نأى الفارس  المـغوار واغتاله الردى

 

ومـازال فـى الـدنيا نـشيداً ومنشداً

نأى أمـل  الدنيا "جـمـال"  فروعت

 

حـمائم أيـك كـان فـيـه  مـغردا

نأى عن حـمانا وهـو فى ميعة الصبا

 

ونـازل صـيـاد المـنـية  أصـيدا

غـدونـا  يتامـى ، وافـتقدنا بفـقده

 

زعـيمـا  عـظـيما ، كم أقام وأقعدا

وشـيـد للآداب والـعـلـم دولــة

 

عـلى شـاطئيها أزهر الجود  والندى

فـقدناه والأهـوال  مـحـدقة بـنـا

 

وكـان لنـا عـقـلاً وكـان لنـا يدا

وكـان لـنـا حصـناً ، وكان  لنا أباً

 

حـنونـاً يـرى فـيه  الحنان مجسدا

وكـان عـزيـز النـفس  يزكو نبالة

 

ويسـمـو عـلى الأبرار شأوا ومحتدا

وكـان فـدائياً يـذود  عـن الحـمى

 

وعـنـد اجـتياز النصر  كان لنا فدا

فـيـالـيتنا كـنـا الـفـداء  لراحل

 

تردى وصـان الشرق من نكسة الردى

ويـا ليـتـنـا كـنـا الفـداء لغدوة

 

لبـسنـا بـها ثـوباً مـن الهم أسوداً

مـصـاب عـرانا زلـزل الكون كله

  وشـرد  ألـبـاباً ، وفتـت أكـبـداً

وجـدد أحـزاناً  تـقـادم  عهـدهـا

 

ونكـس أعـلاماً ،  وبـدد واعـتدى

 

* * *

 

رحـيلك  عـنا  يـا "جمال" أمـضنا

 

وأدمـى مـآقـيـنا جـوى  وتـسهدا

بـكـيناك فـازداد  الضرام على البكا

 

وبـاتت عـيون الكـل طـرفاً مسهدا

مـحـاجرنا غاضت ، وجفت دموعها

 

فوا أسـفا للـدمع  كـيف تـجـمـدا

ومـا دمـعـنا فيـك  المـذاب وإنما

 

هـى المـهج الـحرى  تذوب تصهدا

سعـيـت إلـى  الرحـمن تطلب وده

 

وتـأبى لــغـيـر الله أن تـتـوددا

وجزت  مـضيق الـدار للخـلد طالباً

 

ظـلالاً بـأعـطـاف الجنان وموردا

فلاقيـت  أمـلاكاً مـن النـور ركعا

 

وحـوراً ، وولـدانا حـواليك سـجدا

وأغـريـت أحياء بما نلت  من رضا

 

وأوجـدت فـى غـيب  المقابر حسدا

جـمعـت قـلوباً خـلف نعشك طاقة

 

مـن الجـمر تغلى خالها الناس مشهدا

وسار حداة الخطب  مضطربى الخطى

 

وئـيداً وئيداً مـثل من ضـل مقصدا

لعـل المـنايا عـنك  تغـمد سـيفها

 

فمـا ضـرها لـو  سيفها عنك أغمدا

وهـل تـرجع الآمال  من  فارق الدنا

 

وخـط لـه الـرحمن فى الخلد مرقدا

رضيت مهادا فى  ثرى الأرض منزلاً

 

وكـنـت بـآفـاق الـمـلايين فرقدا

تـشع  بليـل الحـائرين  فيـغتـدى

 

نهاراً وضـيئاً مشـرق اللمح مرشـدا

ولما رحلت ، الشرق أظلم فى الضحى

 

وراح غـريـقـا فى الظلام بلا  مدى

رحـلت ولـكن بـعد تحـرير أمـة

 

جـثت تـحت أقـدام الخوارج سرمدا

وخـلفت مـن بيـن الـرفاق مجاهدا

 

يـكافـح الاسـتعمار لا يرهب العدى

يسـير عـلى نـهج كـريم رسمـته

 

بأخـلاقك الـمثلى تيـمم  واقـتـدى

 

* * *

 

رحـلت عـن الـدنيا  طهورا مطهرا

 

مبـادئـك الـحسـنى  تبـلغنا الهدى

مبـادئـك  المـثلى بـأيـد أمـينـة

 

تصـون وتـحمى لـن تضيعها سدى

رحـلت ورغـم المـوت مازلت بيننا

 

مـقيما بـحبات الـقلـوب مـوسـدا

تحـوم حــواليـنـا كـأنك طـائر

 

وتقـواك فى  اليمـنى كـتابا مـزودا

تخاطبنا  حيناً ، وحـيـناً مـخـاطَباً

 

كمـن  لـم يزل فى الناس حياً مجسدا

صـحائفك البيـضاء تعـبق بالـتقى

 

وماضـك فيها شرف اليـوم  والغـدا

أأرثـيك أم أرثـى المـكارم والنـدى

 

وأرثيـك أم أرثـى السمـاحة والهدى

وداعـا  أبـا عبـد الحميد  إلـى لِقاً

 

بفردوسك الغـض الإهـاب ومـوعدا

     
     

* محمد وجدى شبانة، فى محراب الدمع، (فى): حسن توفيق: الزعيم فى قلوب الشعراء ، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 2002)، ص 404 ـ 409.