركة العسكرية نجحت، وغمرها الخوف عندما فكرت.. ماذا كان يمكن أن يحدث إذا قبض الملك عليهم؟!

تغيرت حياة تحية جمال عبد الناصر تماما بعد قيام الثورة.. فأولا.. دخل الى بيتها التليفون، وكان جمال يرفضه لطبيعة العمل السرى الذى كان يقوم به. وبعد ثلاثة أشهر انتقلت من شقتها الصغيرة الى بيت كبير فى منشية البكرى، ووجدت نفسها مسئولة عن ادارته، وينعقد مجلس قيادة الثورة فى أحيان كثيرة عندها.

وبدأت الظروف تحكم عليها إجراء مقابلات رسمية مع شخصيات عامة مصرية وعربية وأجنبية. ولقد كانت تتقن الفرنسية بحكم أنها كانت فى مدرسة سان جوزيف بالقاهرة، فبدأت تتلقى دروسا فى اللغة الانجليزية على يد الأستاذة بهية كرم.

ولقد ظلت تحية جمال عبد الناصر تقوم بواجبات حرم رئيس الجمهورية الى جانب العناية بأطفالها الذين كانت أكبرهم فى السادسة، إلا أنها لم تمارس أى نشاط سياسى أو اجتماعى عام مستقل، بل ظلت الى جانبه فى كل مراحل حياته، وذلك كان هو الدور الذى يفضله جمال عبد الناصر.

وقد صاحبته الى الخارج فى زيارات رسمية الى يوغوسلافيا واليونان فى 1958، 1960، كما ذهبت معه الى الاتحاد السوفيتى فى رحلة للعلاج فى 1968.

أما فى الداخل فقد شاركته فى استقبال رؤساء الجمهورية من ضيوف مصر، وزوجات الرؤساء عند انعقاد المؤتمرات، وخاصة الإفريقية وعدم الانحياز، كما حضرت الاحتفال بتحويل مجرى النيل لبناء السد العالى بأسوان.

ولقد كان جمال – رغم انشغاله الدائم – يقضى كل أوقات فراغه مع أسرته، وذلك أكسب أيام الاجازات طعما خاصا.. يمارس مع أولاده الرياضة ويعلمهم العابا كثيرة بل ثم قيادة السيارات!

إن الحياة التى عاشتها تحية، حيث كان جمال محورها وبهجتها، جعلتها لا تقوى على فراقه عندما جاءت ساعة الرحيل فى 28 سبتمبر 1970، ولقد كتبت فصلا كاملا عن تلك المحنة. أما مالم تذكره فهو أنها ظلت – ولمدة عشرين عاما – تتحدث عنه يوميا، ولا يغيب أبدا عن خاطرها حتى لحقت به فى 25 مارس 1990.

مذكرات حرم الرئيس