هيهات أن نعرف معنى الضياع | والزحف ماض ٍ والأمانى جيــاع | |
هيهـات ، والثــأر بأعمـاقنا | يزأر مـن أعماقـــه كالسبــاع | |
ما خففت حدتــه صــرخة ٌ | تقتلـــع الأنفس أى اقتـــلاع | |
من نبأٍ ، من فـــرط إعوالـه | حسبتـه أكبــر مـن أن يــذاع | |
وهل يعود القــدر القهقـرى | لو أننى كــذبت فيه السمــاع ؟ | |
وهل من الشعــر عــزاء لنا | ولو جــرى بالسحــر هذا اليراع | |
أن الذى دافــع عـن حقنا فى | الكون قد أمســـى قليل الدفــاع | |
هوى الذى كان ارتفاع السها(1) | وانهــار من كان كشــم القـلاع | |
إرادة الله.. ومــا جهــدنـا | ازاءهـا، الا رضــاً وانصــياع | |
إرادة الله قضـت أمرهــــا | فينا ، فقلنا يا جمــال الـــوداع | |
ومرت المحنـــة فاستنفـدت | ما فى الحنايا من أسـىً والتيــاع | |
ودقت الاقـــدار… قالت لنـا | ما لعــزيـز بالدمــوع ارتجاع | |
جمال قد أرسى لكــم نهجــه | ونهجـــه أولـــى بكل اتبـاع | |
والعمـل الصــالح أبقى لكـم | من كل فــرط فى الأسـى واندفاع | |
* * * | ||
يا زورق الأحـرار ، قم وانطلق | وانشــر على مد الحيــاة الشراع | |
وســر على درب جمـال، ولا | تهن، وضاعف من خطاك السـراع | |
مسيرة الثــورة لا تنتهـــى | إما نعى المـــلاح فى الغيب نـاع | |
فكلنا ملاحهــــا … كلنــا | من غــرس هذا العبقـرى الشجاع | |
وكلنا من نيل مصــــر الذى | يستنبت الخضــرة فى كل قــاع | |
وكلنا من شمس مصـــر التى | تطهـــر المعــدن طهر الشعاع | |
وكلنا من أرض مصـــر التى | كانت على التاريـخ أحلـى انطباع | |
مصر التى استأثــر تاريخهـا | بين التــواريخ بكل التمـــاع | |
فكان منها الناســـك المتقـى | وكان منها العبقــرى الصنـــاع | |
وكان منها الشاعـر المـزدهى | بكل خلـق محسن وابتـــــداع | |
وكان منها العالــم المــرتقى | بكل فــن باهـــر واختــراع | |
وكان منها الفـارس المنجلــى | مســدد السهــم قــوى الذراع | |
وكان منها الثائر المجتـــرى | محطم الأغــلال حـــر الطباع | |
ولم يزل أبناؤهم فى الشــرى | يمشون للنصــر تبـاعا تبــاع | |
قد ولـدوا، والمجـد فى مهدهم | وبوركـوا بالوعـى عند الرضـاع | |
* * * | ||
فيا رعاة البقــر استذكــروا | من صحف التاريـخ تلك الرقــاع | |
لتعرفوا من نحـن فى سمتنــا | ومن عدانا فى ثـرى الاتضـــاع | |
وأننا لسنــا بمـن تُشتــرى | أمجــاد حرياتهــم أو تُبـــاع | |
وانكم لستـم بتـاريخكــــم | الا رعاعـاً تنصــرون الرعـاع | |
ويا يهود الأرض لا تفـرحـوا | فى المـوت ، فالموت علينا جمـاع | |
لا تحسبوا أن جمــال انتهـى | فوورى الحـــق وفض النــزاع | |
فكلنــا مــن ذاتــه.. كلنـا | جمـال فى الشــدة عند الصـراع | |
ثلاثة الأعــوام مـرت ، فهل | فزتم من الغنـم بـأى انتفــاع ؟ | |
وهل نعمتـم بســـلام، وهل | هل ذقتـم بهذا النصر طعم المتاع ؟ | |
هل هدت النكســة أركاننــا | أم زودتنا عـــزة وامتنــاع ؟ | |
هل روعت بالخـوف أوصـالنا | أم علمتـكم أننــا لا نـــراع ؟ | |
صــوت الفدائييـن لمّا يـزل | يخض فى أرؤسكــم كالصــداع | |
ولم يزل وعـد صـــواريخنا | لكم ، يمنيكــم بيــوم ارتيــاع | |
هيهات أن ننسـى ، وأوطـاننا | ضاقت علـى الأطلس بعــد اتساع | |
هيهات أن ننسى ، وصحـراؤنا | مآتــم للشهــــداء اليفــاع | |
هيهات أن ننسـى ، وخيماتنـا | مذابـــح للاجئيــن الجيــاع | |
هيهات أن ننسـى ، وجـولاننا | مقابر تســـرح فيهــا أفــاع | |
والضفـة الشمــاء مجروحـة | والقيــد والـذل لأهـل القطــاع | |
* * * | ||
يا من هصرتم زهرنا فى الربى | يا من جنيتـم غـرسنا فى الضـياع | |
ومن ملأتم صــدركم بالقلــى | ومن كسبتم حربكـــم بالخــداع | |
الجولة الأولى انتهت فاصبـروا | للجولة الأخــرى ، وصاعاً بصاع | |
قضت يــد الله بتشريدكـــم | وما لشمـل فرقتـــه اجتمــاع | |
غدا سيهوى نجمكـم فى الثـرى | وسوف يبقـى نجمنـا فى ارتفـاع | |
* صالح جودت، "بعد الوداع"، مجلة الهلال، (القاهرة: دار الهلال، نوفمبر 1970)، ص
41-43. |