نعيش معك

نسير معك

نجوع معك

وحين تموت

نحاول ألا نموت معك !

ولكن ،

لماذا تموت بعيدا عن الماء

والنيل ملء يديك ؟

لماذا تموت بعيدا عن البرق

والبرق فى شفتيك ؟

وأنت وعدت القبائل

برحلة صيف من الجاهليةْ

وأنت وعدت السلاسل

بنار الزنود القويةْ

وأنت وعدت المقاتل

بمعركة .. ترجع القادسيةْ

***

نرى صوتك الآن ملء الحناجر

زوابع

تلو

زوابع ...

نرى صدرك الآن متراس ثائر

ولافتة للشوارع

نراك

نراك

نراك ..

طويلا

.. كسنبلة فى الصعيد

جميلا

.. كمصنع صهر الحديد

وحراً..

.. كنافذة فى قطار بعيد ..

ولست نبيا ،

ولكن ظلك أخضر

أتذكر ؟

كيف جعلت ملامح وجهى

وكيف جعلت جبينى

وكيف جعلت اغترابى وموتى

أخضر

أخضر

أخضر ..

أتذكر وجهى القديم ؟

لقد كان وجهى يحنط فى متحف انجليزى

ويسقط فى الجامع الأموى

متى يا رفيقى ؟

متى يا عزيزى ؟

متى نشترى صيدليةْ

بجرح الحسين .. ومجد أميةْ

ونبعث فى سد أسوان خبزاً وماء

ومليون كيلواط من الكهرباء ؟

أتذكر ؟

كانت حضارتنا بدوياً جميلا

يحاول أن يدرس الكيمياء

ويحلم تحت ظلال النخيل

بطائرة .. وبعشر نساء

ولست نبيا

ولكن ظلك أخضر ..

***

نعيش معك

نسير معك

نجوع معك

وحين تموت

نحاول ألا نموت معك

ففوق ضريحك ينبت قمح جديد

وينزل ماء جديد

وأنت ترانا

نسير

نسير

نسير

 


* محمود درويش، "الرجل ذو الظل الأخضر"، (فى) وداعاً .. عبد الناصر: مجموعة شعرية، (القاهرة : الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971)، ص 133 ـ 138.