ألملمت الشمس  أضــــواءها   وغاب النهــار  وحــل المغيب
أغاب الذى فجّـر النور  صبحـاً   وبدد ليل الظــلام  الـــرهيب
لقد وَكَفَ(1) الدمُ من كل عيــن   بحوراً تفيض  بدمـــع صـبيب
ومن حـوله .. وهو يمضـى إلى   مغيب الحيـاة .. تذوب القلــوب
على أى مـوج من الخلق يمضى   به زورق للمنايــــا   عـجيب
على أى بحـر من  الخلق ماجت   قلوب براهـــا عليه النــحيب
أيا زورق المــوت .. رفقاً بـه   ويا زورق  المـوت .. هذا الحبيب
تلاطم من حوله  المـوج .. يدعو   هديراً .. ينـادى ..  ولا من مجيب
ويصطخب المــوج من هولـه   فيوشك يغرقــه ..  من لغــوب
إلى أين يا ركب تنوى  الرحيل ؟   إلى محفل  فيـه أنت الخـطيب ؟
يجلجل صــوتك ضـد  الطغاة   ويلوى زمــام الردى والخطـوب
ويدعو إلى السلــم بين  الأنـام   ويدعـو إلى الحق بين  الشعـوب
ويرفع للمجـــــد   آساسـه   وينصــر حق الضعيف السـليب
ويرســـى على النيل  أوتـاده   ويجعل فيه الجــديب الخـصيب
وشمل العــروبة من  حــوله   يجمعــــــه  بالذكاء الأريب
إذا وقف العــرب فى وحــدة   فليس لباغ لديهــــم   نصـيب
حويت العــروبة فى رحبهــا   بقلب كبيــر فسيــح  رحـيب
وهبت الحيــاة  لها مـؤمنــاً   وكنت لها أنت نعــم الوهــوب
فلسطـين من أجلهـا  أنت جئت   ومن أجلهــا كان هذا الذهــوب
ومن أجلها لم تبــال المنــون   ومن أجلهــا لم تبـال الكـروب
ومن أجلها قد قصـدت  السمـاء   لمؤتمر فى السمـــا  يسـتجيب
على الأرض مذبحــة  للسـلام   وفى الأرض ينصب  فيها الصليب
على الأرض تسفك فيها  الدمـاء   ويأكل لحـــم أخيه الغلـــوب
على الأرض تنزع أرض  السلام   يعربد فيه الدعـــى الغــريب
فلسطيــن قصتهــا عبــرة   وصهيــون عن غيها لا  تثـوب
وللغرب فى الشــرق آرابــه   وأحقـاده ما  لها من نضـــوب
فآناً يفجــرهـــا  فتنـــة   وآناً يشن علينـــا  الحــروب
دعوت إلى السلــم عن حقــه   فما آثر السلــم بــاغ  مـريب
وآدك ما آدنــا فتنــــــة   يُقتل فيها القــريب القـــريب
ومن خلفه شــامتاً رابضـــاً   عدو عضــود لدود  غضــوب
حقنت الدمـاء وصنت  النفـوس   وراقبت حـــق الإله الــرقيب
فلم يقم المــوت عن  فديـــة   بأعظـــم مما جــرى  للحبيب
عدا الموت .. وهو  يصون الحياة   عليه .. وأجــج فينا اللـــهيب
ومات جمــال .. فيا  لجمــال   ويا للحيـــاة  بوجـــه كئيب
لئن غــاب عنا  بجسمـانه(2)   فروح جمــال هنا لا يـــغيب
ويا قبــر .. جثمانه(3)   مودع   وثورتــه مالها من  غـــروب
وما مــات .. لكنه قد غـــدا   بمعناه يمـــلؤ منا   الجنــوب
سلام على (ناصر) فى الخلــود   ســلام على (ناصر) فى  القلوب
     
     


* الربيع الغزالى، "مؤتمر فى السماء"، من مراثى الشعراء فى ذكرى الزعيم الخالد "جمال عبد الناصر" (صادر عن المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، (القاهرة : مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1973)، ص 109 ـ 110.
(1) قَطَرَ.
(2) الجسمان : جسد الحى.
(3) الجثمان : جثة الميت.