أكبـرت يومـك أن يكـون رثــاء | الخالـدون عهدتهــم أحيـــاء | |
أَوَيرزقـون ؟ أجـل ، وهذا رزقهـم | صنـو الخلـود وجاهـة وثـراء | |
قالـوا الحيـاة فقـلت ديـن يقتضى | والمـوت قيل فقـلت كان وفـاء | |
يا قائـد الجيش الشهيـــد أمضـه | شـوق فـزار جنـوده الشهـداء | |
أكبـرت يومـك أن يكـون رثــاء | أجعلت منـه موعــداً ولقـاء ؟ | |
أبرفـرف الخلـد استفـزك طـائف | لتسامـر الخلصـان والخلطـاء ؟ | |
أم رمت جمـع الشمـل بعد تفرق ؟ | أم أن تثـير كعهــدك الشعـراء | |
يا أيها "النسـر" المحـلق يتقـــى | فيما يميـل عواصفـاً هـوجـاء | |
ينقض عجــلاناً فيفـلت صــيده | ويصـيده إذ يحسن الإبطـــاء | |
أثنـى عليـك .. وما الثنــاء عبادة | كم أفســد المتعبــدون ثنــاء | |
دية الرجـال إساءتـان … مقــلل | وأسـاء ، جنب مكثـر وأســاء | |
لا يعصـم المجـد الرجـال ، وإنما | كان العظيـم المجــد والأخطاء | |
وإذا النفـوس ترفعت لـم تفتكــر | لا الانتقاص بها ، ولا الإطــراء | |
لا يأبه البحر الخضــم روافــداً | يلقى ، ولا زبــداً يطيـر غثـاء | |
لم يخـل غاب لـم يحـاسب عنـده | أسـد، بما يأتــى صبـاح مساء | |
تحصـى عليه العاثـرات ، وحسبـه | ما فـات من وثباتـه الإحصـاء | |
قد كنت شـاخص أمـة ، نسماتهـا | وهجيـرها ، والصبح ، والإمساء | |
ألقت عليك غياضهــا ، ومـروجها | واستودعتـك الرمل ، والصحراء | |
كنت ابن أرضـك من صميم ترابهـا | تعطـى الثمـار ، ولم تكن عنقاء | |
تتحضن السـراء من أطبـاعهــا | وتلـم رغـم طبـاعك الضـراء | |
* * * | ||
قالـوا : أب بـر فكـانت أمـــة | ألِفاً ، ووحــدك كنت فيها البـاء | |
خبطت كعشـواء عصوراً ، وانثنت | مهزومــة ، فأثرتهــا شعـواء | |
وأنـرت درب الجيـل شاءت دربـه | حيـل الطغـاة عميـةً تيهــاء | |
وعرفت إيمانــا ًبشائــر وعيـه | إذ كان يعــرف قبلهـا إغـواء | |
وانصعت فى سـود الخطـوب لئيمة | تسدى طلائعـه يـداً بيضـــاء | |
وبـرمت بالطبقات يحـلب بعضهـا | بعضاً ، كما حـلب الرعـاة الشاء | |
ووددت لو لـم تعتـرف شريهمــا | لا الأغنيــاء بها ولا الفقــراء | |
وجهدت أن تمضـى قضـاءك فيهما | لتشيد مجتمــا يفيض هنـــاء | |
أسفاً عليـك ، فلا الفقيــر كفيتــه | بؤساً ، ولا طـلت الغنـىَّ كفـاء | |
قد كان حــولك ألف جـارٍ يبتغـى | هدمـاً ، ووحـدك من يريـد بناء | |
* * * | ||
لله صـدرك ما أشـد ضـلوعــه | فى شــدة ، وأرقهـن رخــاء | |
تلج السياسـة فى تنـاقض حـالهـا | فتطابـق العـزمـــات والآراء | |
كـرا وإحجامـاً ، ورقــة جـانب | وصـلابةً ، وسـلاسـةً ودهـاء | |
وأريت فى "أسـوان" قـدرة ساحـر | يسعى ليوسـع ميتـاً إحيـــاء | |
وبعثته حيـــاً ودسـت مشـككاً | وصفعت همـــازاً بـه مشـاء | |
وقمـرت شـر مقامــر وكسبتــه | وسلبتــه أوراقــه الســوداء | |
ورددت كيــد مكايـد فـى نحـره | واصطــدته بشبــاكه إغـراء | |
ولففت رأس "الأفعــوان" بــذيله | وقطعتـه ، وخطبتهــا بتــراء | |
وصنعت معجـزة "القنـاة" ورعتهم | وسقيتهم حمـم الجحيــم المـاء | |
وعصـرت طاقات الجموع ، ورزتها | فوجـدتهـا وَلادةً عشــــراء | |
وجسست أوتـار النفـوس فـوقعت | لك طُـوَّعـاً أنغامهـا السمـراء | |
ألقت إليـك قلوبهـا وعــروقهــا | سمحـاء ما شـاء النـدى معطاء | |
فإذا نطـقت ملـكت مهجـة سامـع | وخشوعهـا ، والسمـع والإصغاء | |
وإذا سكت أشـاع صـمتك رهبــةً | حتى يخـال كتيبــةً خـرسـاء | |
* * * | ||
أثنى عليك … على الجموع يصوغها | الـزعماء ، إذ هى تخلق الزعماء | |
ورؤى "حـزيـران" وحسبـك أنـه | يحيـى لنا بـرؤا "عاشــوراء" | |
ناهضـت فانتهضـت تجـر وراءها | شمـم الجبال عزيمـة ومضــاء | |
واقتدتهـا فمشت يســدد خطــوها | أن كنت أنت دليلهـا الحـــداء | |
ونكست فانتكست … وكنت لـواءها | يهـوى ، فما رضيت سواك لـواء | |
ثقة يحـار بها النهـى ، ومعـــزة | تاهت على هـام السهـى خيـلاء | |
قالوا عمـىً فى العـاطفات ونــدرة | بعث الزعيــم عـواطفاً عميـاء | |
كانـوا وعـاةً يأخـذون طـريقهـم | للموت ، لا غفّــلاً ، ولا أُجراء | |
خـار الضـعاف دروبهم ، وتخيرت | همـم الرجـال مشقــة وعنـاء | |
* * * | ||
ما كان ذنبك أن يطـول على السرى | ليل يطيـل صباحــه الظلمـاء | |
يطـوى عليه الناكصـون جناحهـم | ويضـم تحت جنـاحـه العمـلاء | |
كلا ، ولا ذنب الجمــوع بـريئـة | عـذراء من غصب العفاف بـراء | |
ما كان ذنب كليكمـا عـدد الحصـى | أمـم تهين بوطئهـا الحصبــاء | |
* * * | ||
يا مصـر ، نحن الحالمون كما ادعوا | حاشـا ، وبئست نزعـة تتراءى | |
إنا رئـات فـى حنـايـا أمــــة | راحت بنا تتنفس الصــــعداء | |
لم تـأت بدعـاً فى البيـان وإنمــا | كنا لما حلمت بــه أصـــداء | |
لسنـا مـلائكةً ولـكن حسبنـــا | إغــراؤها ، لنقــاوم الإغـراء | |
نلقـى بما وهـبت لنـا من وحيهـا | عن كل مـا تهب الحيـاة عـزاء | |
لا هـم عفـوك إننـا مـن قلــةٍ | خلقت لتعطـى حقهـا الأشيــاء | |
خلقت لتــدرك مـا يخامـر نـملةً | فى زحفهـا ، وحمامــةً ورقـاء | |
لتعيش مأسـاة الخليقــة كلهـــا | ولتستبين دواءهـــا والــداء | |
وارحمتـا للمبصــرين تــكلفوا | أن يســدلوا عما يــرون غشاء | |
دوت حماسـات الرجـال ، وأرزمت | حتـى لنستبق الجمـال رغــاء | |
* * * | ||
ما أشجـع "الآسـاد" تعجـز كلهـا | عن أن تنـازل حيــةً رقطـاء | |
خمس مئـوون .. مـلة وعـروبـة | تعطـى الصـغار ثلاثة ً لقطـاء | |
تلهـو و "ثانـى القبلتيـن" مباحـة | وتعيِّد "المعـراج" و "الإسـراء" | |
وتزخـرف الحـلقات كل عشيــة | لتقيــم "زاراً" أو تشـن دعـاء | |
وتكـدس الـذهب الحـرام كأهــله | تجـد الحيــاة مـذلةً وثــراء | |
وتطـارد الفـكر الشـريف كأنهــا | منه تطـارد "هيضــة" ووبـاء | |
ويشارك "الدسـتور" وعى مناضـل | بالمجـرمين عقوبــة وجـزاء | |
وتفلسف الجـور العسيف وتجـــلد | الـدين الحنيف ليستحيـل غطـاء | |
من فـوق أعنـاق المشـانق تـدلى | خيـر الـرءُوس شهامـةً ووفـاء | |
وتـكاد أقبيـة السجـون غضاضـةً | وأسىً تصـيح لتـرحـم السجناء | |
وتعـود تعجب كيف كان مكانهــا | من حيث تنطـلق الحيــاة وراء | |
فيـم التعجب ؟ لا نحمـل وزرنــا | قـدراً ، ولا ما نحـن فيه قضـاء | |
رحنـا نقص من الجنـاح قــوادماً | وخـوافياً قص الغـريــر رداء | |
ونـزف لا الأرض الوطيئة نرتضى | وكـراً ولا يرقـى الجنـاح سماء | |
ساءلت نفسـى لا أريـد جـوابهـا | أنا أمقت الضــراع والبكــاء | |
أتـرى "صـلاح الدين" كان محمَّقـاً | أن يستشيط حميــةً وإبــــاء | |
أم عادت "القـدس" الهـوان بعينه؟ | أم عـاد ديـن المسلميـن ريـاء | |
* * * | ||
يا ابـن "الكنانـة" وابن كل عظيمة | دهيـاء تحسن فى البـلاد بـلاء | |
أعـزز علينـا أن تســاء منبئـاً | ما كنت تكـره مثلهـــا أنبـاء | |
ذبـح "الفــداة" ورحت أنت ضحيةً | عنهــم ، وما أغنى الفـداء فداء | |
ذبـح "الفـداة" وليت ألفـى ذابـح | عن أصبـع منهــم يـروح وقاء | |
واخزيـه "الأردن" صـبغ مــاؤه | من خيــر أعــراق لديه دماء | |
لا طـاولت شمس النهــار ضفافه | وتسـاقطت رجمــاً عليه مسـاء | |
نـذروا لأشـلاء الغــزاة بغـربه | فتساقطــوا "شـرقيـه" أشـلاء | |
تلك العظــام سيستطير غبارهــا | يعمى الملــوك ، ويطمر الأمراء | |
وإذا عجبت فأن يضـــم رهيمهـا | من حولـه "الفـرقاء" والفـرقاء | |
لجأوا لأدبـار "الحلــول" فسميت | وسطــاً ، وسمـى أهلها وسطاء | |
* * * | ||
يا مصــر ، يا حلـم المشارق كلها | من عانت الأحــلام والأهــواء | |
يا بنـت "نيلك" من عذوبـة جرسه | نغمـات جـرسك رقـة وصـفاء | |
حضن الحيـاة صبيـة فمشت بــه | ومشـى بها يتباريـان ســواء | |
يقظـى ليقظــان يهـز سريرهـا | لم تقـو فى شطـآنــه إغفــاء | |
وربيبـة "الهـرمين" شـاخا إذ هما | يتبنيانـك صـــبوةً وفتــاء | |
تلقيـن فى السـراء سـحرك كــله | وتموعيـن بصــبرك الضـراء | |
وتمونيـن الدهــر سبعـاً خصبـة | يكفــى بها سبعــاً له جدبـاء | |
مشت القـرون وخلفت أسحـارهـا | ترمـى عليـك الطـل والأنـداء | |
والصبـح يصبـغ وجنـةٍ مشبوبـة ً | والليل يكحـل مقـلةً وطــفاء | |
والشمس تلفـح سـمرة ًعـربيــة ً | والنجــم يـرقص قامـة ً هيفاء | |
ودرجت فى حقل "الحضـارة" غضة | وبــدأته تفاحــة خضــراء | |
ولممت عن جنبيـه أزهــار الربى | وجلوتهـن جنائنـا ً غلبــــاء | |
أسكنتهن الشعــر والشعــــراء | والعلـم ، والعلمـاء ، والحكمـاء | |
شعـى برغـم الداجيات ، وزحزحى | منها ، وزيـدى بهجــةً ورواء | |
وتماسكـى ، فلقـد صـمدت لمثلهـا | وأمـر ، ثـم أطـرتهن هبــاء | |
شعـى فقـارات ثـلاث تجتلـــى | عبر العصـور سراجك الوضـاء | |
يا "مصـر" أحـرفك الثلاثة كن لى | لولا الغلـو الوجــد والإغمـاء | |
عشـرين عاماً لم أزرك ، وساعــة | منهن كانت منيــةً ورجـــاء | |
لم ..؟ لست أدرى غيـر أن قصائـداً | عشـرين لم تشـفع لديـك لقـاء | |
ناغيت فيها شعب مصــر وهجتـه | ورجوتــه أن يـركب الهيجـاء | |
وشجبت "فرعونـاً" يتيـه بزهـوه | ينهـى ويأمــر سـادراً ما شاء | |
وظللت أحسـد زائريـك ، وخلتنـى | رتعـاء ، تحســد أختها العجفاء | |
من كل حـدب ينسـلون ، ولـم أكن | ـ وهـواك ـ فيهـم نسلة نكراء | |
وهبـى ثقيل الظـل كنت فلـم أطق | أفما أطقت ـ فـديتك ـ الثقـلاء | |
دللت فيـك أُبـوة عهــدى بهــا | علــم اليقيـن تـدلل الأبنــاء | |
* * * | ||
يا "مصـر" لى وطـن أجل عطاءه | ويحب فىَّ سماحــةً وعطــاء | |
يغشى الــدروب على حتـى إننـى | لأكـاد أفقـد فى الزحــام رداء | |
سرنا على درب الكفـاح مـن انجلى | فجـر الكفــاح بـجوه وأضـاء | |
متجاوبيـن مــدى الأبيـد أهـزه | إيثـــارة ، ويهـزنـى إيحـاء | |
للموت أحــدو والشهــادة أهــله | أتــرى وجدت لأذبح الشهـداء ؟ | |
وبمصـر لى وطـن أطــار بجوه | ما لا أطــار بغيــره أجـواء | |
أجد العوالــم كلهـا فـى سفحــه | سبحــان خالــق كونـه أجزاء | |
* * * | ||
يا سـدرة فى المنتهـى لـم تعتـرف | إلا الظـلال الخضـر والأفيــاء | |
عاطى ظـلالك "ناصـرا" فلطالمـا | عاطــى الجمـوع ظـلاله وأفاء | |
وعليك يا فخـر الكفــاح تحيــةً | فى مثـل روحــك طيبـةً ونقاء | |
إن تقض فى سـوح الجهــاد فبعدما | سعــرت فيها الرمـل والرمضاء | |
ولقد حملت من الأمـانــة ثقلهــا | لم تلقهــا برمــاً ولا إعيــاء | |
نم آمنـاً ستمــد روحــك حـرة | وسط الكفـاح رفـاقـك الأمنـاء | |
* الأهرام، 8/10/1971، ص12. |