نهضتَ بما تنوء به الجبـالُ |
فكيف يطـول عمرُكَ يا جمالُ ؟ | |
رويـدك يا جمال فأنت تشكو |
وللجسـد الذى يشكـو احتمـال | |
فتـى لـم يستكـن للداء لما |
غـزاه كأن غـزوتـه احتـلال | |
أيحسب أن داء القلـب خصم |
وأن الحـرب بينهمـا سجال ؟ | |
وما أخنـى عليـه الداء لكن |
شجاعتـه هـى الـداء العضال | |
صـريع القلب ما خلفتَ قلباً |
بصــدر لـم يخامـره اعتلال | |
أيشـكو قلبـك الخفاق ضيقاً |
وقلبـك لا يحيـط بـه خيال ؟ | |
وفيه لكـل محـزون . مكـان |
وفيه لكـل مكـروب مجـال ؟ | |
أيسـكت والقلوب لها وجيب |
وييبسُ والرياض لها اخضلال ؟ | |
أيسـكن والكـواكب دائرات |
كأن الكـون ليس بـه اختلال ؟ | |
أيعـوزه دم ولنــا عـروق |
جــرت فيهـا دماء لا تُكال ؟ | |
عـلام تشـد رحلك يا جمال |
رويـدك لـم يحن لك الارتحال | |
رسـالتك التـى أنفقـت فيها |
حيـاتـك ما أتيــح لها الكمال | |
لكـم علمتَنـا صـبراً جميلاً |
وأين الصـبر بعـدك والجمال ؟ | |
وما نعصـى نصائحك الغوالى |
ولكـن كـيف يمكـن الامتثال ؟ | |
مصـابك لا تخففـه دمـوع |
ومجـدك لا يصــوره مقـال | |
سمـوت إلى السها حيا وميتاً |
وموتـك ليـلة الإســراء فَال | |
كأنـى بالتـراب عليك يبكى |
ويصـرخ فـوق قبرك إذ يُهال | |
جرى النيل الحزين عليك دمعاً |
وسال دما على البطل " القنال " | |
صـخور السـد بعدك ناطقات |
بأن لا شـئ فى الدنيـا محـال | |
بُحيرة ناصرٍ ماذا دهـاهــا |
دمـوع تـلك أو مــاء زلال ؟ | |
* * * |
||
قبضـتَ على أزمتهـا بكف |
كأن بنانهـا قُضـب صــقال | |
ويختـلف الرجال كما أرادوا |
فإن أو مـأتَ أنـتَ فـلا جدال | |
وتعلـم أن عرش الحكم سهد |
وجهــد لا دلال واختيـــال | |
وأن من استقـر عليـه تلقى |
على كتفيــه أعبــاء ثقـال | |
فلـم يغمَض له فى الليل جفن |
ولم يهـدأ له فى الصـحو بـال | |
إذا كانت عروسَ الشرق مصر |
فأنت بخـدها الــوردىَّ خـال | |
صمتَّ وكم خطاب منك دَوَّى |
بأسمـاع الـورى وهـو ارتجال | |
إذا أطلقتـه أصغـى جنـوب |
إليـه وأرهـف الأذنَ الشمـال | |
وشرُّ الصمت صمتُ من بليغ |
له فى المحفـل الخطب الطوال | |
حـديث لا التكـلف فيـه باد |
ولا بـاد عليــه الافتعـــال | |
إذا ألقيتـه وسـط احتفــال |
تكهـرب أو تمغطـس الاحتفال | |
تزينـه حقـائق ســافرات |
سفـورَ العيـد تبـرزها الحجال | |
وما لغـة السياسة غير زيف |
وما مدلـولهــا إلا ضــلال | |
وخيـر القـول ما أملاه طبع |
وأصـدقه هو السحـر الحـلال | |
عهـدتك تبتنـى للخُلق ركنا |
بعصـر سـاء فيـه الانحـلال | |
تـريـد لهـذه الدنيـا سلاماً |
تآخـى الليث فيــه والغـزال | |
وعهـداً من رخـاء لا فقيـر |
يمـد يديـه فيـه ولا ســوال | |
فما فى النـاس من بشم عليل |
ولا طـاوٍ أضــر به الهـزال | |
ولا شـعب تحكَّـم فى سـواه |
ولا عانٍ برجليــه شِكـــال | |
تـريد العيش تسـوية وتأبى |
إرادتـك الطبـائـع والخصـال | |
وكيف يسـود فى الدنيا سلام |
إذا لم يَحـمِ حـوزتـه القتال ؟ | |
وقالوا عـاش فى دنيـاه فـذا |
فقلت : ومـات موتـاً لا يُنـال | |
وشُيـعَ نعشـه فى مهرجـان |
تحف بـه المهابــة والجـلال | |
وماج الناس حول النعش موجاً |
كأن الحـزن ذوبهــم فسـالوا | |
مشينـا لا نصـدق ما نـراه |
وكيف نـرى وللدمـع انهمـال | |
نكـذب موتـه ونشـك فيـه |
ولا شـكُّ هنـاك ولا احتمـال | |
فلمـا طـاشت الآمــال قلنا |
علـى مضض ـ إلى الله المـآل | |
ومالـوا بالـرئيس ليــدفنوه |
فهل مال المقطـم حين مـالوا ؟ | |
ومـا سالت دمـوع العين إلا |
لتطفـئ مهجـة فيهـا اشتعـال | |
وبعض الدمع ذوب القلب سالت |
عصـارته وبعض الدمــع آل | |
* * * |
||
نعـاه الناس فى شـرق وغرب |
كأنهمــو لــه صـحب وآل | |
وما ورث السيـادة عن جـدود |
ولا شهـر اسمَـه عـمُّ وخال | |
فقل لمفاخـرِ بأبيـه : هـل من |
أبٍ للشمس وابنُ مَن الهـلال ؟ | |
إذا فخـر العصـاميـون يوماً |
بأنفسهـم فـأنت لهـم مثــال | |
تعالـى الله إن المـوت حــق |
وما للطب فى المــوت احتيال | |
وكـم متدثـر صـوفا وقطنـاً |
حـذار البـدد أدركـه السـلال | |
وكم عيـن مكحــلة بسحـر |
لها فى القبـر بالتـرب اكتحال | |
ألا ليت العظيـم يظـل حيــاً |
ولا يعــروه شيـب واكتهـال | |
دفنـــاه بأيـدينـا وكنــا | نــراع إذا ألــم به سعـال | |
قضـى كإبن الوليد على فراش | وكـم أخطـاه غـدر واغتيـال | |
فـلا نام الجبـانُ قـريرَ عين | ولا صلحت لواهـى العزم حال | |
إذا حـان الـردى فالمـاء سم | كأن المـاء تنفثــه صـِـلال | |
وإن كُـتبت لمخلـوق حيــاة |
تثلـمت الأسنــةُ والنصــال | |
ولا يفنىَ عِظـامُ الناس لكــن | إلى التاريـخ موتُهـم انتقــال | |
حيـاة فى صدور الناس أو فى | بطـون الكـتب ليس لها زوال | |
* * * |
||
سلوا ركب العروبة فى البوادى | تخب بـه النجـائب والجمـال | |
ببطـن الأرض تستـره وهـاد | وفـوق الأرض تظهـره تـلال | |
سلـوه عـلام ينتـحب انتحاباً | وتنتـحب الـرواحل والرحال ؟ | |
لقد عصـفت بحاديـه السوافى | وغطتـه الجنـادل والـرمـال | |
وظـل الجسـم يتبعـه ولكـن | جمـالُ لـم تغب معـه الظلال | |
كأنـى بالفقيـد مـن الأعالـى | يشاركنـا إذا احتـدم النــزال | |
وتهتف روحـه مالى تــراث | أُخلَّفُــه لكـم إلا النضـــال | |
وإلا مـا ورثتـم من خـلالـى | ونعمـت ثـروة تـُلك الخـلال | |
* * * |
||
جنود العُرب والوا الزحف لستم | كتـائب ناصـر إن لـم توالوا | |
وإن تُمـدد أعاديـكـم بجنـد | أبالسـةُ الجحيـم فـلا تبالـوا | |
وغالـوا بالنفـوس فإن ينلهـا | من الأهـل الهـوان فـلا تغالوا | |
وحـرب الأهل ما دارت رحاها | مغبتهـا علـى كـلَّ وبــال | |
أفى حرب المصير مع الأعادى | يـدب إلى صفوفكـم انفصال ؟ | |
أليس لكـم بمن غصبوا حماكم | عن الشحنـاء بينكـم اشتغال ؟ | |
دمـاءُ الأهل فى الأردن سالت | وقُطَّـعت الوشائـج والحبــال | |
وصـال به الجنود أسودَ غاب | فليتهمـو على الأعـداء صالوا | |
إذا انتصـر الشقيقُ على شقيقٍ | فيمنـاه أصـابتهـا الشمــال | |
* * * |
||
لعمـرك ما العروبة محض فخر |
بأسـلاف لنـا كانـوا ودالـوا | |
ولكـنَّ العـروبة صـدقُ عزم | ومبــذولان أرواح ومـــال | |
وإحيــاء لأمجـاد الأوالــى | وأقـوال تعــززها فعــال | |
وأفئـدة رسـا الإيمــان فيها | لهـا بالله فى المحـن اتصـال | |
إذا أنتـم إلى العـرب انتميتـم | فما تكفـى العبــاءة والعقـال | |
جنـودَ العُـرب ناداكـم جمال | وصــاح بكل مئـذنة بــلال | |
عداكـم مالهـم أبـدا عهــود | وهل للرقش فى المشى اعتدال ؟ | |
عهدناكـم إلى الجُلَّـى عجـالا | وعند الفـئ مـا أنتـم عجـال | |
سليل العـرب عند الحرب ثبت | له وجــه وليس لـه قــذال | |
لئـن نك فى حـزيران انخذلنا | فكم نصــر يسببـه انخــذال | |
وإن تك مصـر قد فقدت جمالا | فما عقمت ولا قـلَّ الرجــال | |
جمـال غـاب والعـدوان باقٍ | وجـرح القـدس دامٍ لا يـزال | |
وتنـدمل الجـراح مع الليالـى |
وجـرح القـدس ليس له اندمال | |
* محمود حسن إسماعيل، رويدك يا جمال، (فى): حسن توفيق: الزعيم فى قلوب الشعراء ، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 2002)، ص 271 ـ 278. |