هناك .. على امتداد القمح والزيتون والكرمة

سأحيا فى ربيع ، ربيع عينيك

أطوف كالصدى الموتور ما تهدأ له نأمة

وأوغل فى الحراج البكر من أيك إلى أيك

ألوب على تعلات أساطير

على قدسية سمراء ، كالبسمة

سنابل شعرها …

جاءت بها ريح الصبا

من بيدر النور

شذا أنفاسها ما لا يعى تاريخ ( إبريل )

ونكهة صوتها أحلام ناى دافئ النغمة

ومن أوراس ، من صنعاء ،

من بردى .. إلى النيل ..

تزور ضريحها المجهول أسراب العصافير

لتنثر فوقه أزهى الأكاليل

أجل … ماتت

مساء زفافها الوثنى للغول !

* * *

حياتى … ولتكن نهباً حلالاً للأساطير

سأنفضها ، وان لم أجن غير الدمع والشوك ،

سأنفضها على واحات عينيك

أنقب عنه ، عن بطل إلهى

نسيت اسمه

وما زالت ملامحه مهمومة بتفكيرى

على النعمى ..

على مفتاح خيرات الثرى يمناه منضمة

ودفء الحب فى اليسرى

إذا اختلجت سريرته ، إذا أوما

تحرك فى السماوات العلى لوح المقادير !

تعرى يومها ..

ثم اختفى فى الضفة الأخرى

فلم نسمع سوى كلمة

أضعناها !

هدرنا مجدها القدسى تحت السوط والنير

تنكرنا لها جهرا

لأن حروفها شافة ، حمرا

كألسنة من النار

تموت .. ولا تطيق العيش إلا بين أحرار

أضعناها ..

دمغنا جبهة التاريخ بالعارِ !

* * *

وها قد لفت الغبراء آلافُ النياسين

ونحن على لظى أمل بعودته

يكلل شعره وجبينه تاج من الغار

فرشنا دربه العارى بأشلاء الرياحين

وحكنا من لعاب الشمس ، من ذهبيها الدافئ

له خيمة

نصبناها على سفح لصيق بالحواكير

ليعرف أين ننتظرُ

ليشهد كيف نحيا .. آن نُحتضرُ

فيسهر حولنا حتى يضيق بجفنه السهرُ

ويرشح من عروق الغيب ،

من تحنانه المطرُ

رياح البحر لم تجلب

لنا بعد الوفى غيمة

ولم تحلب ..

بذرنا كل ما فى البيت لم نترك ولو حبة

فلم نحصد سوى الخيبة

رغيف الطين نعجنه بأدمعنا

وتغزونا من الصحراء قطعان من الحُمىَّ

تعنكب بين أضلعنا

وتنفث حقدها المسعور فى أكواخنا سماً

فما تبقى ..

لنا إلا الحصى وأسرة الأطفال والحسرة

وأجسامناّ هياكل دونما حسن

مجوفة فما فيها سوى القشرة !

وباباً فى جدار الليل مفتوحاً على الهجرة

وأجيالاً من التشريد والرقَّ

* * *

فيا قديستى ، يا أنت .. يا أنت !

قفى صلى معى ، صلى

صلاة الميت للميت :

" تعالى ، تعال ..

مزق عنك آباداً من الصمت

فنحن نموت يا أبتاه !

يا أماه .. ما أقسى يد الموت !

يتامى … لم نجد أحداً يكفننا ويبكينا

ثكالى .. لم نُخلف من يوارينا

فهلا عدتَ يا أبتاه ،

يا أماه … هل عدت

وراءكما ، وراء خطاكما ..

أواه ، كم نجمة

أراقب زيتها الدرى فى دهر من العتمة

وكم طفل قضى … شفتاه

زنبقتان ترتعشان للنسمة

قضى جوعاً ولم ترجع

ولم تنقذ له أمه

فهلا عدت يا أبتاه ،

يا أماه .. هل عدت

لقد متنا

ومات الخصب فى دمنا

ومات وغيب اسم الله

فى وثنية المأساة ،

يالو عدتَ تحيينا ! "

* * *

وفى عينيك ، فى جنات عينيك

على مرمى ظلال القمح والزيتون والكرمة

ورأسى طائر يغفى على مثنى ذراعيك

وقلبى كالشذا الموعود أن تسرى به نسمة

إلى عرس الثرى الأول

إلى حقين عاجيين مصرورين بالمخمل ،

أحس يدا تدغدغه ، تدغدغنى

وتكسر عن بقايانا جليد الليل والكفن

فينبض فى دمى لهب الحياة الغضة العذبة

وينبت ما رعاه العقم فى أحشائك الخصبة

فيا بشرى

لقد عدنا ….

مع المأمول من جبانة الغربة

ونحن أشد إيمانا

بأن الغول لن يحظى بظفر من عذارنا.

- : ولكن أين أخوتنا ؟ !

هو العربى رمز الصدق إن وعدا

رسائلهم تقول : " غدا … "

ونحن نريد قبل غد !

ألم تحمل أغانينا ..

إليهم أننا عدنا ؟

نعم … عدنا

وعادت تغمر الأرجاء بالنعمى أيادينا

وعاد الله … ينفخ من جديد روحه فينا
 

* على كنعان، أغنية العودة، (فى): حسن توفيق: الزعيم فى قلوب الشعراء ، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 2002)، ص 125 ـ 133.