"ناصر"والجراح ملء كيانى ودموع المأساة فى أجفانى

والضلوع الخرساء فى قبضة الآلام تدمى وفى يد الأحزان

والظلام المحموم يعبث بالأفق ويلوى بخاطر الفنان

كيف أبكيك يا نشيداً من الغيب تدلى فى موكب الألحان

كيف أبكيك والعروبة جثمان مسجىً تنساب فى جثمان

دمعة الشعر روعة صغتها أنت ترامت خلف الرؤى والمعانى

تخرس الألسن التى "تغنيك" إعياءً ، وتعى بك العيون الروانى

"ناصر" لا تغب فما زال للموج حنين لحكمة الربان

لا تغب فالميدان فى ظمأ الجرح يعانى ضراوة العدوان

أنت "يوليو" التاريخ يا صانعاً "يوليو" طريقاً لموكب الأوطان

خضت فيه العواطف الهوج لم تذعن ملالاً أو تستكن فى توان

ولد العرب فى يمينك زحفاً من معال وموكباً من معان

طاقة كنت للبناء تعد اليوم فيه وكنت تحصى الثوانى

لم تقف لاهياً على ملعب الأحداث شأن المحنك اليقظان

وهبتك الحياة للنيل فامتد بك النيل لم يقف فى مكان

شاطىء النيل لم يسعك ففاضت بك أمواجه على الشطآن

"ناصر" كنت دفقة النور فى الروح وومض الأذهان فى الأذهان

لا أداجيك ، قيمة الشعر أن يرقى ويبقى فى المستوى الإنسانى

شرف للرجال أن يصدقوا القول وأن يرتقوا على الأضغان

قم تر الناس فى جنازتك اليوم صديق وحاقد يبكيان

يفرض المجد نفسه رغم أنف الناس رغم الأنانيات الشوانى

كنت صدقاً وللحقيقة إنساناً يعانى من أجلها ما يعانى

يرعش الحق صدق عينيك إيماناً ويطويهما على إيمان

جئتنا الأمس والعروبة بالأمس بقايا شعب وأشلا كيان

ومُنانا جنازة فى يد الطغيان تلهو بها يد الطغيان

ظمأ الدرب يجتدى ظمأ الدرب ويهفو الظمآن للظمآن

فتألقت فى الدروب بنا خصباً وأورقت فى ربانا أغانى

تزرع الأمنيات فى أعين الموتى ، وتهدى الضياء للعميان

شعلة المدلجين فى زحمة الليل وقلب الشجعان للشجعان

كم جهلناك يا فتى النيل من جهل وكنت الوحيد فى الميدان

ورمينا الدخان فى وجهك الحر فأشرقت من وراء الدخان

تبتنى سؤدداً فننسف ما تبنى لنا راحتاك من بنيان

لم تقل قد تعبت مالى وللشعب ولم تستكن لريب الزمان

عرق الجهد فى حياتك ما زال شموعاً على دجى الحدثان

وجهود الرجال تبقى وإن ماتوا فهم فى الحياة كالعنوان

"ناصر" هل تموت .. كلا فللموت أناس هم والردى سيان

خالد أنت تحتويك حنايا العرب حياً خلف القلوب الحوانى

ها هنا قد يموت من مات هيهات وهيهات يستوى الميتان

ميت حسبه التراب وإنسان تعالى حتى على الأكفان

لم تمت أنت إنما الموت للأبطال عمر من البطولة ثان

 


* شاعر يمنى ... انظر محمد الشرفى، "ناصر هل تموت ..كلا"، (فى) المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، من مراثى الشعراء فى ذكرى الزعيم الخالد "جمال عبد الناصر، (القاهرة: مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ، 1973)، ص 237 ـ 239.