لك يا من جرحها أعمق جرح فى الأيام

نسأل الرحمن صبراً وعزاءً وسلاما

لست فى فقده وحدك وجداً واضطراما

كلنا مثلك يا أخت ، ثكالى ويتامى

ليس فينا منذ يوم الخطب من جفناه ناما

ليس فينا أمل بالخطب لم يعد حطاما

كلنا نبكى ، ولا ننقع بالدمع الأواما

كلنا جرحى ولا نعرف للجرح التئاما

أفما شاهدت يوم الهول كالحشر ازدحاما ؟

أفما أبصرت وجه الشمس إذ ألوى وغاما

ورأيت الأفق إذ يلبس للخطب القتاما ؟

كان أقسى من ضحى النكسة شؤماً وانهزاما

كل نفس فقدت فى يومه النصف التؤاما

وتمنت فى حنايا النعش لو نامت .. وقاما

* * *

كانت الناس على النعش قلوباً تترامى

وتنادى : لم لا يحييه من يحيى العظاما ؟

لم لا يبقيه كالنيل وكالشمس دواما ؟

ورجعنا نشرب الدمع ونقتات الرغاما

ونلوم الموت لكن نحن أولى أن نلاما

كم قتلناه افتئاتاً واختلافاً وانقساما

وكأن الموت قد ضيعه منا انتقاما

* * *

لهف نفسى وهو بالمدفع يجتاز الزحاما

كان رغم الموت أمضانا وأقوانا اقتحاما

كان بين الجيش يبدو وحده جيشاً لهاما

كان يدعونا إلى الزحف لنزداد التحاما

وينادينا إلى الثأر ، ويولينا الزماما

بعد ما استهلك نبض القلب جهداً وسقاما

* * *

قلت لما ركبت طائرة النعش الغماما

هو لا يهبط للموت .. ولكن يتسامى

أفما كان بحب الله صباً مستهاما ؟

أفما كان بحبل الله أقوانا اعتصاما

أفما كان لوجه الحق فى الأرض حساما ؟

أفما كان على الردة للشعب صماما ؟؟

أفما كان من الإيمان والطهر إماماً

عندما كان حن إلى الإسراء سعياً وقياما ؟

لم يمت من خلع الأيام ثوباً ولئاما

ومضى مزدهياً بالعلم العالى والوساما

بعد أن علمنا بالوعى أن نحيا كراما

أفما أيقظ للثورة أحلاماً نياماً

فصحت تحتضن النور وتجتاح الظلاما

وترى الصبر على الذلة والضيم حراما

وترى فى الإشتراكية عدلاً وانسجاما

وسراطاً بارك الله خطاه فاستقاما

أين مما شاده للناس ما شاد القدامى ؟

أين من أهرامه أهرام من ساموا الأناما ؟

أفمن يبنى حياةً ورخاءً ونظاماً

مثل من يبنى قصوراً وقبوراً وحماما ؟

أفمن ينشئ للإنتاج والخير دعاماً

مثل من ينشئ للموت صخوراً ورخاماً ؟

فترة من عمر مصر لم تدم عشرين عاما

سجلت فى صحف مصر أمجاداً عظاما

كيف لو طالت ولم يرصد لها الموت السهاما ؟

فترة لم ندر أهى الصحو أم كانت مناما

كلنا فى حانة العمر .. سكارى وندامى

نتمنى أن يعيش الأمل الحلو دواما

نحسب الأبطال لا يمضون للموت طعاما

غير أن الموت حقٌ ، عنه نتعامى

يستوى فى ورده الناس ، رؤوساً وطغاما

أى وجه غير وجه الله يا أختاه داما !

فخذى نفسك بالصبر وبالسلوى اعتصاما

واذكرى أن الكرامات يصاحبن الكراما

قد مضى زوجك فى المعراج أعلى الناس هاما

وأبى للأربعين الطهر إلا أن يقاما

فى ضحى الشهر الذى كرمه الله مقاما

فاخفضى رأسك لله صلاةً صياما

وارفعى رأسك فى الناس اعتزازاً وابتساما

واذكرى أن العلا بينكما كان اقتساما

اذكرى أنك قد عاصرت أحداثاً جساما

كنت فيها خير ركن بحماه يتحامى

وتحملت كفاح العمر بدءاً وختاما

فاجمعى تحت جناحيك القوارير اليتامى

وابهريهم بحكايات كأنفاس الخزامى

ذكريهم بأبيهم .. إنه بالمجد هاما

إنه أرهص بالثورة مذ كان غلاما

إنه عانى فلسطين عذاباً وضراما

إنه عاش ولم يتخذ الحكم اغتناما

إنه مات ولم يملك من الدنيا حطاما

ذكريهم أنه راح وما بل الأواما

إنه استشهد والنكسة لم تهدأ عراما

وانفخى فيهم سعير الثأر كى يمضوا أماما

ويكونوا كأبيهم بالبطولات غراما

ويسيروا فى صفوف الزحف عهداً والتزاما

لترف الروح يوم الفتح شوقاً وهياما

ويحل النصر فى القبة برداً وسلاما

* * *

واسلمى سيدتى للصون وللطهر وساما

سوف ترعاك مدى العمر وتوليك احتراما

أمة لا تجحد الفضل ولا تنسى الذماما
 

                                                           القاهرة


* صالح جودت، إلى شريكة المجد أم خالد، (فى): محمد كزما ، ناصر العرب "مجموعة شعر" ، بيروت : مطبعة دار الكتب ، 1971 ، ص 25 ـ 28.