أمـع الاسـراء
نادته السماء ؟
|
|
كـدت أن أحـسـبه فى الأنبياء
|
علـت الطائـرة الثـكلى بـه |
|
فتـخيلت بـراقا فـى
الفضاء |
كدت أن أسمـع فى مـوكـبه
|
|
نغـم الأمـلاك
يعـلو بالدعاء |
كـدت أن ألـمـح فى معراجه |
|
طـيـف
جبريل يحيى الشهداء |
كدت أن أشهـد فـى آفـاقـه |
|
مشـهـد الجـنة وعـد السعداء |
|
* * * |
|
قـلت والجثمان يعلو فى السما |
|
إنـه حـيـاً ومـيتاً فى
علاء |
وتمثلت مسـيـحاً
صـاعـداً
|
|
أفمـا كـان مـسيـح
الزعماء |
يحـمل الآلام عنـهـم ويـرى
|
|
أنـه الـفـادى إذا عـز الفداء |
صـلبـتـه لـوعة
دامـيـة
|
|
فى خـيام اللاجـئين
التعسـاء |
صـرعـته مـحنة القتلى على
|
|
سـاحة الأردن والجوعى الظماء |
طعـنته يـد قـابـيل الـتـى
|
|
طـوت العـهد وأودت بالاخاء |
ذبـحته نـكـبة العـرب التى
|
|
جددت فى الناس ذكرى كربلاء |
|
* * * |
|
طـائر الاحـزان لا تــنأ به
|
|
إنـه كـان لـنـا أحـلى رجاء |
وتـرفـق .. إن مـن تـحمله |
|
كان من يحمل عن مصر العناء |
كان مـن يحنو عـلى أمـتـه |
|
كـان مـن يدفع
عنها الأشقياء
|
عاش ما عـاش فـقيـرا زاهدا |
|
ينـكـر الأخـذ
ويدعو للعطاء |
وهـو مـن كـان بـما
يملكه
|
|
من قلوب الناس ، أغنى الأغنياء |
يـا فنـاء "القبة" استقبل فتى
|
|
لم يزل فى مجـده فـوق الفناء |
ثـائـر الثـوار نـاداه الـذى
|
|
تسـكن الـروح لـه عند النداء |
خيـم الصمت علـى مـنـبره |
|
بـعـد أن كان خطيب الخطباء |
وانحنينا ، بعـد أن كـنا بـه
|
|
نـرفع الـرأس ونمشى الخيلاء |
حـمل المـدفع أمـضى مدفع |
|
يقـهر الـصلب احتمالا ومضاء |
نحن لولا الـمـوت قـلنا إنـه
|
|
كـان كالأقدار يـقضى ما يشاء |
لو سـئـلنا فـدية فـى دمـه |
|
لافتـدته كـل مـصر بـالدماء |
كان لا ينطق فيـنا عن هـوى
|
|
أو يـقـول الـقول للناس رياء |
كان كـالأهـرام مـجدا وعـلا |
|
كـان كـالنيل انـطلاقا ووفاء |
كـان كـالسد شمـوخا ونـدى |
|
كـان كـالأزهـر طهرا ونقاء |
كـان فـى تـاريخنا أكرم من
|
|
كـرم الـعـلم وزكـى العلماء |
ورعى الـفن وحـيـا أهـلـه |
|
وحـباهـم بـأكـاليل الـثناء |
وحـمى الدين ونـادى بالتـقى |
|
فى زمـان قـل فـيه الأتقياء
|
واصـطـفاه الله للعـرب ، فما
|
|
كـان إلا خـامسـاً فى الخلفاء
|
يا أبـا الشـعب وبـانى عـزه
|
|
كـلنـا بـعدك فـى اليتم سواء |
لم تمـت روحك فينا ، بل غفت
|
|
غـفوة الـعابد فى غـار حراء
|
واسـتراحت فى جـوار آمـن
|
|
فى رحـاب الله خـير الأمـناء
|
غيـر أنـا لن نرى الوجه الذى
|
|
كان إن أشـرق فى الليل أضاء |
والـقوام الـفارع الـحلو الذى
|
|
كـبـرت فـيه معانى الكبرياء |
لا ، ولـن نسعد بالصوت الذى
|
|
رن بـالحـب وغـنى بالإخاء
|
"أيـها الأخـوة" .. لن نسمعها
|
|
"أيها الأخوة" .. ماتت فى الغناء |
بعد أن كـانت نشـيدا للربـى
|
|
وصـدى عـذبا وعطرا للهواء |
يـا حبـيبا راح مـا ودعـنا
|
|
سـوف نبـكيك إلى يـوم اللقاء |
قـم تـجد فى كـل بيت مأتما |
|
وعـلى كـل طـريق بـرحاء |
ليـس فينا غيـر من خر ومن
|
|
غـص بالبلوى ومن شق الرداء |
احـتملنا الـدهر فى أحـداثـه |
|
وارتـضيـنا منه ما سر وساء
|
غيـر أنا قد وقـفنـا ها هـنا
|
|
وقـفة التـائه فـى لـيل عماء |
نسـأل الاقـدار مـاذا أظهرت
|
|
من عواديها ، وماذا فى الخـفاء |
إن للـرحمن فـى أحـكـامـه
|
|
حـكمـة يقـصر عنها الحكماء
|
كنت ملء الكون عـزما وهدى
|
|
ونـضـالا وجـلالا وذكــاء
|
أى داء نـابـغـى غـالـنـا |
|
فـيك ، إلا ان يـكون المجد داء |
كـنت فـينا فرحة الدنيا ، فإن
|
|
هـى ولـت ، فعلى الدنيا العفاء |
يا رجـال العهد ، صونوا عهده
|
|
إنمـا أنـتم عـليـه أوصـياء
|
وإذا مـات جـمال ، فلـيكـن
|
|
لوصـاياه لـكم طـول البـقاء |
خـلدوا فى حـناياكم ، كـمـا
|
|
تـخلد الأديـان بـعد الأنبـياء
|
واحـفظوا ثـورته طـاهـرة
|
|
وانفـضوا كل انحراف والتواء |
وخـذوا العـبرة مـنه إذ مضى |
|
يـرأب الصـدع ويـعلو بالبناء |
واذكـروا فـى كـل فجر إنـه |
|
مـات بالـعدوان مجروح الإباء |
فـاثبتوا ، لا تنـزلوا عن حبة
|
|
استـبيحت من رمال الصحراء |
واسمعوا القـدس تناديكم ، فلا
|
|
تقبلوا فى القدس ما دون الجلاء |
لا تـقولوا نـحن أحـرار ، إذا
|
|
ظـل أهـلونا عـبيدا وإمـاء |
شـددوا الـنكر عـلى أعدائكم
|
|
واطرحوا الصبر فقد فاض الإناء |
نحـن بـاردنا إلى السلم ، وهم
|
|
أنكـروه ، فلـنبادر بـالـعداء |
شـرف الهـدنة يـعفيـنـا إذا
|
|
لـم يكـن أعـداؤنا بـالشرفاء |
شـف الهـدنة ألا نـرتـضى |
|
فـى طـريق الحل عوداً للوراء |
امسـحـوا الأعـياد من أيامنا |
|
غير عيد لو رفضنا الصبر جاء
|
إنـه العـيد الـذى نـحـيا له |
|
كـل عـيد ما خلا النصر هباء |
يـا قـضاء نـرتضيه ، بينما
|
|
نجـهل الحكمة فى هذا القضاء |
أأعـزى فـى جـمـال أمـة
|
|
لا تـرى فـيـه سبيلا للعزاء ؟
|
أو ارثـيه بـدمـعى ودمـى ؟
|
|
نحـن فى المـأساة أولى بالرثاء |
لا تـلوموا عـيتا فى مـوقف
|
|
بـات أعـيا الناس فيه الشعراء |
|
|
|
|
|
|
* صالح جودت، نحن أولى بالرثاء، (فى): حسن توفيق :
الزعيم فى قلوب الشعراء ، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 2002)، ص
248 ـ 257. |