هل غيل ليث الغـاب وهـو يغيـر | وخـلا عريـن الليث وهو هصور ؟ | |
أم أسقط البـازى وهـو محــلق | أم هيض نسـر الجـو وهو يطيـر ؟ | |
والكوكب الــدوار فى أفق الدجـى | هل قد ثـوى وارتـج وهو يـدور ؟ | |
أم غـاب فى العـليا شهـاب ثاقب | فكسا الظــلام سنـاه وهو النـور ؟ | |
أم جف نبـع المــاء بعـد تـدفق | أم أُخمـد البـركان وهـو يثــور ؟ | |
أم أُسكت الصـوت الجهيـر لثائـرٍ | دوت له الأصـوات فهـى زهيـر ؟ | |
أم سدد السهــم المـريش فجــأةً | للقائـد الغــلاب وهـو يُغيــر ؟ | |
أم غاب عنـا فى الكريهة "ناصر" | فنـأى الغـداة مــؤازر ونصـير ؟ | |
غاب الذى عـرف الجهـاد مكانـه | وله مقـام فى الكفــاح خطـــير | |
راح الذى كتب الـزمـان حـديثه | وحوتـه منـه صحائـف وسطـور | |
لا لم يمت من عاش فى سمع الدنى | وعيونهـا ، ومضـى الحيـاة يسيـر | |
لا لم يمت من فى الحشـا كانت له | وعلى الحنايـــا أفـرع وجــذور | |
لا لم يمت من فى القلـوب غدت له | من فــرط حب تـربـة وبــذور | |
لا لن يفـوز به مكان فـى الثـرى | بل تحتويـه جوانـحٌ وصــــدور | |
لا لن تغـيب عن النهــى آثـاره | هو فى النهـى ولـدى النفوس أثيـر | |
يا أيها الشـرق الحـزين تصبـراً | فالصبـر عنـد النائبـات يجيـــر | |
ولسوف ينهض بالعــرين رفيقـه | ولسوف يخلف فى شــراه نمــور | |
غاب المسـلح للبـلا (1) فـحلقت | فى الجـو منهــا أعقب ونســور | |
ذهب الذى أغنى الفقيـر وضوعفت | للعامليـن حــوافــز وأجـــور | |
ذهب المقـــرب للفئـات فلم يعد | بين الطـوائف مسـرفٌ وقتـــورُ | |
ذهب المـذوب للفــوارق فامحت | فى عهـــده شيـعٌ وبـاد قصـور | |
ذهب الموآخـى للجميــع فلم يعد | بين الجميع مســـود وأجيـــر | |
وتوقف القلب الـكبير وملــــؤه | دون القلــوب عــواطف وشعور | |
هو من روى الصحراء حتى أورقت | فالـرمل نبـت والطــريق شجيـر | |
وهو الـذى أعلـى البنـاء بسـدنا | فالخيـر فيض والرخــاء وفيــر | |
كانت به الدنيــا منـى وسعــادة | والعيش صـفو ليس فيـه كـــدور | |
وجـرى به نهــر الحيـاة مسلسلاً | فالـورد عــذبٌ والمقــام نميـر | |
بل كان نــوراً فى دياجـى قومه | يجلـى الظـلام من الدجــى وينير | |
كان الضميـر الحـى كم فاضت له | فى الحـادثات مشاعــرٌ وضميـرُ | |
ما شابـه "عبـر" الحيـاة محـرمٌ | أو عابـه "عبـر" الحيـاة فجــورُ | |
كان القـوى على الخطوب ولم يكن | غيـر الحِمَــام على القـوى قديـر | |
فليسترح من بعد طـول تسهـــد | من لم يـلامس جانبيـــه سـرير | |
لما نعاه إلى الحمـى ناعـى الردى | شب الشـواظ بـه وعـم سعيـــر | |
وبيومه المشئــوم شـلت ألسـن | وعَرَا البــلاغة من أَسَــاه قُصُورُ | |
فى ليلة الإســراء مات ومن يمت | فيها ففى خـلد الجنـــان قـريـر | |
ويهل شهـر الصـوم لا يحـلو به | للصـائميـن فطـورهـم وسحـور | |
ويجـئ عيد الفطــر لا فـرح به | للمسلميـن ولا يحـــل حبـــور | |
وتمر أعـــوامٌ ويأتــى مثلهـا | والحــزن يغشــى لا يبين سرور | |
فبأى صبــرٍ نستطيــع تأسيـاً | بل كيف يجلى الحـزن وهو "مرير" | |
كم قلت فيه الشعـر حيـاً مادحــاً | ومفاخـــراً ، إنــى به لفخــور | |
واليوم أرثــى من مدحت ومن به | فاخـرت والدمـع العصــىُّ غزير | |
عفواً فليس يفيــه نفثةُ شاعـــرٍ | لو عـاد "شوقــى" وعاد "جريـر" | |
لو أنصفـوه لوسدتــه جوانــحٌ | للنادبيــــن ودثـرتــه نحـور | |
أو أنصفــوه لكفـنوه بسوســنٍ | ولحوطتـــه زنابــق وزهــورُ | |
قد كان فــذاً فى الـزمـان ممجداً | ما أنجبتــه على الزمــان دهـورُ | |
هو لم يكن فى الأوليـــن مثيـله | بل ما له فى الآخــريــن نظيـرُ | |
هو خالـد بجــلاده وجهـــاده | إن المجـاهـد بالخــلود جديــرُ | |
أقسمت إن "جمال" فى جوف الثرى | عطـر تأرج فى الثـرى وعبــير | |
إنى لأعجب كيف لـم تكـسف لـه | شمس النهـار وتخسفن بـــدور ! | |
* عزت شندى موسى، "هل غاب حقاً"، من مراثى الشعراء فى ذكرى الزعيم الخالد "جمال عبد الناصر"، (القاهرة : مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية االفنون والآداب
والعلوم الاجتماعية، 1973)، ص 125 – 127 . |