أيا باعثاً كبــرياء   العـــرب   إلى أوجهــا فى طـويل  الحِقَب
لقد عشت ما عشت لا  تستكيــن   ولو قيل نجمهُــم قــد  غـرب
تحديتَ كل دواعــى  القنــوطِ   وعشت على أمــل مـــرتقب
تُكاتمنا الهـم ، والهــم شــيب   بفَوديـكَ ، لـولاه لمـا  تَشــِب
وكم عبـرات غَـدَت جمــراتٍ   تأججن فى نظــرات الغضــب
تحاملتَ هـذى السنيـن الطـوالَ   كأن لم ينل منـك طـولُ  النصَب
وما زلت  أسبقَنـــا للنضــال   وأجلدَنـا إذ تنــوب النـــوَب
أهبتَ بأهل العــروبـة  بيــنَ   الخليــجِ وبين المــحيط اللجب
"زمانُ التخاذل ولــى ،  فهبـوا   إلى الثأر ، واتحــدوا   للغَـلَب"
"وضُمــوا صفوفكــم  للقتـال   تظللـكم قاذفـاتُ  اللــــهب"
"من القارتيـن ازحفــوا أمــةً   وسومـوا العـدَا  أسـوأ المنقلَب"
"لنُحيـى بطـولاتنا من  جـديـد   يُغنـى بهـا الشـعرُ  دنيا الأدب"
 

* * *

 
كـذا كان قائــدُنا  المُفتـــدَى   يقــود معـاركــه عن  كـثب
فما راعـهُ غيرُ بَعِض الصفـوفِ   تَقَطـعَ ما بينهـا مـن   نَســَب
تناسوا عـدوهـــمُ  المستِعــد   وأصغـو إلى سعــى أهلِ الرِيَب
وإذ بنـزيفِ الـــدم العــربى   بأرض الحِمَــى ، وبأيدى العرب
دَم العــربِ  بعض يُقتلُ بعضـاً   وأعداؤهـم حولهــم فى طـرب
قتالهما كأَحَـــر   القتــــالِ   وأحــرَى بهِ الوطـنُ   المستلب
لَكَ اللهُ قائــدنــا المفتـــدَى   لك اللهُ   مِـن حيث لا تــحتَسب
فهــذى العنايــةُ قد  أيــدتكَ   فأوصلتَ ما قطــعوا مـن  سبب
وأنهيت معــركةً  للإبــــادة   مــا بيــن  أبنـــاء أم وأب
 

* * *

 
ولكـن قائدَنــا  المفتــــدَى   نسى نفسَــه مــن حُنُـو وحُب
يوالى مساعيــه ليلَ  نهـــارَ   وشبحُ الخيانــة لمــا  يَــغِب
فناء هنـا القلبُ ، وانطـفأ  العمرُ   فى لحظــةٍ كانـطفاء  اللــهب
بذا طبتَ نفســاً ، زعيـمَ  الفداءِ   وإن تَكُ أنفسُنــا لـــم تـطِب
لقـد كنتَ ذاك القــوى  الجليـد   ولكـن بـقلبك ضـعفُ  المُـحِب
فطــوبى لقلبك أصمـاهُ  حبـك   أهلَ الفــداء ، وهـل من عجب
 

* * *

 
أيا باعثاً كبـريـاء   العـــرب   إلى أوجهــا فى  طويـل الحقب
كسبت بسعيـك جنــة  ربــك   فَادعُ لنـا ربنــــا يستــجب
وعهـدى بـروحك لا تستريــحُ   وللعـرب بضـعُ ثرى مغتصـب
مشـى الخـلق خلفك يـوم الوداع   مـواكب شتـى اللغـى   والنسب
تسـاوَى الغنـى هنـا والفقيــرُ   وفـلاحُ مصــر وأهـلُ  الرتَب
خـلائق فى مصر يخطئها الحصرُ   والكل دامِـى الحشَــى ينتـحب
كأن الـورى حُشــروا ها  هنـا   رعَمسيس منهــم وآمُنحــوتب
لقد زلـزلت أرضُنـا  للفجيعــةِ   من منبـع النيـل حتى  المصـب
يخـوض بك النعشُ مـوجَ الزحام   كما يـخفق البـدر  بيـن السحب
فلما دنا مـن ختــام المطــاف   وأشفَـى على لـحده  واقتــرب
وحُـم الفــراق .  فراقُ الحبيب   تعاظمهُــم فى الثــرى يحتجب
وجُن جُنـونُهـم  وتــرامــوا   يحـولـون مـا بينــه  والتُّرَب
فيـا رب رُد لهــم  وَعيَهـــم   فمـذ مــات ، وعيهــم لم يثُب
 

* * *

 
زعيــم الفــدا ما لنا  سلــوة   ســوى أن طيفَكَ لــم  يغترب
ومــا بـرِحت روحُك  العربيـة   فى الخُـلد ، تُلهـم روح العـرب
     
     


* عبد الرحمن صدقى، "شهيد العروبة"، المجلس الأعلى لرعاية االفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، من مراثى الشعراء فى ذكرى الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، (القاهرة: مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية االفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1973)، ص 17 – 19 .