دَفَنت مع الأَمس الحــزين أباهـا | أَوَما تــرون هلوعهــا وبكاهـا | |
أَوَمَا تـرون دموعهـا وجزوعهـا | والنـار بين ضلوعهــا وحشاهـا | |
شقت عليه جيوبهــا وقلوبهــا | ونضت عليـه جلالهــا ووفاهـا | |
تبكى على وهـج الخطوب حبيبها | وتنوح ملء وهادهــا ورباهــا | |
من ذا يكفكف فى المواجع دمعها ؟ | من ذا يهدهـد فى البـلاء أساهـا ؟ | |
من ذا يذود عن الحمـى من بعده ؟ | من ذا ينير على الخطـوب دجاها ؟ | |
أَوَكلما نشـر الإلـه صحيفـــة | للمجد بين عشيـــة وضحاهــا | |
بسط الـردى من راحتيه وغالهـا | ومحا معالــم عزهــا وطواهـا | |
لهفــى لها عن أمــة منكوبـة | فل الزمـــان سيوفهــا وشَباها | |
فانبت حاضـرها ، وغام شروقهـا | وذوت على أيـدى العـدو رؤاهـا | |
النار تأكل فجهــا ونضيجهـــا | والحقـد يطمس نورها وصواها (1) | |
والشعب يبحث فى ضمـائر أهـله | عن قائـدٍ، عن رائــدٍ لخطــاها | |
حتى التقى بك يا جمال على الهدى | والحب ، والإخـلاص تحت سماها | |
فأضـأت مظلمهـا وعشت لها أباً | ورعيت عـائلها ، وصـنت حماها | |
ووصلت حاضـر مجـدها بمـآثر | نَشَقَ الزمــان عبيـرها ووعاهـا | |
وبعثت من أجـدادها أمجـــادها | وركـزت فى الجـلى عَلىّ لواهـا | |
ووصلت أرحــاماً تشقق ضــلةً | وهـديت حائـرها ، وقدت قواهـا | |
وبنيت للشعب المـجيد بنــايـةً | أبقـى على الأيــام من ضحواها | |
ورفعت للسلـم المـحبب رايــةً | كنت النصيـر لها ، وكنت فـداها | |
ودفعت بالشعب "الأبــى" لغايـة | تعنو الجبــاه لعزهــا وعـلاها | |
يا صــانع المجد المخلد فى الدنا | هــلا أطلت من الحيــاة خطاها | |
الشعب بعــدك أمــة مذعـورة | لهْفَـى تخبط فى جحيــم لظاهـا | |
لم تـدر من هـول الفجيعة حولها | ماذا عليه صبـاحهــا ومسـاها | |
خـرجت على أثر النعى تنوشهـا | أحـزانهـا وضــلالها ونهـاها | |
لم تـدر من وقـع المصيبـة أنها | فقـدت أعـز رجالهـا ، أغناهـا | |
فمساؤهــا كصباحهــا فى أنـة | وصـولة هـز الوجــود صـداها | |
خـرجت إليك نساؤهـا ورجالهـا | وعـدت إليك بحبهـــا وفـداها | |
وقفت ببابــك والظـلام مخيــم | فى ساحتيـك تهزهــا نجــواها | |
حيـرى تكـذب ما سعت من أجله | وتـود من طمس الضيـاءِ طـواها | |
أصـواتها مبحوحـة ودعـاؤهـا | ونداؤهـا ، واحسـرتــا لنـداها | |
عودتهـا ألا يطــول وقوفهــا | حتى تجيب نــداءَها ودعـاهـا | |
لكن أمــواج الظــلام تدافعت | فطغت مواجعهـا وضــاع رجاها | |
ورأت ضبـاب الحزن رجع ندائها | ورأتك أنت على ســواد مسـاها | |
وغدت مع الفجـر الحـزين لساحة | تتزاحــم الأمــلاك عنـد بناها | |
تسعـى إليك وفودهـا وحشـودها | والحب والإيمـان ذوب لقــاهـا | |
ترجـو سماعك هاديـاً ومجلجـلاً | كالعهـد يـوم تقودهــا لهداهـا | |
لكن رأتك ـ وفى المدامـع حسرة | غير الذى ترجــو ، فغـاب نهاها | |
وتحـدرت كالسيـل فى أبنائهـا | قد غـاب قائدهـا ، وحـم قضاها | |
يتدافعـون إلى ركابــك حومــاً | كالطيــر يدفعهـا إليك ظَمـَاهـا | |
يتسابقــون إلى لقــاك كعهدهم | لكن صـوتك لا يــجيب نــداها | |
يتعلقــون بــأمــة مطويـة | فى خيــر ما رفعت لهـم يمناها | |
يتساءلــون عن الطـريق أمامهم | غاب الـدليل وفى يديــه ضيـاها | |
أين الطـريق ومصر خلفك ترتجى | منك الســلام وتبتغيـك فـداها ؟ | |
أين الطريق ومصـر بعدك لم تزل | حيـرى على درب الكفاح خطاها ؟ | |
أين الطـريق ، وأنت رائد مجدها | ومقيـم دولتهـا وعــز بناهـا ؟ | |
لاذوا بنعشـك يتقــون بظــلة | وسعـوا بـركبك فى طهور حماها | |
فاضت مـواجع أمـة مكلومــة | فهـوت تقبـل من خطـاك ثـراها | |
تحثو التـراب على وضئ جبينها | وتصـيح فى وله عليك ذراهـــا | |
لا تدفنوه فى التــراب فإنـــه | أمل الشعـوب ، وحبهـا ، وهداها | |
الفارس المغــوار جـل جبينـه | عن أن يمس ترابهــا وحصـاها | |
فلطالمـا رفـع الـرءُوس تجـلةً | ودعـا لعزتهــا ودعــم مناهـا | |
لا تتركـوه وأنتــم من غـرسه | بيد المنــون ، وظلمهــا وأَساها | |
فلطالمـا خـاض الحمـام لأجَلكم | وهــدى الشعـوب لأمنهـا وبقاها | |
يا فارس الجلـى ، وأنت ربيبهـا | وحبيبهــا، ورفيقهــا ورجـاها | |
هــذى جـوانحنا وتلك قلـوبنـا | مـلأى بحبـك فلتنـم بــذراها | |
خلجـات أفئـدة الشعـوب تحيـة | تبقـى على طـول المـدى ذكراها | |
* أحمد شقير، "مصر تبكى أباها"، من مراثى الشعراء فى ذكرى الزعيم الخالد "جمال عبد الناصر"، (القاهرة : مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1973)، ص 147 ـ
149. |