يا كل هذا الكون ....

يا كل البشر ...

ذهب القضاء بنا كلمح البصر

كالرعد فى زلزاله اختطف النُهى

ومضى بناصر فجأة .. لم ينتظر

طاش الجنان .. فلم يعد رشدٌ

ولا جلدٌ .. ودبّ الخطب ... ما أجدى حذر

أجمال حقاً قد مضى ؟!

أجمال حقاً قد نأى ؟!

رباه .. واهول القدر

آمنت أنك لا إله سواك يا ربى

وأنك قاهرٌ فوق البشر

***

يا أهل هذا القرن :

أى فجيعة عصفت بكوكبكم فَزُلزل .. وانفطر

إنسان هذا العصر يفدى قومهِ بدمائه

ومضى شهيداً يُحتضر

للسلم عاش .. وللمبادئ .. واضحاً

أبدا مع المظلوم حتى ينتصرْ

فى ظل إنسانيةٍ عربية

قد واكب الأحداث فى أسنى صور

هو نافخ الصور الذى قد أيقظ الدنيا ...

فلبته البوادى والحضر

أودى بالاستعمار فى حريةٍ شمّاء ...

لم يأبه لهولٍ أو خطر

بيد الأُخوّة والمبادئ عاهد الأحرار ...

ما خان العهود ... وما غدر

***

رجل ... وما قدر الرجال سوى الرجال ...

ولم يذق معنى الفدا من لم يثر

فى ساحة الميدان أسلم روحه

من أجل أمته .... وذا أغلى وطر

خاض الحياة بكل تياراتها

ما اهتز إيمانا ... وجالد واصطبر

ومشى على الأشواك مبتسم القوى

صلباً ... كما يمشى على الجُلّى "عُمَر"

رأسٌ توشحَ بالسماء .. فما انحنى

إلا لبارئه العلِّى المقتدر

فى الزعزع الهوجاء يشمخ عزة

وتراه فى المحراب دمعاً ينهمر

***

من منطق الإسلام نادى للسلام ... مكرّماً ..

من غير ضعفٍ .. أو خوَرْ

علم الذى سواه صدق جهاده

فرعاه ومْضاً ثائراً .. حتى انتشر

الكوكب الأرضى قام بأسره

ينعاه فى حزنٍ أليمٍ مستعر

وكأن يوم الحشر فى تشييعه

وكأن كل الكون فى مصر حُشِر

وكأن نهر النيل صار مدامعاً

تبكى الأب الحانى ... وقد بَعُد السفر

ولسان حال الدهر يصرخ قائلاً :

أَوَكُل هذا المجد تطويه الحُفر ؟!

الكل كان فداءَه .. لكن أَبَى

وأراد أن يفدى الجميع ... وقد أصَرْ

يا والد الثوار : عمرُك ما انطوى

أبداً ستحيا الدهر موصول العُمُر

إنا اختزنَّا حزننا ... ثم ارتفعنا فوقه بك فى نضالٍ مستمر

بايعت "أَنور" فالتففنا حوله

صفاً .. لكل الشعب وحَّده الخطر

بيديك .. كل الشعب بايع "أَنورا"

لتظل ثورتنا على أسنى قدر

هو منك فينا قوةٌ ..

ورسالةٌ ثوريةٌ . لا تنمحى .. أو تندثر

ولسوف تحيا "يا جمال" مبادئاً بدمائنا

ستظل شامخةَ الأثر

حمِّلت أعباءً تنوء بحَملها شمُّ الجبال ...

ولا قنوط ... ولا ضَجَر

أبدا تطالعنا بوجه باسمٍ

والقلب من سقمٍ وهم يُعْتَصر

وأراد ربك أن يريحك .. رحمةً بك "يا جمال" ....

فنم قريراً ... واستقر

ولك الخلود الضخم ما أنتفض المدى وشدا بذكرك فوق هامات العُصُر

 


* عبد الله شمس الدين، "إنسان هذا العصر"، من مراثى الشعراء فى ذكرى الزعيم الخالد "جمال عبد الناصر"، (القاهرة : مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية االفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1973)، ص 83 – 86.