كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى المؤتمر الشعبى من ميدان الجمهورية بمناسبة احتفالات الدستور (قبل تلاوة مواد الدستور)

١٦/١/١٩٥٦

أيها المواطنون:

هذا يومكم.. من أجل هذا اليوم كافح الشعب، من أجل هذا اليوم كافح الآباء والأجداد، من أجل هذا اليوم سقط شهداؤنا، من أجل هذا اليوم قامت ثورة ٢٣ يوليو سنة ٥٢.

أيها المواطنون:

إن الدستور الذى نعلنه اليوم هو تتويج لكفاح هذا الشعب على مدى السنين والأيام.. نعم.. لقد كافح هذا الشعب سنيناً طويلة لم يسلم ولم يستسلم رغم ما قابله من صعاب. لقد كافح هذا الشعب ضد الاستبداد وضد الاستعباد وضد السيطرة وضد التحكم، لقد كافح هذا الشعب؛ لينال حقه فى الحرية والحياة، فإذا كنا نحتفل اليوم بالدستور فإنما نتوج هذا الكفاح، كفاح هذا الجيل وكفاح الأجيال الماضية، كفاح هذا الجيل وكفاح الآباء والأجداد.

أيها المواطنون:

إن الدستور الذى نعلنه اليوم هو نهاية معركة طويلة ضد السيطرة المعتدية الأجنبية وضد السيطرة المستغلة الداخلية. إن هذا الشعب كافح طويلاً ضد الاعتداء الخارجى، وضد الاستبداد الداخلى. وفى أواخر القرن الثامن عشر قام هذا الشعب يطالب بحريته ويطالب بدستوره ويطالب بحقه فى الحياة، قام هذا الشعب وطالب الأمراء المماليك بأن يشترك فى حكم الوطن وأن يشترك فى تصريف أموره، ولكنهم رفضوا، ولكن الشعب أجبر الأمراء.. أجبرهم على أن يطيعوا رغبته، وأجبرهم على أن يلبوا إرادته، ووقع الأمراء فى أواخر القرن الثامن عشر وثيقة بناءاً على رغبة الشعب وبناءاً على طلب الشعب. قالوا فى هذه الوثيقة: "إن الأمراء تابوا ورجعوا والتزموا بما شرطه الناس"، وانعقد الصلح على شروط منها أن يكفوا أتباعهم عن امتداد أيديهم إلى أموال الناس، وأن يسيروا فى الناس سيرة حسنة.

هذا - يا إخوانى - هو ما أجبر الشعب الأمراء فى أواخر القرن الثامن عشر على أن يوقعوه وعلى أن يعلنوه. ولكن الشعب اطمأن بعد أن وقعوا هذه الوثيقة.. ولكن الشعب آمن بعد أن وقعوا هذه الوثيقة إلى أنهم سيطبقوها، وإلى أنهم سيكفوا أتباعهم عن امتداد أيديهم إلى أموال الناس، وإلى أنهم سيسيروا فى الناس سيرة حسنة. ولكن هل اتبع الأمراء هذه الوثيقة؟ هل عملوا بما وقعوه؟ أبداً - يا إخوانى - لقد اطمأن الشعب وخدع الأمراء فساروا سيرتهم الأولى مرة أخرى؛ ليستبدوا بالشعب، يستبدوا بحقه فى الحياة، ويستبدوا بحريته، ويستبدوا بإرادته؛ فاستبدوا وسيطروا وتحكموا.. فهل استكان هذا الشعب؟ وهل سلم هذا الشعب؟ وهل استسلم هذا الشعب؟

لم يسلم أبداً - يا إخوانى - ولكنه كافح كفاحاً مريراً، كافح كفاحاً طويلاً؛ من أجل الحرية التى نادى بها ونادى بها آباؤه وأجداده، واستمر فى الكفاح واستمر فى النضال حتى كانت سنة ١٨٠٥ حينما كافح ضد سيطرة الوالى التركى وطالبه بأن يشترك فى حكم نفسه بنفسه، وطالبه بأن يقيم دستوراً ليدير به شئون البلاد، ولكن الوالى العثمانى قال: "إننى هنا والى بأمر السلطان ولا يمكن أن ألبى رغبة الفلاحين"؛ فاجتمع الشعب وعلماء الشعب.. اجتمعوا وقرروا عزل السلطان.. وقرروا عزل الوالى، وقال الوالى: "أنا لا يمكن أن أعزل إلا بأمر من السلطان ولا يمكن أن أعزل بأمر من الفلاحين"، ووقعوا هذه الوثيقة قالوا... كتب ممثلو الشعب وثيقة بعزل الوالى التركى، وأثبتوا حقهم الدستورى فى هذا، وكانت الوثيقة تقول: "إن للشعوب، طبقاً لما جرى العرف به ولما تقضى به أحكام الشريعة الإسلامية، الحق فى أن يقيموا الولاة، ولهم أن يعزلوهم إذا انحرفوا عن سنن العدل وساروا بالظلم؛ لأن الحكام الظالمين خارجون عن الشريعة"، وعزلوا الوالى وأقاموا محمد على.

ولى الشعب محمد على كحاكم جمهورى، ولا بأس - أيها المواطنون - ولا ملامة على الشعب إن نكث محمد على بالعهد؛ فليس هو أول من خان العهود.. ليس هو أول من خان العهود المقطوعة، لقد ولى الشعب محمد على الولاية بإرادته، ولكن محمد على استبد وطغى وصمم على أن يحكم؛ سواء أكان حكمه من إرادة الشعب أو ضد إرادة الشعب، فاستمر الشعب فى نضاله واستمر الشعب فى كفاحه؛ من أجل حقه فى الحياة، ومن أجل حقه فى الحرية.

وقام عرابى سنة ١٨٨١ وطالب الخديوى.. طالب الخديوى بأن يحقق للشعب حريته، وبأن يحقق للشعب حقه فى الحياة، قام عرابى وهو ينادى بما كان ينادى به الشعب.. يطالب بالدستور، ويطالب بحق الشعب أن يقر الضرائب وأن يقر القوانين، ولكن الخديوى رفض واستعان بقوة أجنبية فكان الاحتلال.. كان الاحتلال البريطانى. فهل استسلم الشعب؟ فهل سلم الشعب؟ إن الشعب لم يستسلم ولم يسلم ولكنه كافح بعزم وإيمان؛ لا ضد السيطرة المستغلة الداخلية فحسب، ولكن ضد العدوان الخارجى وضد السيطرة الداخلية.

واستمر الشعب رغم المآسى، ورغم العذاب، ورغم ما قاسى من ضروب الأهوال ومن ضروب المقاومة، استمر الشعب يحارب ويكافح ويناضل بصبر وعزم وإيمان؛ فقامت الثورة الكبرى سنة ١٩١٩ بعد كفاح طويل ضد العدوان الخارجى وضد السيطرة الداخلية. قامت هذه الثورة تطالب بالدستور الذى يعلن حق هذا الشعب فى الحياة وحق هذا الشعب فى الحرية، وكافح الشعب، واستشهد من أبنائه من استشهد، وسجن من سجن، وعذب من عذب، ولكن إرادة الشعب انتصرت فى سنه ٢٣ بإعلان دستور ٢٣. وأعلن دستور ٢٣ فاطمأن الشعب، وآمن الشعب بأن هذه الوثيقة التى أعطيت له منحة من الملك سترتب له الحق فى الحياة، وسترتب له الحق فى الحرية، فماذا كانت النتيجة؟

لقد نكثوا أيضاً بالعهود.. لقد نكثوا أيضاً بالوعود، ولم تغن الشعب هذه الوثيقة المكتوبة شيئاً، فاستمر يكافح أيضاً مرة أخرى، استمر يكافح كفاحاً طويلاً، فإن الدستور الذى أعلن سنة ٢٣ كان دستوراً استخدمت بواسطته كل الوسائل التى تتحكم فى هذا الشعب. دستور ٢٣ أقر الإقطاع، وأقر السيطرة، وأقر التحكم، وأقر الرشوة. إنهم اعتبروا الدستور وثيقة شرعية يثبتون بها الإقطاع، ويثبتون بها الرشوة، ويثبتون بها الفساد، ويثبتون بها الاستبداد.. يثبتون بها الاستبداد السياسى ويثبتون بها الظلم الاجتماعى. واتخذ من هذه الوثيقة أيضاً - أيها المواطنون - الاستعمار وسيلة حتى يمكن لنفسه فى هذا الوطن وفى أرض هذا الوطن، فهل انخدع المواطنون؟ إن المواطنين الذين اطمأنوا فى سنه ٢٣ للدستور والذين وثقوا فى سنة ٢٣ للدستور، اطمأنوا ولكنهم لم ينخدعوا، ولكنهم لم يسلموا ولم يستسلموا، فكافحوا كفاحاً طويلاً مريراً من أجل حقهم فى الحرية ومن أجل حقهم فى الحياة.

قامت ثورة ٢٣ يوليو لتحقق للوطن حقه فى الحرية وحقه فى الحياة، وكانت ثورة ٢٣ يوليو - أيها المواطنون - تتويج لكفاح المواطنين بنصر عظيم حتى يتولى أمره بنفسه، وحتى يمسك بزمام شأنه بيده. ولكن الوطن.. ولكن الشعب استلهم العظة من ماضيه؛ فقرر ألا يخدع كما خدع فى أيام إبراهيم بيه وفى أيام محمد على، فلم يطمئن إلى الأمراء ولم يطمئن إلى الحكام.. لم يطمئن أبداً كما اطمئن فى الماضى.. لم يطمئن أبداً ولم يثق كما اطمأن فى الماضى وكما وثق فى الماضى، ولكنه قرر أن يستمر فى كفاحه.

وأعلنت الثورة فى أول يوم من أيامها أنها تهدف إلى إقامة حياة دستورية سليمة لهذا الوطن.. لهذا الشعب؛ لينظم أمور هذا الوطن وينظم أمور هذا الشعب، ينظم عمل هذا الوطن وكفاح هذا الوطن، وعمل هذا الشعب وكفاح هذا الشعب.

أعلنت الثورة هذا الإعلان من أول يوم قامت به، وهى كانت تعتبر أن الطريقة سهلة، ولكنها قابلت طريقاً شاقة وصعبة؛ لأنها قررت ألا تخدع وقررت ألا تطمئن، فقابلت الحكام وقابلت الأمراء، واصطدمت الثورة مع الحكام واصطدمت الثورة مع الأمراء؛ لأنها كانت تتسلح بالشك ولم تستكن إلى الاطمئنان وإلى الثقة. فأعلنت الثورة فى ١٦ يناير سنة ١٩٥٣ أنها لاقت مصاعب ومشاق كثيرة من الحكام السابقين ومن الحزبيين ومن الأحزاب، وأنها حتى يمكن أن تحقق الأهداف التى قامت من أجلها لابد لها من فترة انتقال لمده ثلاث سنوات تنتهى فى ١٦ يناير سنة ١٩٥٦ - أى اليوم - وفى هذه الفترة تمهد الطريق، وتقضى على المخادعين، وتقضى على المضللين.

وأصدرت الثورة فى ١٦ يناير سنة ١٩٥٣ بياناً يقول: "لقد استمدت ثورة الجيش قوتها من إيمانه الكامل بحق جميع المواطنين فى حياة قوية شريفة، وعدل تام مطلق، وحرية كاملة شاملة؛ فى ظل دستور سليم يعبر عن رغبات الشعب، وينظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين.

ولما كان أول أهداف الثورة هو إجلاء الأجنبى عن أرض الوطن، ولما كنا آخذين الآن فى تحقيق هذا الهدف الأكبر والسير به إلى غايته مهما تكن الظروف والعقبات؛ فإننا كنا ننتظر من الأحزاب أن تقدر مصلحة الوطن العليا فتقلع عن أساليب السياسة المخربة التى أودت بكيان البلاد، وفرقت وحدتها وفرقت شملها لمصلحة نفر قليل من محترفى السياسة وأدعياء الوطنية، ولكن على العكس من ذلك، اتضح لنا أن الشهوات الشخصية والمصالح الحزبية التى أفسدت أهداف ثورة ١٩١٩ تريد أن تسعى سعيها ثانية بالتفرقة فى هذا الوقت الخطير من تاريخ الوطن".

إذن حينما قامت ثورة ١٩٥٢ لم تطمئن ولم تثق كما اطمأنت الثورات السابقة.. كما اطمأنت ثورة ١٩، وكما اطمأنت ثورة عرابى، وكما اطمأنت ثورة الشعب ضد الوالى التركى، وكما اطمأنت ثورة الشعب ضد إبراهيم بيه ومراد بيه أيام المماليك. ولكنها أخذت من الماضى عظة وعبرة وتسلحت؛ حتى تقضى على جميع الأسباب التى يمكن أن تسير بهذه الثورة إلى انحراف، فأعلنت فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات تهدم فيها.. تهدم فيها الفساد، وتهدم فيها الاستغلال، وتهدم فيها الاستبداد، وتهدم فيها الاستعباد.

واليوم - يا إخوانى - انتهت هذه الفترة.. انتهت فتره الانتقال، وحقق الوطن ما حقق، وحقق الشعب ما حقق. لقد انتصر الشعب فى هذه السنوات الثلاث.. انتصر على الرجعية، وانتصر على الإقطاع، وانتصر على الاستعمار، وانتصر على الاستبداد، وانتصر على الاستغلال، وسارت أيها المواطنون.. وسارت الثورة فى طريقها فى هذه السنوات الثلاث؛ لتحقق لهذا الوطن أساساً متيناً نظيفاً قد تخلص من الرجعية، وتخلص من الاستعمار، وتخلص من أعوان الاستعمار. سارت الثورة وهى ترسى مبادئ الإنسانية، سارت الثورة نحو هدف كبير.. نحو هدف عظيم، سارت الثورة وهى تهدف إلى إقامة مجتمع وطنى سليم تسوده الرفاهية والعدالة الاجتماعية، لا مكان لسادة ولا مكان لعبيد، كلنا أحرار فى هذا الوطن.. كلنا نشعر بالحرية، كلنا نشعر بالمساواة.

سارت الثورة.. سارت الثورة وهى لا تثق ولا تطمئن.. لا تثق فى الوثائق ولا تطمئن للعهود؛ فقد خدعنا كثيراً فى الماضى ولابد أن نأخذ من ماضينا عبرة لمستقبلنا. سارت الثورة لتحقق الأهداف التى أعلنتها.. لتحقق الأهداف التى أعلنتها فى أول يوم من أيامها، وكانت هذه الأهداف أيها الإخوة المواطنون.. هذه الأهداف هى عبارة عن آمال هذا الشعب وعن أحلام هذا الشعب، عن أحلام من استشهدوا من أبناء هذا الشعب، وعن آمال من كافحوا من أبناء هذا الشعب، عن آمال آبائنا وعن آمال أجدادنا.

قامت الثورة وهى تهدف إلى إقامة مجتمع وطنى قوى تسوده العدالة وترفرف عليه الرفاهية.. قامت الثورة وهى تعلن أهدافها حتى تحقق هذا الغرض، وأعلنت الثورة إنها تهدف أول ما تهدف إلى القضاء على الاستعمار وأعوانه من الخونة. وسارت الثورة لتحارب الاستعمار، ولكنها اصطدمت بأعوان الاستعمار، ولكنها تبينت أن أعوان الاستعمار خطر على هذا البلد، وخطر على هذا الشعب.. خطر، بل أشد خطراً من الاستعمار، فإن الاستعمار لا يمكن أن يثبت أقدامه إلا مستنداً على أعوانه من أبناء هذا الوطن، فاتجهت الثورة إلى أعوان الاستعمار؛ لتقتلعهم من جذورهم، هؤلاء الأعوان الذين باعوا بلدهم للشيطان لقاء دراهم معدودات، هؤلاء الأعوان الذين باعوا الشرف وباعوا الأمانة وباعوا الوطن وباعوا أرض الوطن لقاء الجاه والسلطان والشهوات. اتجهت الثورة نحو أعوان الاستعمار لتقضى عليهم وعلى نفوذهم، ولتعرف الشعب بهم، وحينما قضت عليهم استطاعت أن تقضى على الاستعمار، فقد ترنح الاستعمار ولم يجد بين أراضى هذا الوطن وبين أركان هذا الوطن من يسنده؛ فاستسلم الاستعمار.

واليوم - يا إخوانى - بعد ثلاث سنوات نحس جميعاً ونشعر جميعاً أننا يمكن أن نطمئن؛ فقد قضينا على أعوان الاستعمار، وقد تخلصنا نهائياً - بعون الله - من الاستعمار.

واليوم - أيها المواطنون - ونحن نبدأ مرحلة جديدة من تاريخ وطننا.. اليوم - أيها المواطنون - ونحن نبدأ مرحلة جديدة من تاريخ وطننا لن ننسى الماضى أبداً؛ بل سنأخذ من الماضى عظة وعبرة، سنتسلح بالماضى.. سنتسلح بتاريخ الماضى، لن نخدع مرة أخرى.. لن نخدع ولن نضلل مرة أخرى، ولكنا سنحمى ما حققناه، سنحمى حريتنا وسنحمى حياتنا، سنتكاتف جميعاً.. سيتكاتف جميع أبناء هذا الوطن؛ من أجل حراسة ما حققناه، لن يخدعنا الاستعمار ولن يكون هناك أبداً أعوان للاستعمار؛ لأن الشعب - أيها المواطنون - قد تولى أمره بيده.. لأن الشعب - أيها المواطنون - قد تولى سلطانه بيده؛ لأن الشعب - أيها المواطنون - أصبح اليوم هو الذى يمثل السلطة وهو الذى يمثل السلطان.

واتجهنا بعد هذا - أيها المواطنون - لنحقق الهدف الثانى وهو القضاء على الإقطاع.. القضاء على الإقطاع الذى تحكم فينا والذى تحكم فى أراضينا، والذى تحكم فى حريتنا. ولم يكن هدفنا من القضاء على الإقطاع أن نملك الناس وأن نملك الفلاحين، فإن أرض مصر لا يمكن أن تملك جميع أبنائها! ولكنا كنا نهدف إلى الحرية وإلى التحرير، حرية النفس، حرية الفرد؛ إذ لا حرية فى بلد إذا لم يكن أفرادها أحراراً، ولا يمكن أن نشعر بالحرية إذا كان أفراد هذا الوطن يشعرون بالذل ويشعرون بالاستعباد. اتجهنا إلى القضاء على الإقطاع، واستطعنا بعد معركة طويلة شاقة أن نقضى على الإقطاع، واستطاع أبناء هذا الوطن؛ جميع أبنائه.. جميع الأفراد أن يشعروا بأنهم أحرار ليسوا ملكاً لأحد، ليسوا ملكاً لإقطاعى، ليسوا ملكاً لصاحب أرض، ليسوا ملكاً لصاحب جاه، لن يهددوا فى رزقهم، لن يهددوا فى قوت يومهم، ولن يهددوا فى عيشهم.

إننا بهذا - يا إخوانى - نخلق مجتمعاً تسوده الحرية الحقيقية لا الحرية الزائفة؛ الحرية التى يشعر بها العامل فى أرضه، والعامل فى مصنعه، والموظف فى عمله، هذه هى الحرية. ولا يمكن أن نقول: إن هناك حرية وإن هناك برلمان وإن هناك دستور إذا كان الفرد لا يشعر بحريته، وإذا كان الفرد مهدد فى رزقه، وإذا كان الفرد مهدد فى عيشه، وإذا كان الفرد مهدد فى يومه، وإذا كان الفرد مهدد فى غده، لا يمكن أن نقول هذا يا إخوانى. لقد كنا نشعر بهذا وكان آباؤنا يشعرون أيضاً بهذا وكافحوا حتى يتخلصوا منه، وحينما قضينا على الإقطاع شعرنا جميعاً أن هناك ريحاً جديداً من الحرية ترفرف فوق هذا الوطن، شعر بهذا الفلاح فى أرضه، والعامل فى مصنعه، والموظف فى عمله، شعرنا جميعاً بالحرية التى تولدت عن القضاء على الإقطاع.

ثم اتجهنا إلى القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم. هذه هى أهدافنا التى كنا نشعر بها فى الماضى، وهذه هى أهدافنا التى تنبثق من آمالنا فى الماضى، وهذه هى أهدافنا التى تنبثق من أحلامنا فى الماضى، أحلام من كافحوا منا، وأحلام من استشهدوا من أبناء هذا الوطن؛ فاتجهنا إلى الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم. لقد سيطر رأس المال على الحكم فاستشرى الفساد وانتشر؛ فاستطاع رأس المال أن يشترى الحكام ويشترى الوزراء ويشترى العهود جميعاً، ولم يكن الوزراء والحكام إلا موظفين عند رأس المال؛ فاتجهنا للقضاء على هذه السيطرة، وقلنا لرأس المال: إنك حر فى هذا الوطن على ألا يكون هناك فساد، إنك حر فى هذا الوطن على ألا تشترى الحكام، إنك حر فى هذا الوطن على ألا تسيطر على الحكم؛ فاستطعنا - يا إخوانى - فى خلال هذه السنوات الثلاث أن نقضى على الاحتكار، وأن نقضى على سيطرة رأس المال على الحكم، وأن نقيم حكماً نظيفاً ينبثق من ضمير هذا الشعب، وينبثق من نفسية هذا الشعب، وينبثق من آمال هذا الشعب. كانت هذه هى أهداف ثورة ٢٣ يوليو، لم نطمئن ولم نثق ولم ننخدع كما انخدعنا فى الماضى.

واليوم - يا إخوانى - وأنا أتحدث إليكم بعد مرور السنوات الثلاث، وبعد انتهاء فترة الانتقال أقول لكم وأقول معكم: إننا سنكافح دائماً من أجل حقنا فى الحرية، وسنكافح دائماً من أجل حقنا فى الحياة.

واستمرت الثورة لتحقيق أهدافها الكبرى التى قامت من أجلها، وأعلنت الثورة أنها ستعمل على إقامة عدالة اجتماعية، وحتى يمكن أن نقيم عدالة اجتماعية بين أرض هذا الوطن لابد أن نعمل ولابد أن ننشىء، ولابد أن نشيد، ولابد أن نبنى، ولابد أن نقيم المصانع، ولابد أن نقيم الأعمال الكبرى؛ حتى تكون هناك فعلاً عدالة اجتماعية. واتجه الوطن جميعاً وأبناء الوطن جميعاً إلى العمل، كل مطمئن إلى نفسه، وكل مطمئن إلى وقته، وكل مطمئن إلى وطنه، لا رشوة ولا فساد ولكنا نعمل جميعاً.. نعمل جميعاً من أجل زيادة الإنتاج؛ حتى يمكن أن نقيم عدالة اجتماعية. فلا يمكن أن نقيم عدالة اجتماعية بالكسل، ولا يمكن أن نقيم عدالة اجتماعية بالتراخى، ولكنا يمكن أن نقيم عدالة اجتماعية بالعمل، والعمل وحده والجد. فاستطعنا - يا إخوانى - فى هذه السنوات الثلاث أن نرسى فقط مبادئ العدالة الاجتماعية، فإن أمامنا شوط طويل، وإن أمامنا عمل شاق كبير.

وأعلنت الثورة أيضاً إنها ستعمل على إقامة جيش وطنى قوى، ووفت - يا إخوانى - الثورة بوعدها، وأصبح الجيش.. هذا الجيش الذى كنت بين أفراده والذى كنت بين صفوفه، وكنت أشعر أنه ليس جيش الوطن ولكنه دائماً على الوطن، وكنت أتمنى اليوم الذى أرى فيه هذا الجيش للوطن وللشعب. وأنا سعيد اليوم - يا إخوانى - وأنا بينكم، وأنا سعيد حينما أشعر أن هذا الجيش أصبح جيش وطنى قوى لكم أنتم ولأبنائكم، لا للرجعيين ولا للمستبدين ولا للمخادعين. هذا الجيش الذى قام فى ٢٣ يوليو يحمل الرسالة ويؤدى الأمانة ويشعر أن عليه واجباً كبيراً.. واجباً عظيماً؛ من أجل إخوانه فى هذا الوطن.. من أجل إخوانه فى مصر. هذا الجيش الذى قام يوم ٢٣ يوليو ليعبر عن آمالكم ويعبر عن آلامكم، هذا الجيش الذى كان الحكام يعتقدون أنه أداة طيعة فى أيديهم ضدكم أنتم، وضد أهدافكم وضد آمالكم، وضد حقكم فى الحرية وضد حقكم فى الحياة، هذا الجيش قام فى ٢٣ يوليو ليغتصب للشعب حقه فى الحرية وحقه فى الحياة. وبهذا - أيها المواطنون - فأنا سعيد اليوم حينما أقول لكم: إننى أشعر بالاطمئنان، حينما أقول لكم: إن لكم اليوم جيش وطنى قوى يحمى حقكم فى الحرية، ويحمى حقكم فى الحياة.

لقد قام هذا الجيش - أيها المواطنون - بجميع ضباطه وجميع جنوده.. بجميع أفراده فى ٢٣ يوليو ليغتصب هذا الحق، ويغتصب حقنا فى الحرية ويغتصب حقنا فى الحياة. ولكنه بعد هذا آثر.. آثر من كل نفسه وآثر من ضميره وآثر من قلبه أن يعود إلى عمله الأصلى.. أن يعود إلى واجبه الرئيسى؛ وهو الدفاع عن هذا الوطن وعن أبناء هذا الوطن.

وإن جيشكم الوطنى القوى - أيها المواطنون - يوجد الآن على الحدود وهم يستمعون إلينا، وأشعر أنهم يشعرون بالسعادة ويشعرون بالعزة الآن وهم يستمعون إلى، يشعر الآن بالعزة ويشعر الآن بالسعادة وهو يرى أن الأهداف التى قام من أجلها فى ٢٣ يوليو قد تحققت، هذا الجيش الذى قام ليكتسب لنا حقنا فى الحرية وليعيد لنا حقنا فى الحياة يقف الآن على حدودنا؛ ليدافع عنا وليدافع أيضاً عن حقنا فى الحرية، وليدافع أيضاً عن حقنا فى الحياة ضد العدوان الخارجى، ضد العدوان الصهيونى. هذا الجيش الوطنى القوى كان هدف من أهدافنا فى ٢٣ يوليو، وكان هدف من أهدافنا قبل ٢٣ يوليو.

واتجهنا بعد هذا - أيها المواطنون - لنحقق هدفاً آخر؛ وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة، فقد كنا نؤمن بهذا، وقد أعلنت الثورة - كما قلت لكم - فى أول بيان لها أنها تهدف إلى إقامة حياة ديمقراطية.. حياة ديمقراطية سليمة، وليست كديمقراطية دستور ٢٣، وليست كديمقراطية إبراهيم بيه ومراد بيه، وليست كديمقراطية محمد على، ولكنها حياة ديمقراطية تستمد إرادتها من إرادتكم وتستمد وجودها من وجودكم، حياة ديمقراطية لا تحكم فيها الأقلية باسم الأغلبية ولا تحكم فيها الأقلية لتخدع الأغلبية، ولا يتحكم فيها الاستغلال، ولا يتحكم فيها الاستبداد. وكافحنا وعملنا من أجل إقامة هذه الحياة الديمقراطية، وقابلتنا صعاب كبرى وقابلتنا مشاكل عظمى فجابهناها، جابهناها بقوة وجابهناها بعزم؛ لأننا كنا نؤمن بحقنا فى الحياة، وكنا نؤمن بحقنا فى الحرية. وكنا نستلهم من الماضى عظة وعبرة وقلنا لن نخدع أبداً، ولن نثق ولن ننخدع أبداً بالوثائق والعهود، لن ننخدع بهذا كله كما انخدعنا فى الماضى. واستطعنا فى هذه السنين الثلاث أن نهدم كل آثار الرجعية تقريباً، وأن نهدم كل آثار الاستغلال تقريباً، وأن نهدم كل آثار الاستبداد. واليوم - يا إخوانى - ونحن نجتمع فى هذا المكان احتفالاً بانتهاء فترة الانتقال وإعلان الدستور الجديد، نشعر أننا حققنا مرحلة كبيرة من مرحلة الكفاح فى سبيل إقامة الحياة الديمقراطية السليمة.

أيها المواطنون:

إننا إذا أخذنا من التاريخ عبرة نشعر.. نشعر أن موقع بلادنا دائماً سبباً رئيسياً وعاملاً أساسياً من عوامل العدوان الخارجى. إننا نشعر بأهمية موقعنا، وإننا نشعر بخطورة موقعنا.. إننا نشعر بأهمية المكان الذى خلقنا فيه فى ملتقى البحار والقارات، ولهذا فإننا حينما نتجه إلى الماضى وحينما نتجه إلى دروس الماضى؛ نجد أننا يجب أن نتقوى، ويجب أن يكون لنا من قوتنا ما يحمينا ضد العدوان الخارجى، كما يجب أن تكون لنا من عزيمتنا ما يحمينا ضد الاستبداد وضد الاستغلال الداخلى. ولهذا - يا إخوانى - فإننا نشعر أيضاً أننا عضو فى الكيان العربى الكبير، إن هذا الشعب يشعر بوجوده متفاعلاً فى الكيان العربى الكبير، ويشعر أيضاً أن ما يحيق بأى بلد عربى لابد وأن يؤثر علينا. لقد أرادوا فى الماضى أن يفرقونا، وأرادوا فى الماضى أن يقطعوا أوصالنا، وأرادوا فى الماضى أن يدسوا بيننا قوميات أخرى، ولكنا اليوم قد تنبهنا، ولكنا اليوم سنأخذ من الماضى عظة وعبرة.

لقد انتهت الحرب العالمية الأولى، فماذا كانت النتيجة؟ لقد قسم العرب وقطعت أوصالهم ووزعوا كغنائم وأسلاب، ولكن العرب كافحوا وكانوا يتفاعلون فى كفاحهم، وكانت مصر تتفاعل مع العروبة جميعاً؛ من أجل تحقيق الحرية بين ربوع العالم العربى جميعاً. ولهذا - يا إخوانى - فنحن اليوم حينما نعلن أننا نتفاعل مع الشعوب العربية ونعلن أننا جزء من الكيان العربى؛ نعلن هذا من أجل مصلحتنا ومن أجل مصلحة العالم العربى كله.

لقد حاولوا أن يخدعونا وحاولوا أن يضللونا، وكانوا يقولون لنا: ما لكم وللعرب؟! ولكنا اليوم وقد تنبهنا لن نخدع أبداً. إن الكيان العربى يمتد من المحيط الأطلسى إلى الخليج الفارسى، كلنا شعب واحد.. شعب عربى واحد، نكافح جميعاً متحدين متكاتفين من أجل حقنا فى الحرية ومن أجل حقنا فى الحياة، نكافح جميعاً ضد الاستعمار وضد أعوان الاستعمار. لن تقطع أوصالنا مرة أخرى كما قطعت بعد الحرب العالمية الأولى.. لن تقطع أوصالنا مرة أخرى.

وبعد الحرب العالمية الثانية - أيها الإخوان - ماذا تم وماذا حدث؟ لقد اغتصبت قطعة من قلب العروبة، من قلب بلادنا؛ لأننا خدعنا ولأننا تفرقنا. واليوم - أيها المواطنون - نحن نعلن عروبتنا الحقيقية، ونعلن تماسكنا مع العرب جميعاً؛ حتى لا يتكرر ما مضى وحتى لا يتكرر ما فات. لقد ضاعت قطعة من أرضنا، لقد محيت قومية العروبة من فلسطين؛ لأننا انخدعنا ولأننا تبعنا الاستعمار وتبعنا أعوان الاستعمار، وكانوا يقولون هنا فى مصر: مالكم وللعرب؟! وكانوا يقولون للبلاد الأخرى: ما لكم وما لمصر؟! ولكنا اليوم بعد أن تنبهنا وبعد أن انتصرنا فى ثورتنا التى انبثقت من شعورنا، نعلن أننا نتكاتف مع العرب جميعاً من المحيط الأطلسى إلى الخليج الفارسى؛ من أجل الحرية، ومن أجل الاستقلال، ومن أجل الحق فى الحياة.

وهذا - يا إخوانى - هدف رئيسى من أهدافنا يمليه علينا مكاننا، هذا المكان الذى كان دائماً سبباً لتهديدنا، والذى كان دائماً سبباً لغزونا، والذى كان دائماً سبباً للعدوان الخارجى علينا. نعلن هذا، ونعلن أننا نتضامن جميعاً من أجل الدفاع عن حريتنا، ونتضامن جميعاً من أجل الدفاع عن استقلالنا، ونتضامن جميعاً من أجل الدفاع عن حقنا فى الحياة.

أيها المواطنون:

اليوم ونحن نعلن هذا الدستور - نحن الشعب.. شعب مصر - أحب أن أقول لكم: إن الدستور كان يعتبر فى الماضى خاتمة للكفاح، فماذا كانت النتيجة؟ كانت وبالاً على الشعب، كانت النتيجة خداعاً للشعب وتضليلاً للشعب، وكانت النتيجة استبداد وتحكم، واستعباد واستغلال، وسيطرة وانتهاز للفرص من فئة قليلة من الناس. ولكنا اليوم نعلن أن الدستور الذى يعلن اليوم هو بداية الكفاح، ولم تكن فترة الانتقال فى السنين الثلاث الماضية إلا تمهيداً لهذا الكفاح. لم تكن فترة الانتقال فى السنين الثلاث الماضية إلا حرباً مع الرجعية، وحرباً مع المستغلين، وحرباً مع المريدين للسلطة والجاه والسلطان. كانت فترة السنين الثلاث الماضية فترة هدم وفترة تصفية للرجعية وللاستعمار ولأعوان الاستعمار. ولكنا اليوم نعلن أن هذا الدستور هو بداية الكفاح من أجل العمل والبناء، إن الدستور لم يكن هدفنا ولكن الدستور يرسم الطريق إلى غرضنا الأكبر. إن الدستور هو تعبئة كاملة لأبناء هذا الشعب، إن الدستور الذى نعلنه اليوم لا وثيقة تنسى ولا وثيقة للخداع ولا وثيقة للتضليل؛ لأننا نعلنه نحن الشعب، لا يعلنه فرد من الأفراد ولا سلطان ولا صاحب سلطة، إن الدستور الذى نعلنه اليوم يبين خطة الكفاح لا نهاية الكفاح، إن الدستور الذى نعلنه اليوم يبين وسيلة الكفاح ويرسم وسيلة الكفاح.

أيها المواطنون:

إن الثورة الحقيقية تبدأ اليوم.. ثورة من أجل العمل، ثورة من أجل البناء، ثورة يمارسها الشعب، ثورة يحرسها الشعب.. تحرسونها أنتم جميعاً، ويحرسها أولادكم من بعدكم، ويحرسها أحفادكم. إن الدستور الذى نعلنه اليوم يجمع الوطن جميعاً، كلنا سنكون مجلس الثورة الأكبر.. كلنا سنكون مجلس الثورة الأعلى.. كل هذا الشعب.. كل أبناء هذا الشعب سيكونون مجلس الثورة. هذا الدستور - أيها المواطنون - هو دستور الشعب الذى سيحرسه الشعب وسيمارسه الشعب. هذا الدستور - أيها المواطنون - يمثل الثورة الحقيقية.. ثورة الإنشاء، ثورة البناء، ثورة التعمير؛ لأنه دستور الشعب.

اليوم - أيها المواطنون - تعلو سيادة الشعب لا سيادة الأمراء ولا سيادة الحكام، اليوم - أيها المواطنون - تنتصر سيادة الشعب، اليوم - أيها المواطنون - تتحقق أحلام الآباء والأجداد، اليوم - أيها المواطنون - تعلو سيادة الشعب.. هذا الشعب الذى سيباشر هذه السيادة لا ليلهو كما كان يلهو الحكام، ولا ليلعب كما كان يلعب الحكام، ولا ليقامر كما كان يقامر الحكام، ولا ليستبد كما كان يستبد الحكام؛ ولكن تعلو سيادة الشعب ليسير قدماً إلى الأمام متحرراً من الذل، متحرراً من الخوف، ترتفع بين أرجائه أعلام الحرية، وأعلام العزة، وأعلام العدالة، وأعلام الكرامة، وأعلام المساواة.

اليوم - أيها المواطنون - ترتفع سيادة الشعب؛ ليحكم الشعب بأمر الله وبروح الله؛ ليعمل الشعب وليبنى وينشىء ويعمر؛ من أجل تحقيق الهدف الأكبر وهو إقامة عدالة اجتماعية وبناء مجتمع تسود فيه الرفاهية والمساواة بين الناس. وفقكم الله جميعاً إلى ما فيه الخير.  

والسلام عليكم ورحمة الله.

(ثم قام الرئيس جمال عبد الناصر بعد ذلك بإعلان الدستور)

أيها المواطنون:

دستور الجمهورية المصرية...

مقدمة الدستور:

 "نحن الشعب المصرى الذى انتزع حقه فى الحرية والحياة بعد معركة متصلة ضد السيطرة المعتدية من الخارج، والسيطرة المستغلة من الداخل. نحن الشعب المصرى الذى تولى أمره بنفسه، وأمسك زمام شأنه بيده، وذاق النصر العظيم الذى حققه بثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢؛ فتوج به كفاحه على مدى التاريخ. نحن الشعب المصرى الذى استلهم العظة من ماضيه، واستمد العزم من حاضره؛ فرسم معالم الطريق إلى مستقبل متحرر من الخوف، متحرر من الحاجة، متحرر من الذل، يبنى فيه بعمله الإيجابى وبكل طاقته وإمكانياته مجتمعاً تسوده الرفاهية، ويتم له فى ظلاله القضاء على الاستعمار وأعوانه، والقضاء على الإقطاع، والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة جيش وطنى قوى، وإقامة عدالة اجتماعية، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة.

نحن الشعب المصرى الذى يؤمن بأن لكل فرد حقاً فى غده، ولكل فرد حقاً فى عقيدته، ولكل فرد حقاً فى فكرته، حقوقاً لا سلطان عليها أبداً لغير العقل والضمير. نحن الشعب المصرى الذى يقدس الكرامة والعدالة والمساواة باعتبارها جذوراً أصيلة للحرية والسلام. نحن الشعب المصرى الذى يشعر بوجوده متفاعلاً فى الكيان العربى الكبير ويقدر مسئولياته والتزاماته حيال النضال العربى المشترك؛ لعزة الأمة العربية ومجدها. نحن الشعب المصرى الذى يعرف مكانه على ملتقى القارات والبحار من هذا العالم، ويقدر تبعات رسالته التاريخية فى بناء الحضارة، ويؤمن بالإنسانية كلها، ويوقن أن الرخاء لا يتجزأ وأن السلام لا يتجزأ.

نحن الشعب المصرى بحق هذا كله، من أجل هذا كله؛ نرسى هذه القواعد والأسس دستوراً ينظم جهادنا ويصونه، ونعلن اليوم هذا الدستور، تنبثق أحكامه من صميم كفاحنا ومن خلاصة تجاربنا، ومن المعانى المقدسة التى هتفت بها جموعنا، ومن القيم الخالدة التى سقط دفاعاً عنها شهداؤنا، ومن أحلام المعارك التى خاضها آباؤنا وأجدادنا جيلاً بعد جيل، من حلاوة النصر ومن مرارة الهزيمة.

نحن الشعب المصرى، وبعون الله وتوفيقه وهداه، نملى هذا الدستور ونقرره ونعلنه بمشيئتنا وإرادتنا وعزمنا الأكيد، ونكفل له القوة والمهابة والاحترام".