آتٍ من البعــد ، مكتـوبٌ لك السفـر | يا فارس الريح ، قل الغيــمُ والمطــرُ | |
وأطلـق المــرفأ المهجــور طائـره | خلف المــراكب ، لم يسمـع لها خبـرُ | |
أعانق اليــوم فى ذكــراك أيهمـا ؟ | رؤياك تولد أم رؤيـــاك تبتســـرُ ؟ | |
حملت للعيــــد أحــزاناً معتقــة | فالقلـب يا عيــده ، ما زال ينعصــر | |
سرقته ، فلمـن مـن بعـد غيبتــــه | هدر المــلايين فى الساحات ، يا قدر ؟ | |
لمــن تطـاول أعنــاق وأفئـــدة | لمن تجمــع أشتــات وتنصــــهر | |
سرقتــه ، وعيــون الناس شاخصـة | إلى وعـود على عينيــه تـزدهـــرُ | |
سـرقته وسفيـن العــرب سائبـــة | والمــوج يلطــم ، لا شـط ولا جزرُ | |
سرقته وجــراح العـــرب نازفــة | تنعى الإخــاء ورمـح العـرب منكسرُ | |
من أى باب سرقت الوعـد ، يا لهفــى | لو كان يفديــه من أطفالنــا البصــرُ | |
أو كان يفديه وعـد ، بالجنـان ســدى | يروح ، ترحمنى فى يومــه الســورُ ! | |
نام الصعيد ، فـلا شــوق يعـــاوده | والنيل يجــرى ، ومــاء النيل معتكرُ | |
والكادحون ، جــلابيب علـى خشـب | الخصـب مـن كفهـم ، والجـوع يدخرُ | |
والجهل ســد شبابيـك السنيـن ولـم | يفتح ســوى طاقـة ، للسقــم ينتشـرُ | |
والحكم للطغمــة الأسيــاد ، منعقــدٌ | فى الأرض فى الريح فى الأقدار لو قدروا | |
والملك يستحلب الأيــام فـى شــره | والضرع مستسلم، من طول ما عصـروا! | |
والأجنبــى تمطـى فـى تمـــدده | على القنـال ونـام الناس والخطــرُ | |
أطل فى ليـلةٍ قمــراء مبتسمــــاً | وكاد يمسـح كونــاً ، وهو يحتضـرُ | |
حبا على الرمـل ممهـوراً بسمــرته | وشب كالنخـلة الشـماء يختمــــرُ | |
فللرجولـة فى عينيــه نافـــــذة | وللعــروبة فى سيمـائـه نـــذرُ | |
أراه فى مـوكب الأشبـال مبتـــدراً | كما الطليعـة تغـرى وهى تبتــــدرُ | |
أراه فى بــزة عــزت به حــدثاً | وطالمـا حقـرتهــا الصـبية الغـررُ | |
كأن نجمتـه الأولــى درت سلفـــاً | كم غيرة ستعانــى الأنجــم الزهـرُ | |
أراه فى الخنـدق المشبـوب منتصـباً | والمدفـع الـزيف ، يـدوى ثم ينفجـرُ | |
فالوجه ريشتــه التاريــخ جاهــزة | ضمـى الجـريح ، فإن الجرح يستعـرُ | |
قعيد شهـرٍ مـن الآلام أحقــرهــا | آلام جرحــك ، إن الدهـر ينتظــرُ | |
أراك يا كـوكبَ الأحــرار تجمعهــم | تحطهـم فى فـم المأســاة تعتبـــرُ | |
وحولك الصفوة الأبــرار فى قســـم | صب ، شفيف ، كتـاب الله يأتـــزرُ | |
فى خدهــم سمـةٌ ، فى سـرهم لغـةٌ | وأمـة فى سـواد العيــن ، تَدَّثِـــرُ | |
نامت وهم سهروا ، قصوا جفونهـــم | فساعة الصفر للثـــوار مختبـــرُ | |
بوركت تمـوز ، ذكـرنا بطـلعتـــه | فى كل عـام ، وأرّخ ، تنفـع الــذِكَرُ | |
فريدة ، أنت فى التاريــخ واحـــدة | بيضاء سمحـاء ، ثوارت الدنى حمـرُ ! | |
حتى الذيـن تمــادوا فى غوايتهـــم | حتى الجنـاةُ ، العتـاةُ ، الخُنّعُ الفجـرُ | |
مـروا ، سماحـك شمـاخ بـرحمتـه | فليرحـل الملك المخــلوع والبــؤرُ | |
لا وقت عنـدى للأحقــاد يا وطنــى | فاغفــر لهم عارهم ، ترجمهم العـبرُ | |
وهـات زنـدك مفتولاً ، وهـات يـداً | وخذ بناء ، وسلنــى ، كيف أبتكـرُ ! | |
ورن صـوتك فى الـدنيا ، فأيقظهــا | حتى كأن الأذان البكــر ينهمـــرُ | |
الأرض للفالحيـن الأرض ملكهــــم | والعاملون لهم فى المعمـل الأطــــرُ | |
والشعب منتظــم فى صـف قائــده | يبنى ، فيعلــى ، يحكُّ الجهـد ، لا يفرُ | |
وكرَّ زخمك والتاريــخ يلحقــــه | تخطــو فيخطـو ، ولكن خطـوه عثرُ | |
تبارك النســـر مشغوفــاً بأمتــه | تبوح ، تعتــد ، فى عينيـه ، تختصرُ | |
كانت شعـاراتهـا حلمــاً تنـوء بـه | صــارت مضامين فى الجلمـود تنحفر | |
أراك فى الـزأرة الأولـى تئج لظــى | ففى العـرين ، دخيـل ، حاقــد ، نكرُ | |
فضحت نمراً من الأوراق يـــوم دوت | ذروا القناة ، فنحن المالكـــون ، ذروا | |
راحوا ، عــرينك ، موقوف لسيــده | فهات ظفـراً ونابــاً يكمـل الظـفرُ | |
أراك تبغى ســلاحاً لا يفـل وقـــد | هبت على الوطـن المستضـعف الغِيـَرُ | |
الغـرب يحجبـه ثـأراً لخيبتــــه | والشـرق يعـرضه مهـراً كما ذكـروا | |
وأنت تفرى سدوفَ الطـوق فى دعــةٍ | ثبت الجنـان ، يرسى خطوك الحــذرُ | |
حتى إذا ما أضاع الغـرب فـرصــته | والشـرق آب صــديقاً ما له ســررُ | |
تسابقوا ، يخطبـون الـود ، واجتذبـت | كالسحر كفاك ، خيط اللعب ، يا قـدرُ ! | |
أغلوا رهانهــم ، فالسـد حربهـــم | إن يخسروا ،غدروا ، أو يظفروا مكـروا | |
وقلتهــا ، حمحمت للشــط موجتـه | اليوم عبر قناتى ، أمــم السفــــرُ | |
وفى غـد مـوعد للســد نرفعـــه | عملاق ، عمـلاق ، يسبى حين يزدخـرُ | |
جنوا ، وصـوتك يهـدى للهزيم صـدى | كأن خـارج من نفســه الشــــررُ | |
حكى الصمود أسـاطيراً وقـال لهـــا | يا بورسعيـد ، أعـدى قبر من عبـروا | |
أراك تصنــع كونــاً ثـالثاً رحبــاً | حتى العماليـق من أحـلامـه ذعـروا | |
أراك فى الشام ترســى أُس وحــدتنا | والعُــرْب حولك ، من آلائها سكـروا | |
قصــيرة العمــر كانت ، فلتشل يـد | للسوس ناخرة ، يا عار من هـــدروا | |
أراك تستلهـم الديــان فى خفـــر | وتقتفـى أثـر الأبــرار قد صبـروا | |
تقول ، مكـرُ الدهـاة ، الحب يغلبــه | إلى رحـاب رسـول الله نعتــــمر | |
أرى جناحـك فى "الأوراس" منتفضتاً | وفـوق "صــنعاء" شهماً وهو ينبتـر | |
أراك يا واهب الأسـلابِ منتصـــراً | تحمل الـوزر فــرداً حين ينكســـرُ | |
ففى حزيران ، إن خانتك معـركـــة | فالنافخون ببوق الحرب ما حضــروا ! | |
ويا فلسطين ، مهــلاً ما نسيت وهـل | إلا لعينيـك ما شـادوا وما عمـــروا | |
هل الفداء سـوى غـرسـات راحتـه | قومى اشهدى غرسه ، قد أورق الشجـرُ | |
أراه يذرف دمعــاً عاشقــاً ، ولهــا | أراه قلبـاً على عمــان ينفطــرُ !! | |
فهل سلـوت جمــالاً ، يا صبابتـته | والعمـر فيك ابتدا فيك انتهى العـمرُ ؟ | |
غداً تطــير إلى يـافـا بيـارقنـــا | غداً يطيب الهوى ، والشعر ، والسمـرُ | |
يغيب عن موسـم الأعياد ، صانعها ! | والحاضرون ، ولم يدعوا لها ، كثـرُ ! | |
نلقاك فى أغنيات النصـر ، لا عجب | إن يسكن اللحن ، من أودى به الوتـر ! | |
جمال فى ذمـة التاريــخ ملحمــة | تتلى على السـد ، والشــلال يذّكــرُ | |
سدان شدتهمـا ، عــال علـى ردم | جـم العطـايا ، ولكـن قلبـه حجــرُ | |
وواقف فى حــدود الآن محــتبس | سيــر الزمـان ، مدل ، نبضـه كبـرُ | |
أعلى سدودك ما أعليت مــن قيــم | وأنت تختـار أن المــوت ينتصــرُ | |
ضريبة الكبــر للــربان رحلتــه | مع الأعاصير ، ترديــه ، وتنحســرُ | |
رثيت ، لا ، أنت ترثى البعدَ فى وطنى | فاحمل لنا الوحـى منه ، أيها المطــرُ | |
لبنان : 15/1/1971 |
||
* حسين حيدر، "الملحمة"، (فى) محمد كزما، ناصر العرب، (بيروت : مطبعة دار الكتب، 1971)، ص 29 ـ 32. |