تأجج الكـون وانجـابت رؤى الديــمِ   يا ديمة الدمـع طفّى النار واضطرمـى
فمطفئ الرضف جز الرضف ، وانتثرت   قبائل العـرب أشــلاء علـى  القـدمِ
يلمها القــدر العاتــى ويطــرحها   لألف عام  خلت ، فـى قبضـة العـدمِ

***

من ألف عـام .. هل التاريـخ  ينصفنا   إذا سألنـاه ؟.. أم سبابـة  التهــــم
تتلو علـى العـرب ما  خطت أناملهـم   علـى الكتاب .. ويا خـزى العلـى بهم
بعد النبـى ، وبعــد الفاتحيـن بــه   حياً وميتاً ، وبعــد الســؤدد  العمـم
أتت علــى العــرب أجيال  محنطة   تلفهــم  مومياءات  بــلا هـــرم
ترشهــم بـرذاذ الطيب ،  راعشــة   فيه التآخيــد رعش الســم فى الدسم
تذكيهــم بدعاً ، تزجيهــم  شيعــاً   ترضيهـم قصعاً .. يرضــون  كالبهم
فحولتهـم ، وعين الكــيد  ساهــرة   من أمــة العـروة الوثقـى إلـى  أمم
وفتتتهـم علـى  أنقاض مجــدهــم   أشتات أشتات ، غنمـانـاً  لمغتنـــم
علـى الخليـج إمــارات  تشاكلهــا   حتى المحيـط ، قطـاعات من الحطـم
يؤمهـا القالة الأقيــال ، مشـــرقة   تيجانهم ، ونفــوس الشعب فـى الظلم
قد حركتهــم  بأســلاك ممغنطــة   بعضاً علـى البعض ، أيدى الماكر الفهم
وهيهِ يا حــرب : إن الأخـوة  اقتتلوا   وشــد يا ذئب ، فتـاكاً ،  على الغنم !

***

من ظلمة الدهـر ، من أدهـى  ظلامته   تململ المـارد العمــلاق فـى الأجـم
له من الليل ، قلب الليل ،   مدخـــر   فى مقلتيه يـذكـيه سنـى   النجـــم
وسمرة الفجــر ، بـدء  الفجر ، دافقة   على محياه تزكــى روعــة العظـم
إن قطب الوجـه : بـركان انفجر حمماً   أو سـرح الأمر : يا زهـر الربى ابتسم
مشى فشقت علـى التاريـخ  مشيتــه   فـراح يلهث خـلف الثائــر القــدم
والثائر القــدم الوثـاب    منطلــق   كالنســر لا يرتضــى إلا ذرى القمم
يطوى الـزمان اختصاراً ، يعتلـى قللاً   من الدهـور ابتساراً .. خطــو  مقتحم
يزج فـى الغيب أحـداثاً ،  ويـرقبهـا   ويلتقيها ، ويلقيهـا علــى السنـــم
سخية بالعطاء البــكر ،  منهمـــراً   نوالها كالسحـــاب المثقل الشيـــم
يدق فــى مـركب الأجيال  صاريـه   فيما يحول مجــرى النيل بالـــردم
يغـــذ   يرســم للتاريــخ سيرته   فى مفرق الدهر ، يغرى النقص بالتمـم
يطوى الزمـان سباقـاً ، حلمـه جلل :   أن يطلق العــرب من تأخيذة الحلم !..

***

يا نافـخ الثـورة البيضـاء فى  همـل   توارثـوا الهجعـة السـوداء من  قـدم
أسمعت من دهـره قد عاش فـى  صمم   أنطقت من قـدره قد عـاش فـى بـكم
أسمعت أنطقت ، أى والله !   لوعتنــا   هى السماع النطـوق الصـامت  الكلـم
غلالة المـوت فـكت غـل  أنفسنــا   منك السمـاح ، ومنا دمعــة  النــدم
لا يغضــبنك  مــا  لاقيت من عنت   فضل المشـوق بما يلقــى من الضرم
ملأت عمر ثمانـى عشـــرة  حقبـاً   من العصــور ، فأمهلنا بــلا جـرم
سنلحق الركب تـهدينا   طــلائعــه   فى هديك الناصــع الوضاح ، عن أمم
خواطر العرب ، عبد الناصـر ، التأمت   واليأس يطفو على سهـل الأسى العـرم
تشقى فترقـى ولا تلقــى سـوى  ألم   يحز فى النفس جياشــاً علــى  ألـم
تبكـى فتاهـا رئيسـاً ،  رائداً ، كنفاً ،   أباً ، أخاً ، مستظــلاً وافــر القسـم
الفاتــح العقل فـى دنيا عــروبتنـا   الفاتـح القلب  للــدنيا  وللقيــــم
الناصر الحــق حيث الحـق مضطهد   الزاجر الظلـم حيث الظلــم فى  حدم
الرافع الرايـة الحمــراء ، معتصمـاً   بالله ، والهول ، يبقـى الصول فى اللجم
الناشر الراية البيضــاء ،  مقتحمــاً   كيد العــدو ، حصينـاً ، غير مقتحـم
الباذل النفس فــى إصــلاح  أسرته   فدى فلسطين روح القائــد  العلـــم

***

يا حسرة المجـد ! حط المجـد جبهتـه   على الـرغام ، كظيماً ، شبه   منحطـم
يبكى على البطـل الصنديـد مؤتـزراً   ألوان أمتــه  يسعـى إلى الثلــــم
يسعــى وئيداً وئيداً ، كل محمـــله   من البطاء ، ومل الحمـل مـن ســأم
كيف السبيـل إلـى المثوى ، على بشر   فى منتدى بشـر ، بالحـزن مضطـرم
فى ملتقـى  أمـة  آمالها  انفصــمت   حشــد المـلايين فيه غيـر  منفصـم
كالسيل منسجــم ، كالليل مـزدحــم   كالويل محتــدم ، كالبحــر  ملتطـم
وصـاحب المجـد جاز  العمر منصلتاً   كما الشهاب ، كما الذكرى ،  كما النغم !

***

الآن عشت ، أيا ثاوى ، تــرى  جدث   به ثويت بكــى ، أم ثار من حشـم  ؟
أم قرَّ فى سمعــه إعــوال  أمتنــا   فراح يلقاك فـى إطــراق  محتشــم
أم نازعتـه مـن الآبــاد  أخيـــلة   وأنت تلقاه ، والدنيــا علــى  كظـم
تريق فــى روعــه آلاء  ما صنعت   كفاك للمجــد ، فاستشرى على نهم ؟..
الآن عشت بنا ، بالمقبــلات   مــن   الأجيال بالله يا أقدارنــا ازدحمـــى
لأمة أنت منها لن تمـــوت غـــداً   نم يا حبيبــى فطول العمـر  لم تنم !
     
      لبنان: 5/10/1970
     
 


 * سليم حيدر، "يا نافخ الثورة البيضاء"، (فى): محمد كزما، ناصر العرب، (بيروت : العالمية للطباعة والنشر، 1971)، ص 17 ـ 19.