حديث الرئيس جمال عبد الناصر

إلى جريدة "نيويورك تايمز" عن صفقة الأسلحة التشيكية

٦/١٠/١٩٥٥

- سؤال: متى أخطرتم واشنطن بنيتكم فى شراء أسلحة من روسيا؟

* الرئيس: إننى أخطرت واشنطن فى شهر يوليو بأننى سأشترى أسلحة من روسيا إذا لم تزودنى أمريكا بالأسلحة، ولكنهم لم يكترثوا لذلك؛ إذ اعتقدوا أنها مجرد مناورة، ولكنى لم أكن أناور. ولقد كنت أحتاج إلى الأسلحة، ولم يكن أمامى حل سوى أن أسلح بلادى من أى مكان.

- سؤال: ما هو سبب حاجتكم الملحة للأسلحة؟

* الرئيس: إن حاجة مصر الملحة للأسلحة لا تعود إلى تفوق إسرائيل فى العتاد الحربى على مصر، ولكن لأن هذا التفوق سيزداد بسرعة فى السنة القادمة.

إن لى مصادر معلومات فى باريس وأثينا وروما وبروكسل، وأنا أعلم أن إسرائيل قد تعاقدت على استلام أسلحة فى العشرة أشهر القادمة، وأنا لا أفكر فى جيش إسرائيل اليوم، ولكن أفكر فيما سيكون فى الغد، فمثلاً تستلم إسرائيل الآن ١٠٠ دبابة خفيفة، وقد كانت فرنسا قد وعدت أن تبيع لنا هذه الكمية ولكنها أوقفت الشحن، وهناك ما هو أسوأ من هذا، هو أن الشحنة التى كانت مخصصة لنا تتجه الآن نحو إسرائيل. إننى قد بحثت عن طائرات تماثل النفاثات الأمريكية المزودة بمدافع عيار ١٥٠ مليمتراً، ودبابات تستطيع الوقوف أمام الوحدات الإسرائيلية المصفحة.

والآن نستطيع أن نقابل النفاثات الإسرائيلية بطائرات "ميج"، وأظن هذا أفضل من مقابلة الطائرات الفرنسية المبيعة لإسرائيل بلا شىء.

- سؤال: هل كانت مصر ستهاجم إسرائيل إذا بدا لها أن النصر لها على إسرائيل مؤكد؟

* الرئيس: إن الحرب ليست أمراً يبت فيه بسهولة، وإن العرب يطالبون أن تعطى لهم حقوقهم الطبيعية فى الحياة، وكذا تنفيذ القرارات التى أصدرتها الأمم المتحدة. نحن لا نهاجم أحداً، ولكن الهجمات تأتى من الجانب الآخر. لقد قلت مراراً إنى أريد أن أبنى بلادى، ولكنى مضطر إلى أن أولى مسئوليات الدفاع اهتماماً كبيراً، وكان الوضع عكس هذا قبل أن يقوم "بن جوريون" بهجومه يوم ٢٨ فبراير الماضى؛ لأننا لن نستطيع أن ندافع عن مصر بالمستشفيات والمدارس والمصالح، وما فائدة هذه المؤسسات إذا دمرت بطائرات إسرائيل؟! لم يكن على الحدود فى السنة الماضية سوى وحدات خفيفة؛ لأن إسرائيل وقتئذ لم تكن قد أعدت جيشها بعد، وكنت أعتقد أن السلام قد انتهى بعد ٢٨ فبراير الماضى.

- سؤال: وماذا عن خليج العقبة؟

* الرئيس: إن نشوب حرب من جراء النزاع حول الحصار الذى تفرضه مصر على خليج العقبة أمر يتوقف على إسرائيل نفسها. إن مصر بوصفها عضواً فى جامعة الدول العربية تقوم بفرض هذا الحصار، وتمضى فى مقاطعة إسرائيل مادام ذلك ممكناً من الناحية القانونية. وعلى أية حال فإن من حق مصر الشرعى أن تشرف على الملاحة فى المياه المصرية الإقليمية فى خليج العقبة.

- سؤال: هل ستسمح مصر بعرض هذا النزاع على محكمة العدل الدولية للفصل فيه؟

* الرئيس: إن هذا الموضوع يحتاج إلى شىء من التفكير، وعلى أية حال فإن الموضوع لم يثر حتى الآن، وأظن أننا سنتخذ قراراً فى هذا الشأن عندما يثار. وفيما عدا ذلك، فإن موقف إسرائيل من العرب كان يتسم بطابع العدوان، أما ما يسميه اليهود عمليات الأخذ بالثأر، فهى عمليات كان يضع خططها مجلس وزراء إسرائيل. لقد فرح "بن جوريون" لأنهم قتلوا ٣٩ من رجالنا فى حادث الاعتداء الإسرائيلى على غزة، وإنى أُعرفه أن الحادث لم يثر الخوف فى نفوس المصريين، بل إنه فقط دق ناقوس الخطر.

- سؤال: هل تتوقع سيادتكم أن تقوم إسرائيل بشن حرب وقائية كنتيجة لحصول مصر على أسلحة من تشيكوسلوفاكيا؟

* الرئيس: إن الاتفاقية التى عقدتها مصر مع تشيكوسلوفاكيا ستجعل إسرائيل تفكر كثيراً قبل أن تقدم على عمل عدوانى. وإننى كنت أتوقع هجوماً من جانب إسرائيل من ٢٨ فبراير الماضى، ولكن خطر هذا الهجوم قد تناقص كثيراً بعد أن عاد ميزان التسلح بعد اتفاقية الأسلحة بين مصر وتشيكوسلوفاكيا.

- سؤال: هل هناك تعارض بين شراء مصر للأسلحة من تشيكوسلوفاكيا والتزامات مصر بموجب اتفاقية الجلاء؟

* الرئيس: إنه ليس ثمة تعارض بين شراء مصر أسلحة من تشيكوسلوفاكيا والتزامات مصر التى تمليها اتفاقية الجلاء مع بريطانيا.

- سؤال: هل تتوقعون حضور خبراء مع شحنات الأسلحة التى ستشترى من دول هذه الكتلة؟

* الرئيس: لا أظن أننا سنحتاج إلى إحضار خبراء أجانب؛ فإن لدينا من بين المواطنين المصريين مجموعة من أكبر الخبراء الفنيين. إن المهندسين والفنيين المصريين لم يكن لديهم فى مصانع الطائرات المصرية سوى كتب إيضاحية باللغات الأجنبية للاستعانة بها فى تركيب الطائرات المقاتلة، وذلك أيضاً على الرغم من أن جسم الطائرة كان يستورد من بلد، ومحركها من بلد آخر. لقد أصبح لدينا الآن مجموعة ممتازة من مراكز التدريب الفنى فى مصر.

- سؤال: هل ستحصل مصر على الأسلحة من الشرق أو من الغرب؟

* الرئيس: لقد حاولنا خلال ثلاث سنوات أن نحصل على الأسلحة من المصدر الذى اعتدنا أن نتعامل معه؛ وهو الغرب، ولكننا أخفقنا؛ لأنه كان هناك نوع من الاحتكار، لقد ظنت الدول الغربية أنها تستطيع أن تعطينا أو لا تعطينا، ومن النوع الذى تشاء هى؛ لأنها كانت تعتقد أنها السوق الوحيد أمامنا، وكان نفوذ إسرائيل فى هذه الدول، لاسيما فرنسا؛ كان سبباً لأن يزداد الموقف سوءاً.

وانتظرنا ثلاث سنوات، وحاولنا أكثر من مرة، وكان هناك سباق يجرى للتسليح، ولكنه سباق من جانب واحد، كانت إسرائيل تعدو، ونحن واقفون فى مكاننا، ولهذا لم يكن أمامنا مجال كبير للاختيار بين الغرب والشرق، فاضطررنا أن نشترى السلاح من دول الشرق؛ لأنه لم يكن أمامنا حل آخر.

والآن تعاقدت الصين معنا على شراء ما قيمته عشرة ملايين من الجنيهات من فائض محصول القطن، وهى تدفع ٨٠% من قيمة المشتريات بالدولار، و٢٠% تبدل بالصلب والسلع الأخرى، وهكذا بيع ما يقرب من ٢٠% من فائض محصولنا من القطن للكتلة الشرقية.

(وقد قام الرئيس بترجمة أجزاء من صحف الولايات المتحدة، إحداها "الهيرالد تربيون" تقول:" بأن إسرائيل تستطيع أن تهزم العرب ما لم يتسلموا أسلحة من الكتلة السوفيتية").

وهكذا لم تثر ضجة عن مزايا إسرائيل الحربية عندما نشر ذلك، ولكننا عندما أخذنا بنصيحة "الهيرالد تربيون" لإعادة التوازن فى الأسلحة، حدثت ضجة ضخمة ضدنا فى الولايات المتحدة. إن العرب يعتقدون أن الولايات المتحدة والغرب يرغبون فى أن يروا إسرائيل أقوى من العرب مجتمعين، إن ذلك الاعتقاد أثار الكثيرين من العرب ضدهم، وهكذا أصبحت العلاقات بين العرب والولايات المتحدة والغرب فى أزمة شديدة، وإن إعادة العلاقات إلى مجاريها فى يد الولايات المتحدة تماماً. إن العرب راغبون - صادقو الرغبة - فى الإبقاء على علاقات المودة مع الولايات المتحدة، ولكنهم ينتظرون أن يعاملوا نفس المعاملة التى تحظى بها إسرائيل.