على محمد لقمان .. ما بعد يومك .. يا جمال

مــا بعــد يومـك غمـة ومـصاب		أفبــعد مـوتك موتك يا جمال ، نهاب ؟
فلـترعـد الأهـوال مـا شاءت ، فلن		نـأسى لـهـا ، ولـتبـرق الأوصـاب
فـوق الـفواجـع كلـهـن رزيـئـة		ضجـت بـهـا شيـخوخـة وشـبـاب
دكـت قـلـوب الـعالمـين وفـجرت		أحـداقـهم ، فـالـعـالـمـون عـذاب
الـريـف بـاك ، والـمـدائن لـوعة		والـزهـر ذاو ، والـحـقـول يـبـاب
و"الـنيل" يـجرى بـالـمـدامع دافـقا		حـمـما وأمـواج "الفـرات" غـضـاب
وحـدائـق "السودان" بـعـد أريـجها		كـرياض "بنـغازى" جـوى وخـراب
"بـردى" يئـن ، وفـى "البقاع" نياحـة		و"بـنـا" عويـل ، و"الحـجاز" مصـاب
لا تـسـأل "الأردن" عـن دهـيـائـه		و"القـدس" حـيـث يولـول المحـراب
و"القـيـروان" صـبابـة فـى مـأتـم		و"جـزائـر" الـمسـتـشهديـن تـباب
و"المـغـرب العـربى" فـى آهـاتـه		مـثـل "الخليج" فـجـيعـة تـنـسـاب
	* * *
يـا رائـد الـمتـقدمـيـن إلـى العلى		والأرض نــار ، والسـمـاء ضـبـاب
وأبـا الـفـدائـيـيـن دون كـرامـة		إن الـفـداء إلــى الـكـرامـة بـاب
لا تـفلـح الأوطـان فـى آمـالـهـا		حـتـى يـكـون شـهـيدها الـوثـاب
والـمـوت حـق ، والحـيـاة ضلالة		مـن غـيـر حـق ، والنعـيم سـراب
مـن رام فـى الـدنـيـا حـيـاة حرة		ثـمـن الـحـيـاة الـحـرة الأتـعـاب
من يـا "جـمال" سـواك نـادى أمـة		فـإذا الأبـاطـح والنـجـود جـواب ؟
من يا "جمال" سـواك لـبـى عـانياً		يـلـهـو بـه مـستعــمـر غـلاب ؟
سـدت مـنـاج مـن مـآزق جـمـة		فـزحـفـت فـانفـتحـت لنـا الأبواب
أقـبـلت مبـتـسم الـرجاء مـهـللا		إن الــرجــاء تـبـسـم جـــذاب
يـا أجـمل الزعـماء ذكـراً عـابـقاً		الـذكــر عــمــر خـالـد جـواب
ذهـب الـرجـال، كبيـرهم وصغيرهم		هـيهـات ، تـطوى الـرائـد الأحـقاب
مـلا الـوجـود سـنـاؤه وجـلالــه		أيـغيـب ؟ لا ! غـيـر الطـلائع غابوا
ولدته مصر، ومصر لم تنجب سوى الـ		ـأعـلام ! كـل فـى الأنـام شـهـاب
الـمـؤمـنـيـن بـحـقـهم ومكانهم		شـبـوا عـلـى حـب الـبـلاد وشابوا
الصـامـديـن ، دروعـهـم أيـمانهم		شرف المـجـاهـد "سـنـة وكـتـاب"
الـراكـبـيـن الـوعـر لا تـثنيهمو		حـتـى يـفوزوا بـالـمـرام صـعاب
الـكاشـفـيـن الضـر فى دنـيا الخنا		لا الجـو يـصـوفـهـم ولا الإرهـاب
الـبـاعثـيـن كـرامة عـربــيـة		لولاهـمـو ضـل الـعـبـاد وخـابـوا
رفـعوا لـواء الـخـيـر حين تجهمت		سـبـل الـضـلال وأرجف الـكـذاب
واسـتـنـهـضوا هـمم النيام فأقدموا		كــم ذل ، قـوم نـائـمـون فـذابـوا
	* * *
يـا "مصر" يـا أم الـعـروبة كـلـها		أنــت الـرءوم وأهــلك الأحـبـاب
مـازلـت أذكـر فى ربـاك شبيـبتى		مـا بـعـد أيـامـى هـنـاك شـبـاب
وشـربت مـاء النـيـل حـلوا بـاردا		مـن أيـن بعـد الشـهد ذاك شـراب ؟
أرضـعتـه حـريـة فـسـمـا بـها		والـظـلم يـردى والـعــدا أحـزاب
ورزقته أمـل الـزعـيـم فـلـم يـنم		أرق، نـصـيب الـخـالـديـن ، وداب
كالشمـس فى سـهـر ، ومن أضوائها		تحيـا شعـوب ، أو تـفـيـق شـعـاب
ليس الـزعامة فـى الـرقـاب مـكانها		فـرحــابــهـا الأرواح والألـبـاب
	* * *
يـا واحـد الأجــيـال مـنـذ "أمية"		لك وحــدك الإكـبـار والإعـجـاب
لمـلـمـت شـمـلا فـرقـته مطامع		وجـمـعـت شـعـبـاً مـزقـته حراب
وكشـفـت للعـرب المـكائد حـولـهم		لـولاك لــم يسـتـيـقـظ الأعـراب
كـم مـوقـف لـك بـاسـل مـتـألق		شـهـدت لـه الأعـداء والأصـحـاب
وغـمـار حـرب ، خـضته ، فتقشعت		ظـلـم ، تـدهـدى كـالـخضم ، عباب
ومسـيـرة ، كمـنـت أفـاع دونـهـا		فـإذا الأفــاعى مــا لـهـا أنـيـاب
يسـتـنـزف الحـيـات من أحجارها		بطـل الـحـواة ، الـطـاعن الضراب
كـم فـى الـمـوائد من شوائل لا ترى		فى الصـخر سـود ، فـى التراب تراب
ونضـانض خبـث فضـحت كـمونها		مـتـلمـظـات ، دونـهـن حـجـاب
وبـلاغـة ، والـحـادثـات رواعـد ،		يعـنو لـهـا الـبلـغـاء والخـطـاب
إيـجـازك العـسـل الـشهى ترقرقت		آيـاتـه ، ونـمـيــرك الإســهـاب
مـن كـل ممـتنع ، تـصوغ بـديعـه		سـهـلاً ، وفـى الـسـهل المـنيع لباب
يلج القلوب ، هدى ، كـنسـمـة واحة		والقـيظ مـضن ، والسـمـوم نـعـاب
كـسنـاء عـافــيـة يـدب فتنـجلى		عـلل ، علـى النـطس الحذاق ، صعاب
فيـهيـب ، مـن خـدر القرون ، منوم		مـرحـى لـمـن سمـعوا الأذان فثابوا!
ويـقوم مـشـلـول ، ويـنـهض راقد		مـن كـهـفـه ، مـتـحـفـز ، هباب
سـلف مـجـيـد لـم تـزل تشدو به		حـتـى أفـاق مـن الردى الأعـقـاب
تبـنـى علـى الماضى المؤثل حاضرا		فـيـشـيـد المـستـقـبـل الـخـلاب
ومـن الـبـيـان العـبقـرى وحـسنه		بـعـث إلـى أنـف المـنـى ووثـاب
فـى كـل مـجـتمـع ، لـواؤك خافق		للـحـرب حـرب ، للـسـلام جـنـاب
وبـكـل مـؤتـمـر ، خـطابك معجز		كـم بدد السـحب الـكـثـاف خـطاب
نـزت الـدمـاء فـصـنتها مـتحـملا		مــا لــفـق الـعـمـلاء والأذنـاب
إن الـقـيـادة حـكـمـة وبـراعـة		وأنـا نـدب ، لا يــنـى ، وصـواب
حـمـل السـلاح أخ عـلـى إخـوانه		فشـكـا الـقـراب ، وأجـفل القرضاب
وأشـد مـن ضـرب الـعـدو وطعنه		خـلف ، يــمـزق أسـرة ، وسـبـاب
أأخـى يـموت على يـدى ، وبصارمى		بئـس الـحسـام ، وبـئست الأسـبـاب
	* * *
سـلـمـوا ! فـهـل علموا بقلب راشد		جـرحوا، بطـيش رصاصهم، وأصابوا ؟
آبـوا بفــرحـة وحـدة عـربـيـة		حـيـث وهـاد شـرقـهـا وهـضـاب
وبكـتـك مـصـر ، فكل أرض عبرة		وكـأنـهـم مـن حـزنـهـم مـا آبـوا
فـى مـأتم ، شـمـل الـموجود جميعه		فـالأفـق بــوم نــاعـق وغــراب
ونـعـى الأثـيـر إلـى الكواكب زينها		مـا مـثـلـه فـى النـيـرات عجـاب
وإلـى الجـيـاد الـصـافنـات مجليا		تـهـوى عـتـاق، سـرجـه وعـراب
وإلـى الشـعوب مـعلـمـا مـتـمكنا		آووا إلــى إرشــاده وأنـــابــوا
ومـهـنـدا فـى الـغـاشيات مـجردا		لـم يـحـوه دون الـشـعـوب قـراب
لجـئـوا إلـيـك مـن الـغزاة وما لهم		ظـفـر لـصـد المـعـتـديـن ونـاب
فـتفـيئوا فـى ظـل سيـفـك روضة		ليطـيب نـبـت أو يفيـض سـحـاب
قـل للـذيـن استعـمـروا فـتعسـفوا		الــنــاس فـى أوطـانـهـم أربـاب
مـا الـخـلق فى الدنيا بسـاط مـدامة		وســماط لـهـو مـا جـن ولـعـاب
وقـطـيـع مـاشـيـة بـغيـر هداية		تقـتـات مـن أكـبــادهـن ذئــاب
إفـريقـيـا ضـجـت عـليك أسودها		وآسـيـا ، لـم يسـتـقـر الــغـاب
وإذا حــمـلـت رسـالة ميـمـونـة		فالـمؤمـنـون جـمـيعـهـم أحـزاب
فـاهـنـأ فـقـد أديـتـها مـتمـتعا		فـفـلاحـهـا فـى الـعـالمـين ثواب


* على محمد لقمان، ما بعد يومك يا جمال، (فى): حسن توفيق: الزعيم فى قلوب الشعراء ، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 2002)، ص 558 ـ 568.