خطاب الرئيس جمال عبد الناصر

فى دمشق

٢٢/٣/١٩٥٩

أيها المواطنون:

إننا حينما نعبر عن قوتنا فنحن نستمد هذه القوة من بلدنا لا من بلد أجنبى، وفى جميع أطوار كفاحنا كنا نعتمد على أنفسنا أولاً بعد الله.. وكنا نعتمد على أنفسنا ولم نكن بأى حال نعتمد على قوة أجنبية. وقد صارعتم وكافحتم فى الماضى الطويل ضد السيطرة الأجنبية وضد الاستعمار، ولم نكن فى هذا - أيها الإخوة - نعتمد على دولة تسندنا أو قوة تشد من أزرنا، ولكنا كنا نعتمد اعتماداً كلياً على الله وعلى أنفسنا.

أيها المواطنون:

كان هذا دائماً هو سبيلنا فى الكفاح من أجل حريتنا ومن أجل استقلالنا، وكان هذا دائماً هو إيماننا من أجل بناء وطننا. وإننا - أيها الإخوة - لم نكن بهذا نعبر عن صغر السن أو الحماس أو الاندفاع - كما يقول "خروشوف" - ولكننا نعبر عن إيماننا بوطننا. وإن "خروشوف" - رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى - تكلم منذ أيام وعلق على غضبتنا من أجل حريتنا ومن أجل بلدنا، من أجل قوميتنا ومن أجل عروبتنا.. علق ببساطة، وقال: إن عبد الناصر رجل صغير السن متحمس ومندفع‍‍!!

أيها الإخوة:

وأنا أحب أن اقول اليوم - أيها الإخوة - إن عبد الناصر ليس وحده المتحمس المندفع، ولكن الشعب العربى كله متحمس ومندفع، ولولا هذا الاندفاع لما استطعنا - أيها الإخوة - أن نحقق هذه المعجزات الكبار. ونحن نعتمد - بعد الله - فقط على أنفسنا؛ لقد حاربنا معارك الحرية والاستقلال وحققنا الحرية والاستقلال، قاومنا الاحتلال البريطانى فى مصر الذى استمر حتى عام ٥٦ والذى يتكون من ٨٠ ألف جندى بريطانى فى قاعدة القنال، وباعتمادنا على الله وعلى أنفسنا وبتصميمنا على بذل الدماء وبذل الأرواح فى سبيل تحرير وطننا، استطعنا أن نطهر هذا الوطن من كل جندى أجنبى، وتطهرت أرض هذا الوطن من الاستعمار الذى استمر فيه أكثر من ٨٠ عاماً.

أيها الإخوة:

كنا فى هذا لا نعتمد على دولة أحنبية، بل نعتمد على الله وعلى أنفسنا وعلى إيماننا بوطننا.

وحينما أراد الاستعمار أن يقيم بين ربوع هذه المنطقة من العالم حلف بغداد، تصدى الشعب هنا فى سوريا ضد حلف بغداد، وتصدى الشعب فى مصر ضد حلف بغداد، وقامت الشعوب العربية ضد حلف بغداد؛ وكنا بهذا - أيها الإخوة - إنما نعتمد على الله وعلى أنفسنا ولا نعتمد على دولة أجنبية، واستطعنا أن ننتصر، وأن ترتفع إرادتنا، وأن تتحقق مشيئتنا، ولم يستطع حلف بغداد - بعد أن ضم إليه العراق - لم يستطع أن يمتد بعد حدود العراق، رغم الضغط الذى وجه إليكم هنا فى سوريا، وإلينا فى مصر، وإلى الأردن الشقيق، وإلى لبنان الشقيق. لكن الشعب العربى رفض بإباء، وكان فى هذا الرفض يواجه الدول الكبرى ويواجه الاستعمار الغربى، ولكنه كان يعتمد على الله وعلى نفسه وعلى حقه فى الحرية والحياة، وانتصر وهزم حلف بغداد، ولم يستطع أن يمتد خلف حدود العراق. ولكن الشعب لم يقف عند هذا، بل صمم أن يهدم حلف بغداد، وكان الشعب العربى الحر الأبى يعتقد أن حلف بغداد إنما هو ركيزة للاستعمار فى بغداد ينطلق منها العدوان ضد الأمة العربية وضد حريتها واستقلالها، ومن أجل وضعها داخل مناطق النفوذ.

ومن أجل هذا - أيها الإخوة - حينما قامت ثورة العراق المجيدة فى ١٤ يوليو التى عبرت عن شعب العراق وعن جيش العراق، إنما كانت تستهدف التخلص من النفوذ الأجنبى ومن حلف بغداد. وكنا فى هذا - أيها الإخوة - نساند العراق الشقيق، لاننا نعتقد أن التخلص من الاستعمار فى العراق إنما هو راحة للأمة العربية كلها. ومازال العراق الشقيق حتى اليوم - أيها الإخوة - وهم يحاولون أن ينعتونا بكل الصفات، مازالوا عضواً فى حلف بغداد، ومازالوا طرفاً فى تحالف ثنائى مع بريطانيا، ومازالت قاعدة الحبانية للطيران قاعدة لبريطانيا وطائرات بريطانيا وقوات بريطانيا.

إننا - أيها الإخوة - كافحنا السنوات حتى لا ندخل فى حلف بغداد، ثم كافحنا السنين حتى نهدم حلف بغداد، ثم قامت ثورة العراق.. قام بها جيش العراق وشعب العراق، ومازال العراق فى حلف بغداد. ومازالت هناك اتفاقات للتحالف مع بغداد، ومازالت هناك اتفاقات لتحالف ثنائى مع بريطانيا، ومازالت هناك فى العراق قاعدة لبريطانيا بناءاً على هذا الاتفاق.

ورغم هذا.. رغم هذا - أيها الإخوة - وقف الشيوعيون العملاء فى العراق ليهاجموا جمهوريتكم، ويتنكروا لكفاحكم، ويتناسوا أنهم عندما قامت الثورة كان كل فرد منهم وكل فرد من شعب العراق يشعر أن هذه نهاية حلف بغداد. ولكنهم - أيها الإخوة - تنكروا للعروبة، ثم تنكروا للاستقلال، ثم تنكروا للقومية العربية، واتفق الشيوعيون العملاء مع عملاء الاستعمار ومع بريطانيا لتبقى العراق داخل حلف بغداد، ولتبقى قاعدة الحبانية لبريطانيا، وليبقى الاتفاق الثنائى بين العراق وبريطانيا، وليتحالف الاثنان ضد القومية العربية والجمهورية العربية المتحدة.

وكان هذا - أيها الإخوة - هو التاريخ البعيد، وهذا هو الحاضر الذى نعيش فيه، اتفاق بين الشيوعيين العملاء وبين بريطانيا وبين حكام العراق، وتحالف بين الجميع للعمل ضد القومية العربية، ومن أجل إنهاء القومية العربية، للعمل ضد المبادئ التى نؤمن بها؛ مبادئ الحرية والاستقلال وعدم الانحياز.

لقد التقى الشيوعيون العملاء مع الاستعمار البريطانى فى محاربة القومية العربية، لان كلاً منهم يعتقد أن العقبة التى تقف فى طريقهم إنما هى إيمان الشعب العربى بالقومية العربية؛ فالقومية العربية هى سد منيع ضد الاستعمار، هزمت حلف بغداد وهزمت الدول الكبرى، والقومية العربية هى سد عال كبير ضد الشيوعيين، ولهذا التقى الخصمان ضد الخصم الذى يعتقدون أنه يهدد مصالحهم، بل يهدد وجودهم. وطبعاً - أيها الإخوة - لا مانع من أن يكون بينهم حساب حينما يتخلصون من هذا الخصم القوى الذى تعبر عنه قوميتكم العربية، ولكنا كما انتصرنا فى الماضى وكما هزمنا حلف بغداد، فإننا سننتصر فى المستقبل ضد تحالف الاستعمار والشيوعيين العملاء.

أيها الإخوة المواطنون:

ثم كافحتم بعد هذا.. كافحتم كفاحاً طويلاً مريراً من أجل تثبيت حريتكم وتثبيت استقلالكم، وبدأ العدوان على مصر.. العدوان الثلاثى على مصر... وأنا أحب أن أقول لكم - أيها الإخوة - اليوم: إن الذين يتهموننا بالحماس ويتهموننا بالاندفاع أو يعتبرون هذا نوعاً من التهكم، آلينا على أنفسنا حينما مست كرامتنا أن نؤمم القنال، أن نعيد أموال القنال إلى أصحابها، وأن تعود القنال إلى أبنائها، فأممنا القنال ولم نأبه بالعدوان، وكنا فى هذا - أيها الإخوة المواطنون - إنما نعتمد على الله وعلى أنفسنا وعلى قوميتنا العربية التى نعتقد أنها درع يحمينا، وسرنا فى طريقنا.

وحينما بدأ العدوان على مصر - أيها الإخوة - فى يوم ٢٩ من أكتوبر سنة ٥٦ قمنا لندافع عن بلدنا، وكنا فى هذا الدفاع إنما نعبر عن قوميتنا، كنا نعبر عن إيماننا بالله وإيماننا بأنفسنا. وكنا - أيها الإخوة - فى اليوم التاسع والعشرين من أكتوبر حتى اليوم السادس من نوفمبر - تسعة أيام - نحارب إسرائيل وبريطانيا وفرنسا - دول العدوان الثلاثى - وحدنا، ولم نكن نعتمد إلا على الله وعلى أنفسنا. ولم تكن تساندنا أية دولة من الدول، ولم يكن هناك اتفاق بيننا وبين الاتحاد السوفيتى. واستمر الدفاع عن بلدنا من اليوم التاسع والعشرين من أكتوبر حتى اليوم السادس من نوفمبر - يوم إيقاف القتال - ندافع وحدنا عن بلدنا، ونسمع مناصرة إخواننا العرب الذين جمعتهم القومية العربية والوحدة العربية والإيمان بالعروبة، وقمنا بهذا وحدنا.

وأكرر اليوم - أيها الإخوة - حتى اليوم السادس من نوفمبر.. حتى يوم إيقاف القتال كنا وحدنا، وكان يدفعنا إلى هذا الحماس والاندفاع، ولولا الحماس والاندفاع لكانت بلادنا اليوم - أيها الإخوة - فيها القواعد الصاروخية ضد الاتحاد السوفيتى، وفيها القواعد الغربية ضد العالم الاشتراكى والعالم الشيوعى.. هذا الحماس وهذا الاندفاع الذى يعايرنا به السيد "خروشوف".

وفى اليوم السادس من نوفمبر ظهر الإنذار الروسى، وأوقف القتال فى نفس اليوم، أما التسعة أيام فقد كنا نحارب وحدنا نعتمد على الله ونعتمد على أنفسنا.

هذا - أيها الإخوة - هو إيماننا، وهذا - أيها الإخوة - هو تاريخنا، وهذا - أيها الإخوة - هو كفاحنا، وكنا فى هذا الكفاح نقاتل ونقول: سنقاتل لأخر قطرة من دمائنا، ولم يكن عندنا - أيها الإخوة - فى هذه الأيام أى إشارة بالعون من أية دولة أجنبية بما فى ذلك الاتحاد السوفيتى، كنا نعتمد على الله، وكنا نعتمد على أنفسنا؛ وبهذا استطعنا أن نتحرر، واستطعنا أن نقضى على العدوان الثلاثى. ولولا صمودنا هذه الأيام التسعة لكانت بلادنا جميعاً اليوم تحت سيطرة الاستعمار، وكانت بلادنا كلها اليوم تحمل القواعد الذرية والقواعد الصاروخية ضد الاتحاد السوفيتى.

ولهذا - أيها الإخوة - وأنا أقول للسيد "خروشوف": إن هذا الحماس وهذا الاندفاع الذى أشرت إليه إنما كان هو الوحيد الذى مكن بلادنا من أن تبقى مستقلة، وأن تقضى على العدوان الثلاثى، وألا نكون قاعدة للاستعمار الغربى أو قاعدة ذرية أو قاعدة صاروخية. فإذا قمنا اليوم - أيها الإخوة - لنجابة الخطر الجديد بنفس الحماس ونفس الإيمان، ونجابة الخطر الجديد بنفس الحماس ونفس الاندفاع، فإننا نعتمد أيضاً على الله ونعتمد على أنفسنا كما اعتمدنا على الله وعلى أنفسنا فى الماضى، وسننتصر بعون الله فى هذه المعارك كما انتصرنا بعون الله فى المعارك الماضية.

أيها الإخوة المواطنون:

كافحنا كفاحاً طويلاً بعد العدوان، وبعد أن تمكنا من هزيمة العدوان وصممنا على أن نحصل على استقلالنا، وقام الشعب هنا فى سوريا فى وقت العدوان ليحطم أنابيب البترول، وتحدى الدول الكبرى وتحدى بريطانيا ولم يأبه للتهديد.. كان الشعب هنا فى سوريا التى كانت تشعر بالعزلة يعتمد على الله ويعتمد على قوة إيمانه، ولم يكن يعتمد بأى حال من الأحوال على مساندة دولة أجنبية، لأنه رغم التهديد ورغم تهديد بريطانيا لسوريا إذا مس البترول أى شىء نسفت أنابيب البترول، وتضامن الشعب السورى والشعب المصرى، وانتصر الشعب السورى - أيها الإخوة - ضد التهديد وضد الدول الكبرى.

وجاءت بعد ذلك - أيها الإخوة - قصة مبدأ "أيزنهاور"، والتهديد والضغط لنقبل مبدأ "أيزنهاور"، وقبلت العراق مبدأ "أيزنهاور"، ورفضت سوريا مبدأ "أيزنهاور"، ورفضت مصر أن تقبل مبدأ "أيزنهاور"، وصممنا على أن تكون سياستنا سياسة حرة مستقلة. ومازال العراق حتى اليوم - أيها الإخوة المواطنون - بعد أن قامت ثورة العراق المجيدة.. العراق الذى يتشدق فيه الشيوعيون العملاء الذين يتعاونون مع الاستعمار ضد القومية العربية، مايزال العراق ملتزماً حتى اليوم بمبدأ "أيزنهاور" الذى وقعه نورى السعيد، كما هو ملتزم بحلف بغداد الذى وقعه نورى السعيد، وكما هو ملتزم بالاتفاق الثنائى مع بريطانيا الذى وقعه نورى السعيد، كما هو ملتزم بإعطاء قاعدة الحبانية لبريطانيا وإبقاء البريطانيين فيها كما التزم بذلك نورى السعيد، وكأن نورى السعيد لم يمت.. وكأن ثورة ١٤ من يوليو لم تقض على نورى السعيد.

أيها الإخوة المواطنون:

قاومتم مبدأ "أيزنهاور" ورفضتم الملايين من الدولارات، وصممتم على أن تكون سياستكم سياسة حرة مستقلة تنبع من نفسكم وتنبع من ضميركم، وقذفتم الملايين من الدولارات بالأقدام.. رفضتموها وصممتم على أن تعيشوا شرفاء كرماء.

واليوم - أيها الإخوة - يتشدق العملاء الشيوعيين فى العراق، الذين تحالفوا مع الاستعمار الغربى والاستعمار البريطانى ليقضى على القومية العربية، يتشدقون ويعلون صيحاتهم ضدكم وضد جمهوريتكم، يتشدقون.. يتشدقون بالأكاذيب وبالاتهامات ضدكم وضد كفاحكم وضد قتالكم؛ وهم بهذا - أيها الإخوة المواطنون - إنما يريدون أن يخلقوا التعصب والكراهية بين الشعب العربى فى العراق وبين الشعب العربى فى سوريا، بل يريدون أن يمكنوا للشيوعية وللشيوعيين العملاء.. أن يمكنوا لهم فى سوريا مرتعاً أو ممراً أو منفذاً.

إن الشيوعيين العملاء فى العراق اليوم الذين يتكلمون باسم قاسم العراق ويزيفون الحقائق ويقولون الأكاذيب ليفرقوا بين الشعب، إنما آلوا على أنفسهم منذ اليوم الأول للثورة - أيها الإخوة المواطنون - أن يستغلوا هذه الثورة ليستخدموها ضد القومية العربية، ولا رادع لهم ولا مانع لهم إلا أن يعقدوا حلفاً مقدساً بين الشيوعيين العملاء وبين الأحزاب الشيوعية وبين الاستعمار البريطانى ضد القومية العربية، لأنهم شعروا أن القومية العربية هى السند القوى ضد السيطرة الاستعمارية أو السيطرة الشيوعية.

وحينما قامت ثورة العراق فى الرابع عشر من يوليو، قامت الجمهورية العربية المتحدة من اليوم الأول - وكنا بهذا يدفعنا الحماس والاندفاع، بل تدفعنا أيضاً القوة والقومية العربية - قمنا جميعاً وأعلنا باسمكم أننا نساند ثورة العراق، وأن أى عدوان على العراق هو عدوان على جمهوريتنا، وأننا سنشترك مع العراق فى الكفاح وفى القتال. وأعلنت هذا هنا فى دمشق وفى هذا المكان بعد عودتى من موسكو.. من الاتحاد السوفيتى. وفى هذا الوقت - أيها الإخوة المواطنون - كنت متأكداً كل التأكيد أننا الدولة الوحيدة التى تقف فى جانب العراق، والدولة الوحيدة التى ستحارب بجانب العراق إذا اعتدى عليها أى معتد أو مستعمر، وأكرر - أيها الإخوة - بعد عودتى من الاتحاد السوفيتى كنت واثقاً كل الثقة أننا الدولة الوحيدة التى ستقف بجانب العراق.

ورغم هذا لم تهن عزيمتنا ولم يتملكنا الخوف، بل صممنا - رغم أننا الدولة الوحيدة، وأنا متأكد من ذلك - أن نقف بجانب العراق وأن نساند شعب العراق، وأن نساند ثورة العراق. ويعرف السيد "خروشوف" أن هذا ليس اندفاعاً وليس حماساً، وليس صوت شباب، ولكنه إيمان بالقومية العربية، وإيمان بأن الشعب العربى إنما هو شعب واحد، وأن العدوان على أى بلد عربى إنما هو عدوان على جميع العرب فى جميع الأوطان وفى جميع البلاد.

هذه - أيها الإخوة - هى عقيدتنا، وهذه هى رسالتنا، وهذا هو إيماننا، وحينما عدت هنا إلى دمشق - أيها الإخوة - كنت أعطيت التعليمات للقاهرة حتى تعطى ثورة العراق كل ما تريد وكل ما تطلب. وأرسلنا إليهم كل ما طلبوا من الأسلحة الصغيرة لتسليح المقاومة الشعبية، وأرسلنا إليهم كل ما يطلبون من الذخيرة، فالأسلحة التى كان سلحهم بها حلف بغداد بلا ذخيرة، حينما طلبوا منا طائرات وراداراً، أرسلنا لهم الطائرات والرادار، وأرسلنا هذا كله بلا ثمن وبلا مقابل، وعقدنا معهم اتفاقية عسكرية على أننا نضع كل قواتنا وكل ثرواتنا فى جانبهم إذا حصل عليهم عدوان.

وكنا فى هذا الوقت - أيها الإخوة المواطنون - إنما نقامر بمصيرنا ونقامر باستقلالنا، بل نضع كل مقدراتنا بجانب إخواتنا فى العراق، ولم نكن بأى حال من الأحوال نحجم عن أن نتخذ هذة الخطوة، لأننا كنا نعتقد أن استقلال العراق هو تدعيم لاستقلالنا، وأن حرية شعب العراق هى تدعيم لحرية شعبنا.

وسارت الأمور - أيها الإخوة - على هذا المنوال، وتغيرت الأحوال وخفت الأزمات والضغوط على العراق، وبدأ الشيوعيون يظهرون عن أنيابهم ويكشرون عنها ويسفرون عن وجوههم، واعتقدوا انهم باستغلال الصراع بين قاسم العراق وبين عبد السلام عارف إنما قد يتمكنون من النفوذ إلى السلطة فى العراق. وسارت الثورة هذا السير الذى نعرفه جميعاً، وبدأت الشيوعية والشيوعيون العملاء يتنكرون للجمهورية العربية، ويتنكرون للشعب العربى الذى كان مستعداً أن يضحى بكل مصيره وأن يضحى بدمائه وأن يضحى بكل ما يملك فى سبيل نجدة العراق الشقيق؛ أرسلنا لهم الأسلحة، وأرسلنا لهم الطائرات، وأرسلنا لهم الذخائر، ثم بدأت الحملات والدس من شيوعيى العراق والعملاء.

بدأ الشيوعيون والعملاء وعملاء الاستعمار يدسون ضدكم وضد جمهوريتكم، ويعملون على بث الفتنة بين شعب العراق الشقيق وبين شعب الجمهورية العربية الذى صمم على أن يفدى هذا الشقيق.

بدأوا يبثون الفتنة بين القلوب؛ وكانوا بهذا يعتقدون أن هذه الفتنة إنما قد تقضى على معنويات الأمة العربية، وأن هذة الفتنة إنما تمكن الحزب الشيوعى فى سوريا من أن يسيطر على الأحوال فى سوريا، وأن هذه الفتنة إنما قد تقضى أيضاً على فكرة القومية العربية لتحل محلها فكرة الحزبية الشيوعية، ويحل الشيوعيون العملاء حكاماً فى هذه البلاد يسيطرون عليها وعلى مقدراتها، وتقوم التبعية ونبقى أتباعاً.

وكنا نعلن - أيها الإخوة المواطنون - أننا صممنا على أن يكون بلدنا غير خاضع للنفوذ الغربى ولا النفوذ الشرقى، وعلى أن يكون بلدنا بلداً مستقلاً يخضع لأبنائه فقط، وتنبع سياسته منه؛ ولهذا أعلنا أننا لا نريد بين أراضينا وبين ظهرانينا حزباً رجعياً يعمل للاستعمار الغربى ويأخذ منه المال والنفوذ، فإذا استطاع أن يتحكم فينا يقضى علينا ويقيمها دكتاتورية رجعية تقضى على الوطنية والقومية، ولا نريد حزباً شيوعياً يعمل للشيوعية الدولية ويأخذ الوحى من الدول الشيوعية أو من الشيوعية الأجنبية ويحاول أن يقيدنا بالتبعية، بل نريدها وطنية مستقلة قومية.

ولكن الحزب الشيوعى إذا استطاع أن يسيطر على العناصر القومية ويقيمها دكتاتورية إرهابية دموية.

أعلنا هذا.. وأعلنا أننا بذلك إنما نحمى بلدنا.. نحمى وطننا، وبهذا  - أيها الإخوة - سرنا فى سبيلنا، ولهذا حاربنا الشيوعيين العملاء الذين كانوا يعملون بكل سبيل وبكل وسيلة على أن يتحكموا فينا، وعلى أن يجعلوا منا أتباعاً للشيوعية الدولية.

ولهذا - أيها الإخوة - بدأت الحملات ثم بدأت الأكاذيب ثم بدأت الفتنة للتفرقة بين شعب العراق وبين الشعب العربى فى الجمهورية العربية المتحدة، وكان هناك اتفاق بين الحكومة العراقية وبيننا على التعاون؛ نساندهم إذا حصل عليهم اعتداء ويساندوننا إذا حصل علينا عدوان.

وبدأت صحف الشيوعيين العملاء فى العراق تتكلم وتقول: إن جمال عبد الناصر إنما يريد أن يضم العراق ويريد أن يجعل العراق ضمن الجمهورية العربية المتحدة! وأعلنا - أيها الإخوة - أننا لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نفرض الوحدة أو الاتحاد، ولكن هذه الوحدة أو هذا الاتحاد يجب أن يكون بمشيئة الشعب العربى فى كل بلد عربى، وأعلنا أن الشعب العربى فى مصر وسوريا فرض علينا الوحدة فرضاً، وأن أى وحدة لا تجمع الشعب كله إنما تكون ضارة لأنها تقودنا إلى حرب أهلية.

وبدأت - أيها الإخوة - فى العراق.. بدأت النداءات بالوحدة وبالاتحاد، ولم تكن هذه بأى حال من الأحوال لها غايات شريفة أو غايات مجيدة أو غايات قومية عربية، ولكن الشيوعيون العملاء الذين حملوا لواء الدعوة إلى الاتحاد وحملوا لواء الهجوم على الوحدة، إنما كانوا يستهدفونكم أنتم هنا فى سوريا، لانهم كانوا بهذا يعتقدون أنهم يتمكنون من التأثير على الشعب السورى حتى تنفصم الوحدة، وكانوا يظهرون محاسن الاتحاد ثم يهاجمون الوحدة، وكانوا فى نفس الوقت بينهم وبين أنفسهم لا يبغون وحدة ولا اتحاداً، ولكنهم يبغون الشيوعية والتبعية، لأن هذا هو وليد العملاء.

كانوا يبغون الشيوعية والتبعية، ثم كانوا يبغون أن يكونوا عملاء ليخضعوا هذه البلاد أيضاً للشيوعية والتبعية، وقامت فى العراق معركة الوحدة والاتحاد، ولم تكن معركة الوحدة والاتحاد معركة بريئة تستهدف القومية العربية وتستهدف العروبة، ولكنها كانت معركة خبيثة تستهدف دس الفتنة بين القومية العربية.

وكانوا بهذا - أيها الإخوة - يتنكرون لكل ما نقول، وقلت لهم: إننا لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نناقش العناوين أو نناقش الشعارات، ولكننا على استعداد أن نتكلم مع شعب العراق ومع حكومة العراق على تنظيم العلاقات بين جمهوريتينا؛ قد يكون اتحاد، وقد تكون وحدة، وقد يكون اتفاق عسكرى ضد العدوان أو اتفاق اقتصادى، وقد يكون تضامن عربى، وهذا هو ما نبغيه، فإذا ما استقلت الأمة العربية وإذا ما استقلت الدول العربية، فإنها لا تحتاج إلى دساتير لتوحدها لأنها لا تختلف إلا إذا سيطر عليها الأجنبى وسيطر عليها الطامع.. ولم تكن الخلافات بين الأمة العربية إلا نتيجة السيطرة الأجنبية ونتيجة الأطماع الأجنبية.

وقلت لهم: إن العراق المستقل والجمهورية العربية المتحدة المستقلة لا يحتاجون إلى دساتير ليتحدوا؛ لأن هذا الاستقلال هو الاتحاد.

ولكن الشيوعيين العملاء لم يكونوا يهدفون إلى الاستقلال، بل كانوا يهدفون إلى التبعية، والمستعمرون الإنجليز أيضاً كانوا يهدفون إلى سيطرة الاستعمار.

وقد سار حكام العراق وقاسم العراق.. ساروا وراء الشيوعيين العملاء، وساروا وراء الاستعمار البريطانى، وسار قاسم العراق من أجل أن يتخلص من عبد السلام عارف.. ضحى باستقلال العراق الذى حصلت عليه العراق فى ١٤ يوليو فى الثورة المجيدة من أجل التخلص من عبد السلام عارف؛ فدفع العراق إلى الشيوعيين العملاء، ثم تحالف واتفق مع المستعمرين البريطانيين، وترك حلف بغداد يبقى كما هو، وترك قاعدة الحبانية لبريطانيا، وترك الشيوعيين العملاء يمرحون ويقتلون القوميين، ويعملون من أجل أن تفوز سياسة التبعية وسياسة الشيوعية فى العراق.

وبدأ قاسم العراق بعد ذلك بمعاونة الشيوعيين يتنكرون لنا، وقالوا - أيها الإخوة - إننا نريد أن نسيطر على العراق، أو نريد أن نضم العراق، أو نريد أن يكون لواؤنا شاملاً للعراق من أجل خيرات العراق ومن أجل أموال بترول العراق، لأننا نحتاج إلى الأموال، ولأننا نحتاج بعد الوحدة إلى هذا المال؛ وكانوا بهذا - أيها الإخوة المواطنون - إنما يستغلون أحط الأساليب ليفرقوا بين شعب العراق المجيد وبين الشعب العربى فى الجمهورية العربية المتحدة.

ولكن اليوم أقول لهم: إننا - أيها الإخوة - شعب غنى، وإذا كان للعراق دخل من البترول ٧٠ أو ٧٥ مليون جنيه وميزانية ٤٠ أو ٤٥ مليون جنيه، فإن احنا عندنا هنا فى سوريا ميزانية ٥٥ مليون جنيه.. وعندنا دخل يبلغ أكثر من دخل البترول.. أكثر من ٧٠ مليون جنيه، وعندنا فى مصر ميزانية ٣٦٠ مليون جنيه.. وعندنا دخل قومى ألف مليون جنيه.. ودخل من قناة السويس ٤٥ مليون جنيه.. ودخل من البترول ١٨ مليون جنيه.

هذه هى الحقائق - أيها الإخوة - وأقولها اليوم حتى لا تنطلى هذه الأساليب على الشعب العربى الطيب، ولكن الشيوعيون العملاء الذين ملأ قلبهم الحقد والبغضاء والضغينة ضد العرب والعروبة وضد القومية العربية سيحاولون دائماً أن يتبعوا سياسة الدس والتفرقة؛ حتى يجعلوا من العراق الشقيق الذى حصل على استقلاله فى الرابع عشر من يوليو.. حتى يجعلوا منه بلداً خاضعاً للشيوعية الدولية أو خاضعاً للاستعمار البريطانى، لأن الشيوعيين العملاء يعملون مع الشيوعية ثم يتحالفون أيضاً مع الاستعمار.

ولا يهمهم - أيها الإخوة - هؤلاء الخونة الأندال أن يعود العراق الذى ثار ليستقل تحت النفوذ الأجنبى مرة أخرى ماداموا ينفثون عن حقدهم ضد القومية العربية وضدكم، لأنكم لن تمكنوا للعملاء من أن يكونوا بينكم وبين بلادكم.

نحن - أيها الإخوة - لسنا بأى حال دولة فقيرة، ولكنا دولة غنية؛ إن مصر لها ميزانية تبلغ ٣٦٠ مليون جنيه.. و٣٦٠ مليون جنيه هذا خلاف - أيها الإخوة - دخل البترول فى مصر ٣ مليون طن بحوالى ١٨ مليون جنيه، ودخل قناة السويس ٤٥ مليون جنيه، ودخل الصناعات الأخرى، ودخل القطن ١٢٠ مليون جنيه، ودخل الأرز ١٠ مليون جنيه.. دخل لا حد له.. دولة غنية.

ونحن هنا - أيها الإخوة - فى سوريا لنا ميزانية تبلغ ٥٥ مليون جنيه بخلاف أرصدة التسليح.. وبخلاف الأرصدة المطلوبة لسلاح الجيش التى تبلغ حوالى ٢٠ مليون جنيه؛ يعنى عندنا هنا أيضاً ٧٥ مليون جنيه، هذا خلاف ثرواتنا. وهنا ٤ مليون.. أربعة مليون فقط خلاف ثرواتنا المتعددة من التجارة، خلاف ثرواتنا ودخلنا من القمح ومن القطن - هذا عن سوريا - ومن الصناعة ومن كل شىء.

وتمسك العراق وميزانية العراق.. دخل العراق من البترول ٧٥ مليون جنيه.. أى دخل قناة السويس زائد البترول فى مصر، وميزانية العراق ٤٥ مليون جنيه، يبقى مين اللى ياخد من التانى، ويبقى ازاى احنا عايزين نعمل وحدة معاهم علشان ناخد أموال بترول العراق؟!

ولكن - أيها الإخوة - هذه الأساليب المبنية على الخسة والمبنية على فقدان الضمير، إنما دبرها الشيوعيون العملاء ليفرقوا بين شعب العراق الأبى وبين شعب الجمهورية العربية المتحدة، وأن يحاولوا أن يوهموا الشعب الكريم.. الشعب الطيب فى العراق أن شعب الجمهورية العربية المتحدة إنما يهدف إلى الوحدة ليأخذ من خيرات العراق إلى نفسه.

ولهذا السبب - أيها الإخوة - فإن العملاء الذين كانوا يحاولون أن يبثوا الفتنة بين أراضيكم هنا لجأوا إلى العراق، ووجدوا من قاسم العراق نعم النصير ضدكم، حتى تكونوا أتباعاً.

وسار الشيوعيون فى العراق - أيها الإخوة - على هذا السير وعلى هذا المنوال، وسار أيضاً حكام العراق، وبعد أن اتفقنا معهم هذه الاتفاقات العسكرية ضد العدوان، وبدأ العدوان على الإقليم السورى منذ عدة أشهر وحشدنا قواتنا، وبدأت المعارك تحتدم على الحدود السورية - الإسرائيلية، أرسلنا إلى قاسم العراق من أربع خمسة أشهر.. أرسلنا له رسالة، وقلنا له: إن الأمور بيننا وبين إسرائيل تنذر باصطدام، ونحن ننوى ونعزم إذا بدأت إسرائيل بالعدوان ألا تنتهى المعركة بل تستمر المعركة إلى النهاية، ونطلب من العراق الشقيق وفقاً لاتفاقاتنا العسكرية أن يضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ، ونحن على استعداد لاستقبال أى قوات من الجيش العراقى الشقيق فى سوريا لمؤازرتنا فى حربنا ضد إسرائيل إذا بدأت إسرائيل بالعدوان، فماذا كان الجواب؟ وماذا كان جواب قاسم العراق؟ اليوم الشيوعيون العملاء فى العراق وعملاء قاسم العراق والناطقون باسمه بيتكلموا، ويقولوا: الجهود اللى بتوجهوها ضد العراق ليه ما بتوجهش ضد إسرائيل وإسرائيل جنبكم؟

ولما بعثنا إلى قاسم العراق بهذه الرسالة لم يصلنا منه رد إلى الآن.. رفض الرد، وبعثنا له رسالة ثانية ورسالة ثالثة لوضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ، وبدلاً من أن يصلنا الرد بالأسف أو بعدم القدرة أو بعدم الاستطاعة أو بالتأجيل أو بإعطائنا قوات رمزية - وكانت طائراتنا فى هذا الوقت هناك فى العراق - بدلاً من أن يجينا هذا الرد بدأت تفتعل الأزمات، ثم بدأت تفتعل الحوادث والأحداث لخلق الضغينة والبغضاء، ولخلق الخلاف وبذر بذور الفتنة بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق.

وبعد هذا - أيها الإخوة - كان من الواضح أننا نسير من حال سيىء إلى حال أسوأ.. وستسوء العلاقات بيننا وسيستمر هذا السوء من أشد إلى أشد، وكان من الواضح - أيها الإخوة - أن معنى هذا أيضاً أننا إذا اشتبكنا مع إسرائيل فلن نستدعى العراق أو لن نطلب من العراق الشقيق أن يشترك معنا فى المعركة؛ لأننا لن نكون مع العراق الشقيق أو قاسم العراق فى ذاك الوقت على وفاق.

هذه - أيها الإخوة - هى الحقائق التى سارت منذ خمسة أشهر من قبل شهر نوفمبر، فى الوقت اللى طلبنا فيه الجيش العراقى يقف جنباً إلى جنب ضد عدوان إسرائيل وإرسال وحدات من الجيش العراقى معنا، علشان ندخل معركة حاسمة ضد إسرائيل إذا قامت إسرائيل بالعدوان، ورفض قاسم العراق هذا بعد أن أرسلنا إليه الأسلحة وأرسلنا إليه الذخائر وأرسلنا إليه الضمانات.

بدأت حملة تستهدف تشوية العلاقات بين الجمهورية العربية المتحدة وبين العراق؛ بدأت حملة اعتقال عبد السلام عارف، ثم اتهام الجمهورية العربية المتحدة هذه الاتهامات الزائفة التى أثبتت محاكمة عبد السلام عارف التى أذيعت أنها كذب وبهتان، وأن الاتهامات التى أذاعها قاسم العراق وحكام العراق والشيوعيون فى العراق، من أن عبد السلام عارف كان فى الجمهورية العربية المتحدة، وأن عبد السلام عارف كان متآمراً مع الجمهورية العربية المتحدة.. كل اللى سمعوا محاكمة عبد السلام عارف كان كل الاتهام مؤامرة أومحاولة لقتل الزعيم الأوحد قاسم العراق.

دا الكلام اللى كان موجود فى المحاكمة ولم يكن هناك أى شىء عن تآمر عبد السلام عارف ضد العراق، بل كان عبد السلام عارف بيقول: أنا الرجل الخاضع.. أنا الرجل المطيع.. أنا الرجل الأمين.. أنا الرجل اللى باضحى فى سبيل بلدى، وأثبتت إذاعة المحاكمة التى كنا نستهدف أن تذاع، أن حكام العراق والشيوعيين العملاء فى العراق إنما يتسلحون بالأكاذيب، ويتسلحون بأخس الأساليب للوقيعة بين الشعب فى الجمهورية العربية المتحدة والشعب العربى فى العراق، ثم لخديعة شعب العراق وخديعة الشعب العربى.

ثم بعد هذا - أيها الإخوة - بدأنا، ثم بعد هذا - أيها الإخوة - بدأت الحملات ضدنا وضد الجمهورية العربية المتحدة، ثم أعلنت مؤامرة مرة أخرى وكان بطلها فى هذا الوقت وهو رشيد عالى الكيلانى بطل ثورة سنة ١٩٤١، ثم بدأت الافتراءات - أيها الإخوة - توجة ضد الجمهورية العربية المتحدة، وكنا نشعر أن قاسم العراق والشيوعيين فى العراق إنما يستهدفون إلى تسوئ العلاقة بين الجمهورية العربية المتحدة وبين العراق؛ حتى يتحللوا من الاتفاقات العسكرية ضد إسرائيل - التى يقولون إنها أقرب إلينا، ولماذا لا نوجه إليها عدواننا - وحتى يحاولوا أن يقضوا على فكرة القومية العربية، وحتى يرتفع علم الشيوعية والتبعية، وحتى يرضى عنهم الأسياد الإنجليز ويزيدوا عوائد البترول أو يؤمنوهم على أنفسهم وعلى مصائرهم!

وظهر - أيها الإخوة - بعد ذلك أن هذه الاتهامات أنها كانت كلها أكاذيب باطلة لا تستهدف إلا خلق الفتنة بين الشعب العربى، وظهر من هذا الأسلوب الشيوعى - أسلوب الشيوعيين العملاء - اختلاق الأكاذيب للتفرقة بين العرب، وللدس على القومية العربية.

وسارت الأمور بعد هذا - ايها الإخوة - على هذا المنوال، وأردنا أن ننهى هذه المرحلة، واتصلنا بقاسم العراق، وكان قاسم العراق فى هذا يعمل بسياسة ذات أوجه معدودات لا وجه واحد، فكان يقول: إنه سينهى هذا وسنسير سير الإخوة الأحباء، ولكنه كان يدفع عملاءه - هؤلاء العملاء الأذناب الذين تتكون منهم محكمة السب فى العراق.. محكمة الشتم فى العراق.. محكمة الهزل فى العراق.. هؤلاء الناس - لكى يتحاملوا على الجمهورية العربية وعلى قادة الجمهورية العربية.

كنا نشعر أن هذه المحكمة - محكمة السب - لم تعقد لتكون محكمة، وإنما عقدت لتعبر عن قاسم العراق وعن الشيوعيين العملاء فى العراق. وكان بهذا - أيها الإخوة -  قاسم العراق يريد أن يدفعنا دفعاً حتى تسوء العلاقات، وحتى يعزل نفسه بعيداً عن القومية العربية، وحتى تتكون القاعدة الشيوعية لتنطلق إلينا فى هذه المنطقة، وحتى يستعيد البريطانيون نفوذهم. لكنا تركنا هذا الهزل وتركنا ما تقوله محكمة السب، ولم نحاول - أيها الإخوة - بأى حال من الأحوال أن ننساق فى هذا الطريق. وكنت فى كلامى وفى خطبى أحاول أن أقول للعراق: نقبل التضامن ولا نسعى للوحدة أو الاتحاد بأى حال من الأحوال، ولا نطلب وحدة أو اتحاداً ولا نطمع فى أموالكم. وكنت أحاول بهذا أن أقضى على الدس الذى يحاول الشيوعيون العملاء أن يدسوه بين أبناء الوطن الواحد، ولكن قاسم - قاسم العراق - كان يبيت أمراً.. يبيت أمر التخلى أو أمر تصفية القومية العربية والوطنيين فى العراق، وليمكن الشيوعية من تصفية الضباط الأحرار الذين قاموا بالثورة فى يوم ١٤ يوليو.

وقامت - أيها الإخوة - ثورة الموصل فى العراق بقيادة الشواف.. قام بها الجيش فى العراق، وقامت هذه الثورة فى يوم الأحد، وفى يوم الاثنين بدأت محكمة السب فى العراق - قبل أن تعرف ماذا يجرى فى الموصل - التى تنطق باسم قاسم العراق توجه الاتهامات إليكم وإلى جمهوريتكم، وتوجة السباب إليكم وإلى قادتكم وإلى حكومتكم؛ وكانوا بهذا إنما يعبرون على الحقد الأسود الشيوعى، ويعبرون عما فى خيبة نفوسهم.

قالوا - أيها الإخوة - بعد هذا إنهم وجدوا فى الموصل أسلحة وصلت من الإقليم السورى. وأنا لا أعرف ولا أستطيع أن أفهم كيف يقوم جيش بثورة وليس عنده أسلحة ويحتاج إلى أسلحة - بعض رشاشات أم بعض بنادق اللى نشروها فى صحفهم وحطوها فى التليفزيون علشان تنجح هذه الثورة - من الإقليم السورى! المفروض إن الجيش اللى بيقوم بثورة هو جيش عنده أسلحة ثقيلة ورشاشات وأسلحة خفيفة وجميع أنواع الأسلحة، ولكن الشيوعيين العملاء فى العراق وقاسم العراق، الذين أرادوا أن يخدعوا شعب العراق ويخدعوا الشعب العربى، قالوا: إنهم وجدوا فى الموصل رشاشات ماركة بورسعيد أرسلت من سوريا إلى جيش العراق ليقوموا بالثورة! ولا يمكن لعاقل أن يصدق هذا القول؛ لأن المفروض أن الجيش الذى قام بالثورة هو جيش مسلح بالطائرات والأسلحة الثقيلة والأسلحة الخفيفة والألغام والذخائر، ولا يحتاج إلى بضعة رشاشات من ماركة بورسعيد حتى تقوم هذه الثورة، أو حتى تساعد الجيش الذى صمم على أن يقوم بثورته. وإنما هذه الرشاشات - أيها الإخوة - ماركة بورسعيد قد أرسلت وأنا هنا فى دمشق.. حينما حضرت هنا بعد ثورة العراق أرسلنا لهم ٣٠ ألف رشاش من صنع مصر ماركة بورسعيد؛ علشان يسلحوا بها المقاومة الشعبية فى هذا الوقت بدون ثمن وبدون فلوس، وأرسلنا رشاش بورسعيد هدية لقاسم العراق، وقد يكون هذا هو الرشاش الذى ظهر فى تليفزيون بغداد.

دى - يا إخوانى - حملات التضليل وحملات الخداع اللى بيقوم بها قاسم العراق وحكومته، اللى بيقوم بها الشيوعيون العملاء فى العراق متفقين مع الاستعمار ضد جمهوريتكم وضد قوميتكم؛ وهم بهذا يعتقدون أنهم سيتمكنون من تضليل الشعب العربى أو سيتمكنون من هزيمة الأمة العربية.

إنهم يقولون - أيها الإخوة - فى العراق اليوم: إن طلبتهم اعتدى عليهم فى مصر، وإن بعضهم أصيب بجراح.. واحد انقطعت رجله، واحد انضرب فى دراعه؛ أكاذيب وأباطيل، ولكن كلنا نعلم أن العميل - والشيوعى العميل على الأخص - لا يتورع أن يستخدم كل وسائل الدس بقذارتها وبخبثها ولؤمها، ويعتقد أن الغاية تبرر الوسيلة.

وظهر - أيها الإخوة - أن هذا كلام كاذب، وأن الطلبة العراقيين فى مصر إنما نعاملهم على أنهم عرب، وأننا أعلنا هنا بعد عدوان طائرات قاسم العراق على القرى السورية أننا نستطيع أن نرد الكيل كيلين والصاع صاعين، ولكننا لا يمكن أن نعتدى على بلد عربية؛ لأننا نؤمن بالرسالة العربية ونؤمن بالقومية العربية. وإذا كان الطلبة العراقيون فى مصر قد انقسموا، فالفضل فى هذا لقاسم العراق واللوم فى هذا على قاسم العراق، أو اختلفوا فالسبب فى هذا قاسم العراق وليست مصر وليست سوريا وليست الجمهورية العربية المتحدة، ولم يقع عليهم أى اعتداء كالعدوان الذى قام به الشيوعيون الجبناء على المدرسات المواطنات للجمهورية العربية المتحدة فى العراق، ولم يوقفهم عن هذا كونهن نساء عرب يؤمنون بالتقاليد العربية، ولكنهم اعتدوا عليهن ولم يتورعوا على أن يهدروا جميع القيم العربية، لكننا نعذرهم لإنهم ليسوا عرباً، ولأنهم لا يتحلون بالخلق العربى، ولأنهم عملاء، والعميل يستحل فى سبيل رسالته كل شىء!

أيها الإخوة المواطنون:

هذه هى رسالتنا وهذا كفاحنا، وهذا هو موقف قاسم العراق والشيوعيين فى العراق؛ إنهم يحاولون اليوم أن يبذلوا كل الجهود ليبثوا الحقد فى النفوس.. الحقد الأسود، حتى تسود الشيوعية فى العراق وحتى يسود الإرهاب وحتى تسيل الدماء، يستغلون فى هذا محاكم السب، ويستغلون فى هذا كل شىء، وهم يعتقدون أنهم قد يتمكنوا أو قد يمكنهم الشعب العربى من أن ينطلقوا من العراق.. تنطلق الشيوعية والشيوعيون العملاء حتى نقع جميعاً تحت التبعية، وحتى يقوم هلال خصيب شيوعى أحمر يخضع للتبعية ويخضع للاستعمار الجديد.

ولكن - أيها الإخوة - قد اعتمدنا على الله وعلى أنفسنا فى الماضى وانتصرنا فى جميع مراحل كفاحنا، وانتصرنا فى جميع مراحل العمل من أجل حريتنا، وخلصنا بلدنا من أن تكون مناطق للنفوذ، ومنعنا عنا حلف بغداد، ومنعنا مبدأ "أيزنهاور"، ولم نقبل أن تكون هنا فى بلدنا قاعدة عسكرية لأى دولة أجنبية كقاعدة الحبانية التى خصصت لبريطانيا، وصممنا على أن تكون سياستنا تنبع من ضميرنا وتنبع من بلادنا.

واليوم - أيها الإخوة - ونحن فى هذه المعركة من أجل حماية استقلالنا ومن أجل حماية حريتنا، ومن أجل تثبيت هذا الاستقلال إنما نعتمد أيضاً على الله وعلى أنفسنا، وإننا بهذا - أيها الإخوة المواطنون - سننتصر ونثبت أركان القومية العربية، وسنقضى على الشيوعيين العملاء والشيوعية، وسنرفع راية الوطن.. سنرفع راية العروبة. والله يوفقكم جميعاً أيها الإخوة.

والسلام عليكم ورحمه الله.