ثباتاً على هـول الفجيعة يا مصــر   وإن ضاق عنها الذرع وامتنع الصبـر
ثباتا على عظـم المصـاب الذى عرا   فما من مصــاب مثـله بعده  يعـرو
ولن تذرف  الدنيا الدموع على إمرىءٍ   نظيـر الـذى عن مثـله عقم الدهـر
ومالى أوصى مصـر  بالصبر وحدها   وكل بـلاد العـرب فى حزنه مصر ؟
طوى الموت شمساً  كل شمس خجولة   أمام سنـاها الحــر إشعاعهـا نـزر
ومال بطــود لا يدانيــه رفعــةً   "أبو الهـول" لو أن الصخور لها فخر
وأخرس صـوت  كان بالأمس هادراُ   يردد تعبيـراتـه السهـل والـوعـر
مضـى رجـل أحيـا بـه الله أمـةً   ووحـد أقطـاراً تضـمنها  قطـــر
جمال . زعيـم العـرب  والقائد الذى   به شجب العــدوان  وانهـزم  الكفر
فتى الثـورة الحمــراء  فجر نارها   ففى كل بـيت للظـى ألسـن  حمـر
وفى كل درب مشـعل من  ضـيائها   يسير عليه الـركب أو يهتـدى  السفر
فقدناه فى اليـوم العصـيب  الذى به   يرجى ليؤسـى الجرح  أو يدفع الضر
وفى ليل مأسـاة تضيف إلى الأسـى   أسـىً نابـه حـز الجوانـح  والظفر
أفى ساحة للحـرب أعــداؤنا  بهـا   نشـاوى من العـدوان  رنحهم سكر ؟
وفى لحظــات مثقـلات  بمحنــة   دمـاء ذوى الأرحـام  فى ساحها غزر
يكف عن الخفـق الفـؤاد  الذى سقى   ربى الحـق والإيمــان ينبوعه  الثر
ويغمد نصـل للمعــارك  طـالمـا   أبى الغمـد حتى صـار  غمداً له القبر
لقد حمـلت مأسـاة "عمـان"  قلبـه   من الحزن عبئاً ضاق عن حمله الصدر
دعا دعوة القـربى وقد عصـفت  بها   أعاصـير فى ظلمائها غـرق  الفجـر
ووقع ميثــاق الســـلام   بقلبـه   ذبيحــاً يفـدى قومـه دمـه  الطهر
لك الله هـل ميت نظـيرك  شـيعت   جنـازتـه بـدو البسيطـة والحضـر
بكت كل أم فيــه والــد نجلهــا   كأن لـم يكـن حيـاً أبو نجلها  البـر
وشق عليـه كل طــفل  ثيـابــه   وللثـكل دمــع لا يحــدده العمـر
وناحت عليـه كل حسـناء أسفـرت   يشـاركها أحـزانهـا البعـل والصهر
جمال .. لقد أيقظت فى العـرب عزةً   لك الفضـل فى إيقاظهـا وبك الفخـر
ولدت على ثغـر العـروبة بسمــة   تشـع المنـى منها ويأتلـق  النصـر
وصـورت فى  أبصارها فجر نهضة   معالمهــا بيض وأعـلامهـا  حمـر
حملت لــواءَ الحـق  عشرين حجة   تغنى لك الدنـيا ويحتفــل الـدهـر
إذا قلت أعطتك القلــوب مقادهــا   كأنـك فى أعمـاقهـا الأمـل  البكـر
حديثك فى أسماعهـا نغـم  العلــى   ورؤيتك البشـرى التى دونهـا السحر
ورسمك فى كل المنـازل  رقيـــة   يـداوى بهـا دجل السياسـة والمكـر
رسمت لنـا الخـط السياسى  واضحاً   خلا منـه ليل اللبس والشوك والصخر
وأفلس تجـــار السياســـة عنده   كساد بغـى زال عنهـا  الصبا النضر
وضـاعوا هباءً تحت إعصـار  نقمة   من الشعب ما أغنتهـم قبلهـا  النـذر
طلعت عليهـم من مــرايا  عديـدة   شباباً تعــرى قربـه الهــرم النكر
نسينا من التاريـخ أطــول  حقبـة   وباسـم جمال الفــذ عـاد لنا  الذكر
وكنـا أقاصيصــاً روت ألف ليلـة   عجائبهـا حتى طـوى ليلها الفجــر
وجئت فأصبحنـا ملاحــم ثــورة   "جمال" لها التاريخ والأرض  والعصر
بلوناك فى شتــى الميــادين  قائداً   مكللـة بالنصــر أعـلامـه  الغـر
يهنيك "باليـرموك" بالفتـح  "خالد"   ويلقاك "بالفسـطاط"  مفتخراً "عمرو"
ويلقى "المثنـى" فى يمينـك  رايـةًً   تـرف بإشـراقات ما تـرك "الجسر"
ويهـدى "صـلاح الدين"  كفك سيفه   على صفحتيـه ثغــر "حطين" مفتر
لعمـرى لقـد كانت أياديـك  ديمـة   بسيب نداهـا أخصــب الوطن القفر
فمنهـا يد للعلــم ردت نصـابــه   بحيث استعاد الكـوخ  ما سرق القصر
ومنهـا يد "للســد" شادت دعائمـاً   مرجبــة يعيـا بلوغــاً لهـا النسر
ومنهـا يد تولـى العـروبة  كلهــا   عوارفهـا لا مـنَّ فيهـا ولا قصــر
إذا ثـار فى أرض العـروبـة ثائـر   فأنت لـه عـون يشــد   بـه الأزر
وأنت لـه المصـباح  فى ليـل دربه   تضى مسـار السـرب آفاقـه  الزهر
ومنك لـه أغلـى شعــار  ينصـه   ومنك سـلاح الفتـك والعسكر  المجر
لقد كنت حتـى فى الهـزيمة رائعـاً   على نـحو ما تملى الحفيظة والصبـر
تحملت أنت الإصــر  وحدك لم تقل   لغيـرى عقبـى سوئهـا  ولى العـذر
كذا العـربى الحــر ينفـح  قومـه   مغانـم ما أسـدى  ويغـرم ما اجتروا
ألا أيـها الغـازى وغـزوك  ثـورة   ميادينهـا قلب الجمـاهيـر والفكــر
نداؤك فيها للصـــراع   قضيــة   مصيـريـة لا النهى منها ولا  الأمـر
نداء إلى ماضـى العـروبـة شـدنا   فشقت "تميم"  القبر  وانتفضت "بكر"
طـردت جيـوش الاحتـلال ذليلـة   يحيـط بها عـار الهـزيمـة  والذعر
وأممـت للشعب القنــاة  لينتهــى   نظام لســوق الغـرب  خيراته حكر
وحققت عهــداً لا انتهــاز يظـله   ولا حكـم إرثٍ شأنـه  العسف والقهر
وليس يمينيَّا به يبطـــر  الغنــى   وليس يساريــاً به يـرهـق العسـر
على سنن لا ينكــر الأصـل فرعه   لديه ولا يقضـى على عـرفـه  النكر
وكانت  يـداً بيضـاء تلك التـى نمت   على تـربة  الخضراء واحاتها الخضر
نصـرت  بها "غمدان" نصراً مؤزراًً   على لوحــة الأيـام خـط له  سطر
ولبيت  فى "أوراس"  صوتاً مزمجرا ً   نما من دم "المليـون" فى أرضه زهر
مآثــر يـوليك المـلايين  شكـرها   ولا يعــرف  الإحسان من فاته الشكر
بكينـاك لكـن فى العيـون  التفـاتة   إلى جبهــة الأعــداء ناظرها شزر
وصـغنا  لـذكراك المـراثى  وعندنا   ملاحـم حـرب ليس يخبـو  لها جمر
تأكد بأن الـزحف  مـازال سـائـراً   كعهـدك لـم يـوقف لتيـاره  غمـر
وما زالت  الأعــلام  مصـبوغة دماً   لها كل نفس أغـرمت بالحمــى نذر
وما  برحت "سينـاء"  مـوعد نفرنـا   ولن يخلف الميعـاد أو يهــدأ النفـر
وما   زال فى "الجولان"  ملقى جموعنا   إذا فاتهـا نصـر الضحى أزف الظهر
ولا بد  أن نشتـام شمســاً جـديـدةً   تشع وتـزهو تحتها الأوجـه  السمـر
     
     


* محمد سعيد جرادة، "الاثنين 28 سبتمبر"، من مراثى الشعراء فى ذكرى الزعيم الخالد "جمال عبد الناصر"، (القاهرة : مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1973)، ص 247 - 253.