ياحبيبـى ويا أبـــى  وزعيمــى   لــمَ خلَّفتنــا لحـزن  عميــم ؟
يا (جمال) ، مـا كنت أرجو وداعــاً   فاجعـاً موجعـاً لنا فى الصميـــم
كنت أرجــوك للبـلاد  ويـوم النـ   ـصر مـن قبل يومنــا  المشئـوم
ما تصــورت إنمـا ليـلة  الإســ   ـراء كانت مسـراك نحـو  النعيم !
ما تصـورت أن مصـلحَ ذات  الــ   ـبين يمضــى للبيـن  غير مقيـم
ما تصـورت أن من كان  ملء الــ   ـسمع والعين ينطـوى فى الرجـوم
يا حبيب الإلــه ، يا  قِبـلة الأنــ   ـظار يا صفـوة   النهى والحلوم(1)
قد بكتك الدنيـا بدمــع سكـــيب   وبكاك الــــورى بنــوح أليـم
وبكتك الحشــود حتى ليبـدو  الــ   ـنيل من دمعهـا  الغزير السجوم(2)
شـاركت فى الأسـى  النواقيس قرعاً   وأذان ، وآى ذكـــر حكيــــم
والشجـى والنـحيب مــن كل نفس   لفتــــــى  أو  أب  وأم  رءوم
ويهـــودٍ ، ومسلــم ومسيحـى ،   وشيــخ ، وكاهـــن ، وكليــم
كل جنس وكل لــــون  وديــن   تصطفيهــا بالــحب   والتكريـم
المــلايين أمة العـــرب  والإسـ   ـلام والقبط أُترعـــوا   بالهمـوم
كل يوم يــزداد حبـك عنـد  الــ   ـشعب حتـى غـدوت أغلى حميـم
كنبــىّ قد كنت ، بعد النبييـــن ،   رســولاً ، عدا الرســولِ  الكريم
وزعيمــا قد بــوأوك  عليهـــم   لمدى العمـــر ليس غيـر  الزعيم
وأجــل احترام شخصـك كل الــ   ـناس : عــادٍ وصــاحبٍ وغريم

* * *

روع العالــم الكبيــر  بخطــب   جــل فى شخصك الكبيـر العظيـم
هد مـن ركنــه  غيابــك عنــا   فكأن جـانب هـــوى   كالهشيـم
وكأن زلــزلت بــــلادٌ  وأرضٌ   وكأن غُيبت زواهـــى النجــوم
وكأن جُللت بليـــل  طــويــل   وســــوادٍ  ووحشــة  وغيـوم
لست فـرداً ، كنت المــلايين  طراً   رب فــرد  كعيلـــم  وطمــوم
أنت شكـــلت أمـــة من جديـد   أنت جـــددت  روحهـا  من قديم
كان مَيْتَيــن عامــل  ثــم فـلا   ح فعــادا  كلاهمــــا مِن مِيـم
ردت الــروح للمعــذب ،  للمسـ   ـكين ، للمستــذل ، للمحـــروم
كم سجـلٍ تركتــه حافـلِ الأعــ   ـمال باقٍ لنا وضـــئ   الرسـوم
قد حــواه  التاريخ فى صدره الحـا   فل بالذكــر .. بالجــلال الوسيـم
مصــر ما أنجبت كمثلك فى خمــ   ـسين قرنــا : شهــادة التحكيـم
قلبك الطاهــر الكبيـــر  تمـادى   يتلقـــى الكلـــوم إثـر  الكلوم
ثم سُــدت  كل المســــالك  فيه   فأصـــابت نياطــه  فى الصميم
ليت قلبـــى أنا الــذى يفتــديه   ليت روحــى كانت فـدى للزعيم !

* * *

شيعتك القلــوب يـــوم  خمـيس   بخمـيس  عرمـــرم فى  وجـوم
فى احتفالٍ ، ومشهــدٍ لم تر الدنــ   ـيا مثيــلاً له ، مـهيبٍ  كريــم
لم نجد أمــة على الأرض يوم الــ   ـروع إلا قـد شـاركت فى القـدوم
بأهــم الرجــال جــاءت وفود ،   لأعــز الرجـــال فوق  الأديـم
بات ينعــاك ســدنا وهو عــال   شيّدَتـه عـزيمـــة  التصميــم
بات يبكيك بالدمــــاء  قنـــالٌ   حرّرَتــه يُمنــــاك  بالتأميــم
بات يبــكيك كل جيش   جســور   عــز شــاناً بالنصــح والتقويم
مقســم إذ يعاهـــد البطـل القـا   ئـد ، أن يهتــدى لنصـرٍ  مـروم
عشت حـــراً وثائــراً وعظيمـاً   وتـواريت فى اتضـــاع العظيـم
وافتديت الســلام فى دولــة  الأر   دن بالـروح يا شهيــد  الهمــوم
وتخيــرت أن تــؤوب إلى ربــ   ـك رُجعـى إلى الجنـاب  الرحيـم

* * *

ربِّ ، لا نمـلك اعتراضـاً ، ولكـن   نسأل اللـطف فى القضـاء الأليــم
كل حــى إلى انتقال ،  ويبقـــى   وجــه رب الجــلال والتكريــم
ولكل مــن العبـــاد  كتـــاب   ثم يمضـــى  للموعــد  المحتوم
يا أبا خــالد : لك الله  وابــــلغ   رحمــةً من لـدن عزيـز  حكيـم
فتبـوأ من فضــل ربــك  ركنـاً   من رضـاه ، ومن رحـاب  النعيـم
واستـرح واطمئــن بـالاً  ونفسـاً   نحن أجنــاد عهــدك الموســوم
كل أحــلامك الكبيـــرة   تأتـى   فى طريـق التحقيــق  والتتميــم
كل ما جئتنــا به مـن وصــايـا   وتعـاليــمَ ، كالصــراط القـويم
ذلك العهـــد لا نفـــرط فيــه   ماثلٌ دائمـــاً زكـــى  الشميـم
قد ندبنــا إلى طــريقك  أوفــى   من يصـون العهـود ، خيـر  حميم
باشتراكيــة ووحـــدة  صــف   ومسيــرات نصــرنا  المرسـوم
سوف نجنــى ثمـار  نهضتنا الكبـ   ـرى جـزاء اجتهــادك  المعـلوم
وعـــزاءً لأمــةٍ ولشــــعب   وســلاماً ورحمـــةً  للزعيــم
     
     


* خليل جرجس، "رسالة إلى روح الزعيم"، من مراثى الشعراء فى ذكرى الزعيم الخالد "جمال عبد الناصر"، (القاهرة : مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية االفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1973)، ص 67 – 70 .
(1) العقول.
(2) الغزير.