ليس غريباً أن تسقط فى الميدان

أن تفدى شعبك، تدفع عنه بذراعيك الموت

لكن يذهلنا أن تلوى أجنحة الفرقة ، تمضى دون وداع

يقهرنا أن يطوى فى قلب النوء شراع

ويند هتاف من شعبك مخنوق النبرات :

ـ ما مات الرجل الصامد، لم يركن فى الظل

ما زال الصوت الهادر يدوى :

ـ ارفع رأسك ولى عهد الذل

* * *

من أجلك تمتلئ الأعين حزنا وذهول

تصرخ أفئدة عبثاً يفصلك القبر الموحش عن شعب

ملتصق باسمك حتى الهذيان

يتشامخ تاريخك ، تمتد ظلالك ، تثبت أزهارك فى كل مكان

نتوهم أنك ميت لكن ضياءك يجلو هذا الوهم

وحدك تبقى الواهب كل الحب العارم للإنسان

وحدك تبقى الحامل آلام الإنسان

وحدك تبقى فى ذاكرة الشعب الرجل الرائع

ما زالت تشتبك الأيدى بيديك

ترنو الأعين ، تستعلى بكبر ، تتطلع فى عينيك

وحدك تبقى الدفء الكامن فى الأشياء

كيف إذن ؟ يوهمنا القبر البارد أنك ميت

فجر قبرك.

هز الكفن الغاشى ،

أسمعنا كالواثق جلجلة الصوت

عبئنا زخما وحياة

انفض عن كاهلنا أغبرة الموت

إنا نتعجب كيف استولى الحزن المشؤوم علينا ،

أوهمنا أنك ميت

وتدفق طوفان، أحلف باسمك، طوفان من شعب مفجوع

انهض ، تنهض أشلاء الوطن الدامى ، تنشد الأعناق

تحمل تاريخك كبرا ، معجزة ، وفؤوس

ما زلت تطل علينا ، تستشرف آفاق الآتى ، تبهرنا

هامتك الفرعاء

يذهلنا أن تبسم إذ يثخنك الدهر جراح

مازلنا نبصر تلويح ذراعيك وراء الهرم الأكبر

نستغرب كيف انقض النبأ الصاعق ،

دمرنا ،

زلزلنا

أوهمنا أنك ميت

نتعجب كيف اجترأ الموت الغاشم أن يوهمنا أنك ميت

تنبثق الخضرة باسمك ، تطلع من أعماق  الصحراء زنابق

تتنامى أشجارُُ ، يتضوع عطر ، تخضر حدائق

يتفرع اسمك ، فى موسمنا، زيتوناً أخضر

وخوابينا الجوعى تترع زيت

وترفرف فى رأس الركب بيارق

تتلهف أمُّ ، جمدها الشجن الدامى ، أن تلقاك

تتشبث باسمك ، تأبى أن يسلخها عنك الموت

ويندُّ هتاف من شعبك مخنوق النبرات

ما مات الرجل الصامد ، لم يركن فى الظل

ما زال الصوت الهادر يدوى :

ـ ارفع رأسك وَلَّى عهد الذل

 

* صالح درويش، عبثاً يفصلك القبر، (فى): حسن توفيق: الزعيم فى قلوب الشعراء ، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام)، ص 121 ـ 124.