لم يزل فى قلوبنا  والضمــائر   مشـرقاً ، وجه ناصر ، واسم ناصر
للتراب التراب ، والـروح تبقى   مثل تـرنيمة على ثغـر  شاعــر
فإذا فـرت الدمـوع الدوامــى   محـرقات أكفنــا والمحـــاجر
وإذا ماجت الخطـا  راجفــات   واكتـوت أضـلع ، وبحت  حناجر
فالتأسى والصبر  من شيم العرب   ولكن ، فى غيـر مـأتـم  ناصـر
مأتــم لا ، بل مهرجان زحوف   وحدتهــا مشاعــر ومصــائر
كلما غيب الـردى فى حماهــا   ثائـراً أنبت الحمــى ألف  ثائـر
ظفر المـوت بالدمـوع  ، ولكن   ظـل عن عـزمنا المـكابر  قاصر
نحن من صيـر الجراح  وروداً   باسمـات ، معطـرات ،  نواضـر
وأحـال الأنيـن رجــع حداء   تنتشى منه بيـدنـا  والحـواضـر
وسيـاط الخطـوب وثبة  حـر   مثلما تهمــز الكمــاة   الضوامر
تيهنا لن يطــول ،  إنا زرعناه   صــوى من دمـائنا ، ومنائــر
مشرقات من الخليـج إلى  النيل   إلى غيهب المــحيط  الهـــادر
راسمات درب  الخلاص المرجى   ملهبات مشـاعــلاً ومشـاعــر
تهتــدى كل أمـة ،  كل شعب   بسناهــا ، ويقتــدى كل حائـر
مزق الغـرب   أمتى فهى أشلاء   وأعمــى ضمائــراً وبصائــر
والغاً فى نجيعنــا ، يتمطــى   ضاحـكاً من عنادنــا  المر ساخر
كالحـاً ،  راعف النيوب ، ولكن   مِنْسمـاه منا ، ومنا  الأظـافـــر
قلمتهـا فى بعض أرضـى أكف   زارعات درب النضــال  بشائـر
طرقت قيـدهـا العتيق دروعـاً   سابغـات ، ومـرهفـات بـواتـر
وأعادت إلى الحيـاة  بقـايــا   أمـل شـاحب ، وشلـو  مـكابـر
مثلما يطـرب المنـار سفينــاً   مثلمـا يبعث الـربيع الأزاهـــر
***
حملتنى الشـام ، يا نيـل ، حباً   وحنينـاً وذكريـات زواخــــر
وسلامـاً يمور  بالحزن والطيب   كأنفاس عودهـا فى المجـامـــر
خذه يا نيـل نبضـةً  من فؤادى   لا نشيـداً على متــون المنــابر
ولئن طال عهـدهـا  بالتـلاقى   فلقد تـرهق الحــداة  الهـواجـر
للوفا الشـام ، للعــروبة  تحيا   للرســالات ، للنــدى ، للمآثـر
بغصـون الزيتون  تلقى الأحباء   وبالمـرهفات كــل   مغامـــر
يتغنى الحمــام بالسلــم  فيها   فإذا غيل فالبــزاة  كواســــر
غسلت بالدمــا خطيئة أيلـول   وقـدت بالسيف أحـــلام غـادر
وتعالـى لحن الفـدا فى رباهـا   والفـدا من تراثهــا  والشعـائـر
فالزغاريـد للشهيــد  رثــاء   فى تقاليدهــا ،  وهــز الخناجر
ودوى البـارود ينفث   حقــداً   إذ تغنـى عرس الشباب  الحرائـر
ويزين الصـغار ومض  فخـار   واعتـزاز بأنهــم نسل ثائـــر
عفـو عينيك ، إن مسحنا المآقى   يا أبا خــالد ، وصـنا  المشاعـر
وأعدنـا راياتنـا  خافقـــات   ومشينا على الجــراح نكابـــر
غيرنا تحطـم  الخطوب جناحيه   فيهـوى ، يجـرر الخطو ، صاغر
وسـوانا إذا النهــار تـولـى   سمـرتـه غيـاهب  وديـاجــر
للتحـدى ، وللخــلود  خـلقنا   كلما مــات ناصـر ، قام ناصـر
     
     


* سلامة عبيد، "لم يزل فى قلوبنا"، من مراثى الشعراء فى ذكرى الزعيم الخالد "جمال عبد الناصر"، (القاهرة : مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ، 1973)، ص 175 ـ 176.