الجلسة الثامنة 

 

للّجنة المركزية

للاتحاد الاشتراكى العربى

 

 

( الأربعاء 7 رمضان سنة 1388هـ ، الموافق 27 من نوفمبر سنة 1968م ) 

 
 
 
بسم الله الرحمن الرحيم

 

الاتحاد الاشتراكى العربى

اللجنة المركزية

 

محضر الجلسة الثامنة

 

     اجتمعت اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العـربى، برئاسة السيد الرئيس جمـال عبد الناصر، وحضور السادة أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، وذلك فى الساعة السابعة والنصف من مساء يوم الأربعاء 7 رمضان سنة 1388هـ ، الموافق 27 من نوفمبر سنة 1968 .

     حضر السادة الأعضاء ، عدا :

 

     من السادة الأعضاء الأصليين :

     1 - إبراهيم محمد عبد الله الخولى                   2 - حسن عبــاس زكــى

     3 - عبـاس محمـود إبـراهيم                   4 - عبد اللطيف مليجى بلطيـة

     5 - د.عـزيــز صــدقى                    6 - محمــد عنـانى إسماعيـل

 

     من السادة الاحتياطيين :

     1 - م. أمـين حلمى كامـل                     2 - د. محمد عبد الوهاب شكرى

 

السيد / الرئيس :

     كل عام وأنتم بخير .. جدول الأعمال .. افتتاح الجلسة والموقف السياسى العام .

     الحقيقة المقصود الموقف السياسى العام هو بحث الأحداث اللى جرت أخيراً ومناقشتها، والوصول إلى ما يمكن أن يُتَّبَعْ حتى تتماسك فعلاً الجبهة الداخلية وجميع قوى الشعب ، لنحقق هدفنا

 

 

 

الأساسى وهو إزالة آثار العدوان .

     ملخص هذه المواضيع يمكن اطَّلعتم عليه فى الصحف، وأنا مش عايز اتكلم عن الموضوعات كلها، باترك التعليق للآخِر. ولكن موجود هنا - فى هـذه القاعة الإخوان اللى عاصروا هذه الأمور .. وأنـا اللى بِدِّى اقوله كلمة قصيرة. من أوائل هذه السنة وبعد أحداث الطلبة اللى حصلت فى شهر فبراير الماضى، مااعتقلناش حد خالص إلاّ ثلاثة أفراد بحكم قانون الطوارئ بعد كده لم نعتقل، بالعكس .. أنا قلت فى المؤتمر القومى إن فاضل من المعتقلين 800 من الإخوان، واعتقد ان   احنا أفرجنا من الـ 800 دول عن حوالى 400. فاحنا كنا بنفرج .. وماكناش بنعتقل، وكان الرأى دائماً ان احنا نحاول أن نحل الأمور ونعالجها بالطرق السياسية، وليس بالوسائل الإدارية .

     أنا حبيت أقول هذه النقطة برضه ..  علشان كلنا نكون على بينة من الأمور اللى حصلت طوال هذه السنة. احنا كنا اعتقلنا عدد من الطلبة .. ثم أفرجنا عنهم بعد خطابى فى حلوان .. كانوا حوالى 70 طالب. بعد كده - الحقيقة - اعتقلنا ثلاثة .. هؤلاء الثلاثة كانوا محرضين للطلبة على القيام بأعمال شغب، ولهم اتجاهات معينة، بعد كده مااعتقلناش أى حد خالص .

     طبعاً حصل فى العمليات الأخيرة - بالنسبة للمنصورة .. وبالنسبة للإسكندرية - إن فيه ناس أعتُقِلوا، ولكن لم يصدر أمر اعتقال، بل قُبض عليهم وقُدّموا للنيابة، وأنا مامضيتش أى أمر اعتقال لغاية دلوقت . الحقيقة احنا فكّرنا فى هذا الموضوع.. وبحثنا هذا الموضوع فى اللجنة التنفيذية العليا .. وبحثنا الإجراءات التى يجب أن نتخذها فى هذا الوقت، ووجدنا أيضاً من الضرورى إن احنا نطلب عقد جلسة طارئة للمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى، حيث يوجد تحالف قوى الشعب العاملة كلها.. ويوجد 1700 ممثل ومندوب، ونتكلم فى المواضيع، ونحط الحقائق كلها قدام كل الناس، علشان كل الأمور تكون واضحة، وكل إنسان يكون على بَيِّنة. ثم بعد هذا بنتخذ ما يمكن أن نصـل إليه من إجراءات، حتى نستطيع ان احنا مـانْعِيشِّ على قنابل موقوتة.. ولا قنابل زمنية، وحتى نستطيع ان احنا نقضى على آثار العدوان .

     النقطة الأساسية أيضاً : إن أعداءنا قاعدين، ولا فيه أى حل سلمى .. الحقيقة لغاية دلوقت مافيش حل سِلْمى أبداً، بل فيه تعنت .. فيـه انتظار، وأنا قلت لكم هذا الكلام هنا قبل كده .. فيه   انتظار أحداث داخلية ، والواحد من أول السنة الدراسية ومن قبلها  .. وأيضاً فيه كلام قلته هنا .. الجـرايـد فى انجلترا وفى أمـريكا.. والجرايـد المعاديـة فى بيروت، عمّـالة تقـول حيحصل .. 

 

 

 

 

وحيحصل . طبعاً اللى حصل ده، إذا حصل ثانى - مرة أخرى فى المستقبل - بيعقد لنا كل المسائل . الحقيقة ان أعداءنا بيجدونا ملخومين فى أمورنا الداخلية .

     أولاً : أنا بادِّى الكلمة للدكتور حلمى مـراد .. اتفضّل. أنا الحقيقة برضه علشان الإخوان يبقوا متابعين الأمور .. وأنا عايز أدِّى الكلمة للوزراء اللى اشتركوا فى المسئولية، ولأمناء الاتحاد الاشتراكى فى المحافظات، بحيث نسمع صورة كاملة عن كل الموضوع وتطوراته . وبما أن الموضوع ابتدأ بقوانين التربية والتعليم، فعلى هذا لازم نبتدى بالدكتور حلمى مراد .

 

الدكتور / محمد حلمى مراد :

     السيد الرئيس .. السادة أعضاء اللجنة التنفيذية العليا .. إخوانى وزملائى أعضاء اللجنة المركزية،  عندما كُلِّفت بمهمة وزارة التربية والتعليم ، قبلت هذا التكليف باعتباره رسالة وطنية، يجب أن تؤدى فى هذا الوقت العصيب، وإنها رسالة يجب أن أؤديها لإصلاح التعليم - كما شرح لى ذلك السيد الرئيس فى اليوم الأول لتكليفى بالاشتراك فى الوزارة - وقد عزمت وعقدت النية على أن أبذل قصارى جهدى فى سبيل إصلاح نظم التعليم .. وتطوير مناهج الدراسـة .. وإعطاء الفاعلية والجدية للتدريس والتحصيل، حتى نضمن أن يحقق التعليم الآمال المنشودة .. وآمال الشعب المعقودة عليه .

     والواقع أن صلاح حال هـذا الوطن يجب أن يبدأ من قطاع التربية والتعليم ، هذا القطاع الذى يُرَبىِّ ويُعَلِّم ويُكَوِّن الأجيال المتلاحقة منذ نشأتها، باعتبارها مادة قابلة للتشكيل، منذ مرحلة التعليم الابتدائى، حتى تتخرج وتمارس عملها فى الحياة العملية .

     ولقد بذلت وزملائى - فى وزارة التربيـة والتعليم الجهود المضنية للكشف عن العيوب والمآخذ التى يوجهها المواطنون إلى نظم التعليم، والتى نلمسها جميعاً باعتبارنا أولياء أمور .. وباعتبارنا معنيين بشئون هـذا الوطن ، وجمعنا هـذه العيوب، ووضعنا وسائل العلاج لها، وضمنَّاها مشروعات قوانين، وطرحناها للمناقشة العامة .

     وقد طُرحت مبادئ هذا الإصلاح فى الصحف - على أوسع نطاق - ونوقشت فى شتى المجالات. وقد عقدنا لجاناً مختلفة ضمت جميع الأطراف المعنية، فكانت هذه اللجان تضم رجال الجامعات والمعاهد العليا، وممثلى الاتحاد الاشتراكى، وأعضاء لجنة التعليم بمجلس الأمة، ورجال الصحافة والإعلام، وممثلى الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية .

    

 

 

 

     وقد حدث لأول مرة فى تاريخ مصر، أن مُثِّل الطلبة فى لجـان عـليا تضم أعلى المستويات، لمناقشة مثل هذا الموضوع الخطير .. وأبدى الطلاب رأيهم فى هذا القانون. وعُدِّلَتْ هذه القوانين عدة مرات - أثناء المناقشات - حتى تتحقق الصورة التى يبتغيها كل مواطن . ثم بعد ذلك عُرِضَتْ هذه المشروعات فى اللجان الوزارية . ثم انتهى الأمر بأن عُرض مشروع قانون التعليم العام على أمانة الاتحاد الاشتراكى بمحافظة القاهرة، ثم على لجنة الشئون الداخلية المنبثقة من لجنتكم الموقرة ، وانتهى به المطاف إلى مجلس الوزراء، حيث وافق على مشروع قانون التعليم العام فى صورته النهائية .

     وقد دام هذا النقاش والحوار ستة أشهر كاملة، وكنا نتلقى خلالها جميع الآراء والتقارير والمذكرات، وكنا نعدل فى المشروع حتى يحقـق كل الآمال، ونتفادى جميع المآخذ والعيوب. وبمجرد أن وافق مجلس الوزراء على هذا المشروع فى مساء يوم الأحد 17 نوفمبر، عقدنا فى اليوم التالى مؤتمراً صحفياً شرحنا فيه مزايا هذا القانون، وما يحققه من آمال، وما يعالجه من مثالب وعيوب فى نظمنا التعليمية .

     ثم سافرت بعد ذلك فى اليوم التالى إلى المنيا، حيث كان يعقد هناك مجلس مديرى التربية والتعليم بشتى المحافظات - وفقاً للنظام المتبع بأن يعقد هذا المجلس مرة كل شهر بصفة دورية فى إحدى عواصم المحافظات - وكان من بين جدول أعمال هذا المجلس موضوع الأحكام الانتقالية لتطبيق مشروع قانون التعليم العام، وبدأنا فى مناقشة هذه الأحكام، من النظام التعليمى القديم إلى النظام التعليمى الجديد، المصدق عليه من مجلس الوزراء .

     وفى اليوم التالى لانعقاد مجلس مديرى التعليم فوجئنا باتصال تليفونى من محافظة الدقهلية، بأن هناك اضطرابات ومظاهرات فى مدرستين من المدارس الخاصة فى مـدينة المنصورة، وقد استفسرنا عن سبب هذه الاضطرابات .. فقيل لنا : إن طلاب هاتين المدرستين يتساءلون عن نقطتين فى القانون الجديد، ويحتجون عليهما :

     النقطة الأولى : هى أن النظام الجديد قضى بأن الطالب يجب أن ينجح فى جميع المواد، بدلاً من إجازة نجاحه مع رسوبه فى مادة أو مادتين، كما كان يقضى بذلك النظام القديم .. وأن طلاب الصف النهائى يقولون : إن الوقت الباقى من السنة لن يكفى لاستيعابهم المواد المتخلفة عليهم .

     أما النقطة الثانية : فهى أن القانون الجديد حدد عدد مرات الرسوب فى امتحان شهادة إتمام الدراسة الثانوية.

    

 

 

 

     فرددنا على ذلك بالقرارات التى كان مجلس مديرى التعليم قد وافق عليها فيما يتعلق بهاتين النقطتين.

     ففيما يتعلق بالنقطة الأولى : وهى إلغاء نظام الطالب الناجح الراسب، وهو الذى ينجح مع رسوبه فى مادة أو مادتين، فقد ذكرنا للسيد المحافظ أنه قد تقرر أن يمتحن طلاب الصف النهائى وفقاً للنظام القديم الذى كان معمولا به .. بمعنى أن ينجح الطالب مع رسوبه فى مادة أو مادتين ، وذلك بالإضافة إلى استفادته من المناهج المعدلة إذا حُذِف منها بعض الموضوعات التى تعتبر أنها زائدة - أو لا يُحتاج إليها - وفقاً لما تقرره اللجان المشتركة بين وزارة التربية والتعليم والجامعات .. وأن طلاب الشهادة الإعدادية أيضاً سيمتحنون وفقاً للنظام القديم، وذلك نظراً لأن المدة الباقية من العام لن تكفى الوزارة لكى تقوم بتقويتهم فى المواد التى تخلفوا فيها .

     أما طلاب سنوات النقل، وهم : سنة ثانية إعدادى، وسنة أولى وثانية ثانـوى، فستُرَتَّب فصولاً لمن ترك منهم إحدى المواد التى تتوقف فيها الدراسة فى الصفوف التالية على ما يُدَرَّس فى الصفوف السابقة، وذلك تأسيساً على أن بعض المواد تنتهى بانتهاء السنة، وحتى لو دُرِّست نفس المادة فى الصف التالى، فإنه لا يكون لها علاقة بها، مثال ذلك مادة التاريخ، فيصح أن تُدَرَّس فى صف من الصفوف تاريخ حقبة معينة، وفى الصف التالى يُدَرَّس تاريخ حقبة أخرى .. إذاً التاريخ ليس مادة نمو، بحيث تتوقف الدراسة فى الصف التالى على الدراسة فى الصف السابق. أما اللغات الأجنبية والرياضيات فهى مواد نمو، بمعنى أن الطالب يجب أن يستوعب ما درس فى الصفوف الأولى، حتى يتفهم ما يُدَرَّس فى الصفوف التالية. ولذلك اتفقنا على أن نعقد فصولاً خاصة للطلاب الذين كانوا يتركون مادة اللغات الأجنبية، ومادة الرياضيات، بغرض تقويتهم فيها وفقاً لمناهج معينة - وذلك على حساب الدولة. ثم يعقد لهم - بعد ذلك - فى نهاية العام امتحان خاص تراعى فيه ظروفهم، ومن يرسب فيها يعقد لهم دور ثان قبل نهاية العام التالى .

     رُبّ سائل يسأل : ولم لا يطبق هذا النظام على الطلبة الجدد فى التعليم الإعدادى؟.. أى لماذا نحاول أن نطبقه على الموجودين فعلاً؟ السبب فى ذلك أننا إذا انتظرنا لكى نطبقه على الطلبة الجدد فى السنة الأولى الإعدادى، فمعنى هذا أن يبقى النظام المعيب - الذى ننتقده ونأخذ عليه الكثير من العيوب - لمدة خمس سنوات أخرى، ونحن حريصون كل الحرص على تعديل هذا النظام فى أقرب فرصة، ونحـن كأولياء أمـور وكآباء فى وزارة التربية والتعليم ، نحرص على صالح الطلاب ، ونُقَدِّرْ

 

 

 

 

ظروفهم، ولا يمكن أن نقرر شيئاً يسىء إليهم أو يضر بهم .

     إذاً من لا نستطيع تقويته منهم، قلنا بأن يمتحنوا على النظام القديم .. أما من نستطيع تقويتهم، فسنعمل على تقويتهم تدريجياً فى فصول خاصة، وستتكفل الدولة بهذه العملية، ثم يعقد بعد ذلك إمتحان تراعى فيه ظروفهم، على أن يعقد لهم بعد ذلك دور ثان .

     وفيما يختص بتحديد عدد مرات الرسوب، ففى سنوات النقل لم يتغير الوضع القديم، فللطالب أن يرسب فى الصف الواحد مرّة واحدة ، وفى المرحلة الواحدة له أن يرسب مرتين .. هذا هو الوضع القديم .. أما الوضع الجديد فيضيف شيئاً آخر أفضل للطلبة، وهو أنه حتى إذا فُصل الطالب، فله الحق فى أن يستعد مرة أخرى ويتقدم من الخارج إلى امتحانات النقل فى أية مدرسة من المدارس. ومعنى ذلك أن لديه فرصة جديدة لم تكن موجودة فى القانون القديم .

     وبالنسبة للشهادة الإعدادية العامة لم تحدد أى مدد للرسوب فيها. أما بالنسبة للشهادة الثانوية العامة فيقضى القانون بأن عدد مرات الرسوب ثلاث .. لا يدخل ضمنها الاعتذارات للمرض ، كما أنه لا تحسب مرات الرسوب السابقة، ومن يرسب بعد السنوات الثلاث فى مادة أو مادتين ، له الحق فى فرص إضافية أخرى. ومن الطبيعى أن هذا النظام لا يمكن أن يثير أى طالب من الطلبة، لأنه بالنسبة للثانوية العامة أصبح الوضع أفضل وأيسر مما كان، إذ سيمتحن الطالب على النظام القديم مستفيداً بالتخفيفات. وبالنسبة للطلبة فى سنوات النقل، فإننا نقوم بتقويتهم ونساعدهم، بحيث عندما يصل الطالب إلى الثانوية العامة يستطيع الحصول على مجموع أفضل .

     وأود أن أذكر لحضراتكم، طبقاً للبيان الموجود أمامى عن امتحان شهادة الثانوية العامة الأخير، 67/1968 : كان عدد الناجحين 69339 ، أما من حصلوا على أقل من 50% وبذلك لم تتح لهم أى فرصة فى مكان من الأمكنة - لا فى الجامعات ولا فى غيرها - 19536، كل هؤلاء يحاولون إعادة الثانوية العامة. فلو أننا قَوَّيناهم بهذه الفصول الإضافية والامتحانات المخففة، لحصلوا على نسبة تزيد على 50% واسْتَغْنوا عن إعادة السنة . فهم يـريدون أن يصلوا بسرعـة، ثم يـقف بهم القطار فى الثانوية العامة ليعيدوها سنة، واثنين، وثلاث .

     وأقول - بالنسبة لعدد مرات الرسوب - إن الطالب الذى يغضب من التعديل الجديد الخاص بامتحان إتمام الدراسة الثانوية العامة .. بالنسبة للمستقبل .. والذى ينص على أن للطالب الحق فى الرسوب ثلاث سنوات، ثم إذا رسب بعدها فى مادة أو مادتين له فرص إضافيـة، معنى ذلك أن مثل

 

 

 

 

هـذا الطالب يقرر من الآن أنه ينوى الرسوب ثلاث سنوات، ثم بعد هذه المدة سيرسب أيضاً فى أكثر من مادتين .

     هذا الطالب من مصلحته من الآن ألاّ يدرس المرحلة الثانوية، لأنه بهذا إنما يحكم على نفسه بأنه غير قادر على هذه الدراسة، ويجب أن يتجه إلى دراسة أخرى .

     عندما علم الطلاب بهذا فى المدرستين الخاصتين بالمنصورة، هدأت الحالة وانتظمت الدراسة - فى اليوم التالى - فى المدارس الثانوية. والواقع أن هاتين المدرستين الخاصتين لهما طبيعة خاصة وهما معروفتان فى الوجه البحرى - إذ أنهما تقبلان الطلبة الذين فشلوا فى دراستهم، وفُصِلوا من المدارس الحكومية، والذين يعيدون الثانوية العامة عدة مرات .

     هذه المدارس تعيش على هذا النوع من الطلاب .. وهذا النوع من الطلاّب هو الذى يفكر باستمرار فى الفشل وعدم النجاح، ولذلك فإننى أود أن أُبَرِّئْ القاعدة العامة ..  أو القاعدة الكبيرة الطلابية من هـذا الاتجاه، الذى بدأ من بعض مدارس معينة فى المنصورة، حيث كانت بداية مريرة غير موفقة، أدت إلى تلاحق الحوادث المؤسفة التى انتهت إلى إغلاق الجامعات والمعاهد العليا .

     فى اليوم التالى - وهو يوم الخميس - حدث تظاهر من طلبة معهد المنصورة الدينى، وسُئِلْت: هل القانون الجديد يسرى على المعاهد الدينية أو الأزهرية؟.. فقلت : " لا، فللمعاهد الأزهرية قانون مستقل قائم بذاته صدر منذ عدة سنوات" . ولكن ما هو حادث فعلاً هـو أن هناك مواد ثقافية -  أو كما تسمى فى الأزهر بالمواد الحديثة - خلاف المواد الدينية، وبدلاً من أن يُصدِر الأزهر لائحة تنفيذية للقانون، ويعقد امتحانات خاصة به، يعهد إلى وزارة التربية والتعليم بعقد امتحانات المواد الثقافية .. أو المواد الحديثة لطلبة مَعَاهِدَه. وتقوم وزارة التربية والتعليم بوضع أسئلة هذه المواد، ليمتحن فيها هؤلاء الطلبة مع طلبة الثانوية العامة . ولكن للأزهر نظام للتعليم .. ومرات الرسوب .. وطريقة النجاح .. وإعلان النتائج الخاصة به . وحتى بالنسبة لوضع الأسئلة والتصحيح ليس هناك أى إلزام قانونى على المعاهد الأزهرية بأن تلجأ فى ذلك إلى وزارة التربية والتعليم، وكل ما هنالك هو أنها تستطيع أن تعقد لجاناً خاصة بهذه المواد تشترك فيها وزارة التربية والتعليم .

     وللأسف إن هذا التظاهر تفاقم فى المنصورة، وخرج طلاب المدارس الأخرى ، نتيجة اقتحام هذه المدارس ورشقها بالحجارة، وقد حدثت تلفيات فى الأبنية المدرسية، فى الوقت الذى نبذل فيه الجهد لتدبير المال اللازم لإنشاء أبنية مدرسية جديدة، تستوعب الأعداد الكبيرة المتزايدة من الطلاب .

    

 

 

 

     وقد انتهى الأمر فى هذه المظاهرات - نتيجة بعض إشاعات أُطلِقت وسط الجموع - إلى أحداث أدت إلى تدخل الشرطة .. كما ورد فى بيان وزارة الداخلية . ثم بعد ذلك بدأت النيابة العامة التحقيق فى الموضوع .

     وفى يوم الجمعة - أى اليوم التالى - طلب منى السيد الرئيس أن أسافر إلى المنصورة،       لأكون فى ميدان الأحداث .. وسافرت فعلاً، والله يشهد أننى فى ذلك اليوم كانت حرارتى مرتفعة ، وكنت مصاباً بالأنفلونزا.. ولازلت أُعـانى حتى الآن من أثرها، وأعتذر لحضراتكم عن اضطراب فى صوتى .. وعن إيذاء سمعكم بصوت غير واضح. أقـول سافرت إلى المنصورة يوم الجمعة، واجتمعت بالمفتشين، والمديرين، والنظار، فى التربية والتعليم، ووقفت منهم على حقائق الأمور .

     ثم اجتمعت بعد ذلك بالطلاب - وكان هناك بعض ممثلى اتحاد طلاب الجمهورية - وتناقشت معهم فى كل النقاط، فوجدت أنهم يقولون : إن هذا أكثر مما نريد، فقلت لهم: " إذاً فيم كان التظاهر؟ " فقالوا إننا كنا نستفسر فأُفهمنا صورة خاطئة، فقلت لهم : " إن هناك وسائل ديمقراطية، فقد كان فى استطاعتكم أن تعقدوا اجتماعاً لاتحاد الطلاب، وتقدموا توصيات، أو تتساءلوا، أو تستفسروا .. وهناك مجالس الآباء .. وهناك مديرية تعليمية. ومن الممكن أيضاً رفع مذكرة أو طلب، أو إرسال برقية إلى وزارة التربية والتعليم. فَلِمَ تُتْرَك الأساليب المشروعة، ويُلْجَأْ إلى أساليب العنف والإخلال بالنظام .. فى وقت البلاد فيه فى حالة حرب واشتباك مع العدو؟ " فكانت الردود كلها : إنه سوء فهم، وإن هذا خطأ وقع، ولكن هى الأحداث قد تلاحقت .

     ثم زرت بعد ذلك المستشفى الجامعى فى المنصورة، ووجدت أن عدد الطلبة المصابين خمسة طلاب، وكانت إصابتهم مُطَمْئِنَة، ووجدت حالتهم المعنوية طيبة، ورأيت هناك زملاءهم وأهلهم. وكانت الحالة كلها مرضية ، ولمست أن هناك أسفاً شديداً لما وقع - سواء من ناحيـة التلفيات ، أو من ناحية الخسائر التى حدثت فى الأموال أو الأرواح - ولكنها الأحداث قد تلاحقت، ولم يستطيعوا وقفها .

     وللأسف الشديد، حدثت يوم السبت - مرة أخرى - عملية تظاهر وإضـراب فى كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية. وأعتقد أن زميلى الدكتور وزير التعليم العالى أقدر منى على التحدث إليكم فى هذا الموضوع .

     وهكذا تتابعت الأحـداث لأسباب متجددة، ربما قطعت الصلة بسبب الانطلاق الأول.. وكان

 

 

 

 

الاعتصام الذى حدث فى كلية الهندسة سبباً لإثارة المدارس المجاورة لكلية الهندسة، ثم الاضطرابات التى وقعت فى اليوم التالى فى المدارس المجاورة لها، وما صاحب ذلك من حوادث مؤسفة فى مدينة الإسكندرية. ونحمد الله أن تلك السلسلة من الحوادث قد توقفت، وأن الدراسة قد انتظمت فى جميع مدارس الجمهورية .

     وأود بهذه المناسبة أن أقدم الشكر إلى زملائى فى وزارة التربية والتعليم على الجهود التى بذلوها ، إيماناً منهم بالإصلاح القانونى الجديد للتعليم العام، وتحقيق الآمال المرغوبة للارتفاع بمستوى وأداء الخدمة التعليمية، ولإيمانهم أيضاً بأن الظروف العصيبة التى نمر بها تقتضى الهدوء والسكينة، وألاّ ننشغل بأحداث داخلية عن مجابهة العدو. هذا إلى جانب تعـاطفهم مع وزارة التربيـة والتعـليم فيما تنتهجه من سياسة جديدة .. بها الروح الإنسانية والسياسية التى حلت الكثير من مشاكل التعليم فى ظل بيان 30 مارس .

     وأود أن أقول - بعد أن توقفت هـذه الأحـداث إنه رب ضارة نافعة .. إن هذه الحوادث المؤسفة حقيقة مؤسفة من حيث توقيتها ، لأنها جاءت فى وقت يربض العدو فيه داخل البلاد ، ويجب أن تُكتل فيه الجهود لمواجهة العدو، ولا يمكن أن ننصرف إلى حفظ الأمن الداخلى .. وإلى مراقبة الأمن فى الداخل ، فيفاجئنا العدو وتقتحمنا قواته، فلا تجد هـذه القوات من يقف فى وجهها . وهى مؤسفة أيضاً من حيث آثارها ، فـإن الشعب هو الذى يتحمل كل الخسائر التى وقعت .. سواء على الأموال .. أو فى الأرواح .. أو إغلاق بعض دور العلم والتعليم فى البلاد، فى الوقت الذى تحتاج فيه البلاد إلى إعداد الشباب .. وإلى تربية النشئ .

     وأَشد ماآسف له، أن يكون سبب الانطـلاق هو سوء تفهم يبدأ من بعض طلبة فاشلين، يتنكبون الأسلوب الديمقراطى المشروع، ويلجأون إلى أساليب العنف ضد قانون إصلاحى، باركته كل الأمة ورحبت به، لما تضمنه من الكثير من المزايا .. ومن الجدية، التى تحقق الارتفاع بمستوى التعليم فى البلاد .

     والواقع أننى لا أعرف ماذا سنقول للعالم؟.. إن حركة الطلاب التى قامت فى فرنسا، كانت ضمن مطالبها زيادة المناهج والمواد .. بإدخال المواد ذات العلاقة بالتكنولوجيا والرياضة الحديثة، فهل نقول إن طلاب العالم يطالبون بـدعم المناهج، وتقويتها، وزيادتها، ونحن هنا فى الجمهورية العربية المتحدة حيث نريد أن ننهض .. ونحقـق التنمية .. والوحـدة العربية .. ونقود الدول الإفريقية -

 

 

 

 

نقوم بإضرابات ومظاهرات لكى نزيد من عدد مرات الرسوب؟

     إننى أُبَرِّئ الطلبة من أن يكون هذا هو هدفهم، ولكنها فئة قليلة، ضئيلة، فاشلة، هى التى حرّكت هذا الموضوع. ولذلك نجد أن الهدوء الآن يسود كل مكان، بل إننى تلقيت - فى وزارة التربية والتعليم - الكثير من البرقيات من الاتحادات الطلابيـة فى شتى أنحاء الجمهورية، يستنكرون ما حدث من زملائهم فى مدينة المنصورة .

     إننا بعد هذا نتساءل، هل نريد أن نُصلح البلاد، أم أن نُبْقِى كل شئ على ما هو عليه؟ وإذا تقدمنا بالإصلاح، هـل نقف لمجرد قيام الفئات التى تضار من الإصلاحات الجديدة .. أو التى تستمرئ الأوضاع المعوجة أو الواجبة التعديل والتصحيح برفع صوتهـا بالإضراب والاحتجاج ؟ وكما نعلم جميعاً أن أعلى الأصوات هى أصوات هذه الجماعات الفاسدة، التى لا تقبل الإصلاح والتجديد .

     إنها نقطة هامة يجب أن نعنى بها هنا من الناحية السياسية .. هل نريد إصلاحاً فى هذا البلد؟ وهل نريد تقدماً فى هذا البلد ؟ هـل نريد نهضة حقيقية ؟ ثم هل نسالم ونهادن بعد ذلك العناصر التى تقف ضد كل تجديد .. وكل إصلاح .. وكل تقدم، فى هذا البلد؟

     نقطة أخرى : يجب أيضاً أن نتخذ مما حدث عظة وعبرة، حتى لا يتكرر ما حدث كما قال السيد الرئيس الآن .

     إن المسألة تحتـاج إلى روح جديدة .. وإلى أن نبدأ العمل بجدية وإخلاص وأمانة فى جميع القطاعات، لإصلاح كل معوج .. وكل فاسد، ولا نهادن .. ولا نتهاون مع أية عناصر تريد أن تُبقِى على الأوضاع الفاسدة المعوجة، بل يجب أن نأخذ الأمور بالحزم والجدية التى تتناسب مع أحداث الساعة، ولا نقبل أى إخلال بالأمن أو النظام، فى وقت نشتبك فيه مع عدو يتربص بنا الدوائر .

     أدعو الله أن يوفقكم، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يوفق السيد الرئيس، وأن ينير له الطريق، كى يقود البلاد إلى بر الأمان، والانتصار، والتقدم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

السيد / الرئيس :

     بالإضافة إلى كـلام الدكتور حلمى مراد .. الحقيقـة حينما كَوّنت الوزارة الجديدة، وكان هو وزير التربية والتعليم - فى الحديث اللى حصل معاه - أنا قلت لـه: إن الأولاد بيخرجوا من المدارس

 

 

         

 

الابتدائية مابيعرفوش يقرأوا ويكتبوا، وإن دلوقت كل بيت جايب مدرس، أو اثنين، أو ثلاثة لأولاده، ودى عملية فعلاً لا يمكن لحد يقوم بها إلاَّ القادر. وبعدين هُوَّ فوجئ حينمـا عرضت عـليه وزارة التربية والتعليم ، هو كان متصور إنه جاى للتعليم العالى، فأنا قلت له : لأ .. ده أنا جايب واحد من الجامعات علشان يقدر يشوف الجامعات عايزة أى نوعية، وايه الضعف اللى موجود فى الطلبة حتى نقويه. وقلت له إن عملية ان احنا نصرف هذه المصاريف فى المدارس، والطلبة تطلع ماتعرفش تقرأ وتكتب من الإبتدائى بعد ست سنين .. تبقى فلوس بنرميها فى الفاضى .

     بعد هذا نوقشت هذه الأمور فى مجلس الوزراء، وأيضاً كان الهدف وكان التوجيه أن هناك علوم كثيرة وحشو للطلبة، خصوصاً فى التوجيهية، وان فيه حاجات بياخدوها النهارده فى التوجيهية، وبعد كده بيرجعوا ياخدوها فى الجامعات، وأنا قلت له إنى أنا لَمَّا اطَّلعت على مناهج التوجيهية وجدت ان جزء منها بِيُدَرَّس فى الجامعات، والمقـررات صعبة جداً فعلاً على الطلبة ، لأن سنهم أقل من 17سنة .

     وبالنسبة للرياضة والعلوم : المقررات زادت بدرجة كبيرة جداً، فيجب ان احنا نخفف هذه المناهج على طلبة الثانوى، ولا نجعل تكرار لِلِّى يؤخذ فى الجامعة . الحقيقة ده كان داخل ضمن عملية الإصلاح .

     أنا حبيت أضيف هذا على الكلام اللى قاله الدكتور حلمى مراد، وبعدين برضه باقول إن احنا وافقنا فى مجلس الوزراء .. بحثنا هذا الموضوع مرتين، فقد أقرته وبحثته قبل كده لجنة .. ثم بحثته بعد كده لجنة أخرى من مجلس الوزراء ، اشترك فيها كل أساتذة الجامعة ، ثم أُقِرَّ بعد هذا .. بعد أن قُرِئ بالكامل فى مجلس الوزراء. وقبل إقراره بحثته اللجنة المتفرعة من اللجنة المركزية، وبعدين التفسيرات اللى ادَّاها الدكتور حلمى مراد كانت نشرت، ونشر هُوَّ قبل كده هذه الأمور فى الجرائد .

     إذا سمحتولى بـادِّى الكلمـة بعـد كـده للسيد أمين عـام محافظـة المنصورة السيد / محمد السيد عبد الرحمن، يقول لنا باختصار برضه كيف سارت الأمور .

 

السيد / محمد السيد عبد الرحمن :

     السيد الرئيس .. السادة الأعضاء، اسمحوا لى أن أبدأ فى سرد الوقـائع بترتيب حدوثها.. صباح يوم الأربعاء تجمع طلبة مدرستين خاصتين للإحتجاج على قانون التعليم الجديد، هما مدرستا: الفلال،

 

 

 

 

والتربية الحديثة .. جميع الطلبة فيهما من معتادى الرسوب .. كبار السن. وقد تبين أخيراً أن ناظر مدرسة الفلال هو المحرض الأول لعملية الإضرابات. اتجهـت المظاهرة إلى المعهد الدينى، فلم يَسْتَجِبْ لها أحد ، فقُذِف بالحجارة .. ثم توجهوا إلى مدرسة الملك الكامل الثانوية، وحاولوا إخراج الطلبة بالقوة، وقذفوها أيضاً بالحجارة. وهنا حضر للمدرسة أعضاء الاتحـاد الاشتراكى، والمحافظة، ورجال الأمن، وحاولوا أن يقنعوا الطلبة بأن يتجمعوا فى داخـل مكان محدود .. ويناقشوا الموضوع .. ويعرضوا طلباتهم التى يحتجون عليها . وفعلاً قام طالب من اتحاد الطلبة وعرض الموضوع، وبَيّن لنا النقط التى يحتج عليها الطلبة، ومن بينها فعلاً النقطتان اللتان أشار إليهما السيد وزير التربية والتعليم، وأقنعنا الطلبة بأن ينصرفوا، وأننا سنتصل بالسيد الوزير لنعرض عليه الأمر .

     خرج طلبة مدرسة الفلال ومدرسة التربية الحديثة وقاموا بمظاهرات خفيفة، وتجمعات بسيطة، وأمكننا أن نفرقهم .. وأن يذهبوا إلى بيوتهم .

     تم الاتصال بالسيد وزير التربية والتعليم فى المنيا، وعُرِضَ عليه الأمر، ففسر الموضوع وطلب    من محافظ الدقهلية أن ينشر هذه التفسيرات، وفعلاً تم طبعها ونشرت قبل المساء. ثم اتصلنا ببعض المحافظات وأفهمناها هذه التفسيرات .

     اجتمعت لجنة الاتحاد الاشتراكى، ولجان الاتحاد فى المدينة، وقررنا فوراً أن تُتَّخَذ الإجراءات   ضد أى شئ قد يحدث من إضرابات أو مظاهرات. وفى المساء طلبنا أولياء أمور الطلبة الذين كانوا يتزعمون المظاهرات .. وأفهمناهم الوضع، وأخذنا عليهم الإقرارات اللازمة بأن ينبهوا على أولادهم بعدم القيام بمظاهـرات .. كما أخذنا عليهم إقرارات تتضمن أنهم مسئولون عن دفع تكاليف الخسائر والتلفيات التى حدثت. واتفقنا مع السيد مدير الأمن على أن قوات الشرطة تكون مستعدة فى اليوم التالى، على ألاَّ تظهر .. ولا تتدخل فى أى عمل .. إلاّ بعد أن يُطْلَب منها ذلك .

     وحوالى الساعة التاسعة من صباح يوم الخميس تجمع طلبة المعهد الدينى - وعددهم كبير يصل إلى حوالى ثلاثة آلاف طالب - خارج المعهد، وقاموا بمظاهرة اتجهت نحو المدرستين الخاصتين الفلال والتربية الحديثة، وهى تهتف هتافات متعلقة بالقانون وضد التعليم .. خرجت المدرستان الخاصتان واتجهت المظاهرة إلى مدرسة الملك الكامل الثانوية، وبدأوا فوراً بقذفها بالحجارة، فكسروا جميع الزجاج بها، وهى مدرسة حديثة بنيت على النظام الحديث - وواجهتها كلها تقريباً من الزجاج - وقد أصيب ستة من الطلبة . وفى هـذه الفترة سمعنا صوت إثنى عشر عياراً نارياً .. علماً بأن الشرطة

 

 

 

 

عندما وَصَلَتْ لم يكن معها سوى العِصِى . حاولنا إقناع الطلبـة، فكان البعض يقتنع ويمتنع عن قذف الأحجار. وبعد ذلك خرجت المظاهرة مقسمة، واتجه كل قسم إلى إحدى المدارس وأخرجوها.

     كنا نسير معهم ونحاول أن نخفف قدر الإمكان من التجمعات الكبيرة الموجودة .. مرت المظاهرة على إحدى الكنائس وقذفتها بالحجارة، ثم توجهت إلى مدرسة البنات الثانوية وقذفتها أيضاً بالحجارة، وكانت السيدة الناظرة ملتزمة - وهى عضو فى الاتحاد الاشتراكى - فأجبرت الطالبات على الرقاد تحت أدراج الدراسة حتى لا يُصَبْنَ بسوء .. وحاولنا نحن إقناع الطلبة .. وأقنعناهم فعلاً بأنه لا داعى مطلقاً لخروج الطالبات معهم فى مثل هذه المظاهرات، فترك الطلبة هذه المدرسة وتقدموا من جملة طرق متفرقة فى مجموعات كانت تتزايد وقتاً بعد آخـر.. وجميع أعضاء الاتحاد الاشتراكى، والمحافظة، ورجال الأمن، يسيرون معهم خطوة بخطوة يناقشونهم. وكان عدد كبير من الطلبة ينسحب إلى المنازل، ولكن كان هناك أفراد مصرون إصراراً عجيباً على الاستمرار فى عملية الإضراب .

     وفى هذه الفترة، وفى داخل البلد بالذات - فى الوسط تقريباً - تحولت الهتافات إلى هتافات عدائية .. وبشكل أعتقـد شخصياً أنـه يعتبر خيانـة للبلد، لا أتصور أن إنساناً ينادى بلا سبب :  " أقدم .. أقدم .. ياديَّان " ، واعذرونى إذا كنت أقـول هذا الكلام .. لأننى منفعل من عملية اعتبرها قاسية جداً من الناحية الوطنية .

     تقدمت المظاهرات فى جملة شوارع ونحن معها، فلاحظنا أن بعض الأفراد يقفون معنا لتضليلنا، ليؤخرونا ويوقفونا حتى تتقدم مجموعات أخرى - فى اتجاه يفكرون هم فيه - للوصول إلى المدرسة الثانوية .. وإلى مدرسة الصنايع - وهما قريبتان من مبنى الجامعة والمعاهد العليا - وكانت فى أيديهم عصى، وأخشاب، وأفرع أشجار، وحجارة كثيرة .

     رأينا أن الوضع خطير، فحاولنا أن نتصل بالسيد وزير الداخلية، ولكن لسوء الحظ وجدنا أن جميع المواصلات التليفونية مقطوعة، ولا أعلم ما إذا كان لهذا الموضوع اتصال بالعملية أم لا .. ولكن من واجبى أن أذكر ذلك أثناء سرد الوقائع، حتى تكونوا على بينة بما حدث .

     اتصلنا بالسيد الوزير عن طريق جهاز اللاسلكى - وكان الصوت ضعيفاً - وشرحنا له الوضع ، فصمم وكرر أن تفريق المظاهرات يجب أن يتم بالحسنى .. ولا يمكن أن نستعمل السلاح أو العصى .       

     ولقد أخذت عملية الاتصال فترة ، كانت المظاهـرات فيها قـد وصلت للمدرسة الثانوية ومدرسة الصنايع وأخرجتهما .

 

 

 

 

     وقد قام رجال الشرطة - فى هـذا الوقت بعمل كردون منهم فى اتجاه كلية الطب والمعاهـد العليا، لمنع اتصال طلبة المدارس الثانوية، والمعهد الدينى ، والمدارس الصناعية بهم، والحيلولة بينهم وبين الوصول إلى مقر الجامعة. بدأ الطلبة المتظاهرون فى قذف رجال الشرطة بالحجارة، وسمعت من بعض الناس أن رجال الشرطة أطلقوا الرصاص على أرجل المتظاهرين. وفعلاً بعد فترة رأيت الطلبة يقذفون رجال الشرطة بالأحجار، وأقنعناهم بالامتناع عن ذلك . ورأيت طالباً مجروح الرجل .. رأيت الدماء على الشراب، ولكن لم أرى الإصابة نفسها .. وهل هى بسبب الأحجار أو نتيجة إطلاق الرصاص .

     وفى هذه الفترة قال البعض : إن هناك قتلى .. قال البعض : إنهم أربعة .. وقال آخرون : إنهم ثمانية .. ثم قيل : إنهم عشرة . وعندما سألنا .. لم نجد أى قتلى، وأن كل ما فى الأمر هو إصابة ثلاثة أو أربعة فى أرجلهم .. وقد تبين أن من أشاعوا عملية القتل ، كانوا يقصدون إثارة الطلبة ضد رجال الشرطة . وقد استمرت محاولاتنا فى إقناع الطلبة بالانصراف، وفعـلاً انصرفت المظاهرات بعد فترة، ولم يظهر أثر لأى شخص فى هذا المكان، وكان كل ما أمامنا الحجارة الناتجة عن قذف الشرطة .

     انصرفت الشرطة وتوجهت إلى مديرية الأمن ، وعدنا نحن إلى مكاتبنا، وبعد حوالى ساعة أُبْلِغْتُ أن هناك تجمعات صغيرة ناحية مديرية الأمن. وعند خروجى من مكتبى متوجهاً ناحية مديرية الأمن ، سمعت مظاهرات من كل ناحية ، ووجدت عدداً كبيراً من الطلبة - يبلغ عددهم فى تقديرى 5000 طالباً - فى ميدان واسع عرضه حوالى 120 ياردة، والميدان يحيط بمديرية الأمن من ناحيتين .. ولا يوجد بالميدان موقع لقدم، والطلبة يقذفون الأحجار بشكل شنيع على مديرية الأمن، وفى أيديهم عصى، وأخشاب، ولباليب الزينة التى تعلق عليها الأعلام، موجهة صوب مديرية الأمن، كما لو كانوا فى معركة .. ومستعدين لمهاجمة مديرية الأمن .

     وقفنا أمام الطلبة للإقلال من قذف الطوب، وفعلاً إنقاد لنا القريبون منا، وما كان من رجال الأمن - فى هذه الحالة - خاصةً الحرس .. أو الكركون الذى أمام الباب الرئيسى ، إلاَّ أن انسحـب آخذاً معه سلاحه، ووقف تحت البدروم، ولكننا كنا نراه من خارج الأسوار .

     ومن حسن الحظ أن وجود الأشجار العالية منعت الإصابات بالنسبة لرجال الأمن. وفى هذه الفترة رأينا بعض الأفـراد يجمعون الأخشاب ويشعلون الحرائق فى الميدان حول المديرية، وبدأت النيران تشتعل فى المظلات الخشبية الموجودة بالحـدائق، وأخذت النيران تزداد ضراوة .. والطوب والأحجار تنهمر من كل مكان .. والهجوم والاقتحام على مديرية الأمن مستمر، كما لـو كـانت

 

 

 

 

هناك معركة حربية، وكان عـدد من الطلبة على وشك دخول، المبنى وبينما كنا نحاول منعهم وإقناعهم إذا بنا نسمع طلقات، وربمـا من خبرتى ومرانى - فى الحياة العسكرية الماضيـة - أستطيع أن أقول إن كل الطلقات التى سمعتها لم تكن آتية من اتجاه واحد .. صحيح أن بعض الطلقات جاءت مـن اتجاه مديرية الأمـن .. وهى طلقات بنادق .. وهى غالباً ما تحـدث صوتاً عالياً، ولكن سمعنا طلقات لا أستطيع أن أقول إنها مكتومة، ولكنها أضعف من صوت البندقية ، وإنى أقدر أنه من الجائز أن تكون طلقات طبنجات من جملة اتجاهات، وليس من اتجاه مديرية الأمن فقط، لأن طلقات مديرية الأمن نشعر بها حيث أننا نواجه المديرية تماماً .

     انفض الطلبة وذهبوا إلى نهاية الميدان، وانصرف الجزء الأكبر منهم، فتصورنا أن العملية سوف تنتهى بعد أن بدأ عددهم يتقلص شيئاً فشيئاً. ثم علمنا أن هناك أربعة أصيبوا إصابات قاتلة، فطلبنا سيارات الإسعاف لنقلهم إلى المستشفى .. وهذه أول حالة من حالات الإصابات القاتلة التى ظهرت فى هـذا اليوم . ثم طلبنا جميع أفـراد الاتحـاد الاشتراكى فى المدينة ، وأعطيناهم تعليمات بالدخول إلى المنازل والإلتقـاء بالطلبـة وأوليـاء أمـورهم داخـل الشقق .. خلال الليل - وأن يفهموهم أنـه لا داعى مطلقاً للمظاهرات، طالمـا أن طلباتهم قـد أجيبت بالأمس، وأنه لايصح أن نهدر أموالنا بالتكسير والتخريب، خاصةً أننا فى حاجة اليوم لاستغلالها فى الأغراض الحربية .

     إن العملية ولا شك مدبرة ومدفوعة من الخارج .. وليست عملية ناشئة من أولادنـا الطلبة، وذلك لجملة أسباب :

     أولا : خلال وقوفنا مع الناس لتهدئتهم وجدنا شخصاً - من الخلف - يطلق صفيراً خفيفاً، فردت عليه صفارات أخرى، ثم انصرف الناس من حولنا. وهذه طريقة ليست عادية بالنسبة للمظاهرات العادية التى رأيناها .

     ثانياً : أن الطلبة مسلحة بالطوب، وأفرع الأشجار، ولباليب الزينة، والأخشاب .

     ثالثاً : أننا سمعنا صـوت طلقات بالقـرب من مدرسة الملك الصالح صباحاً، بينما كان البوليس مسلحاً فى ذلك الـوقت بالعِصِى فقط . ثم سمعنـا طلقات مـن جميع الجهات - ونحن أمام مديرية الأمن - فى آخر مرحلة من مراحل المظاهرات .

     رابعاً : كانت هنـاك إشاعات كاذبة عن وقوع قتلى فى المرحلـة الأولى - بجوار المدرسة الثانوية ، وأعتقد أن هـذه الإشاعات قُصد بهـا إثـارة الطلبـة، ليزيدوا من أعمـال التخـريب

 

 

 

 

والأعمال العدوانية . كما أن الحرائق التى أشعلها الطلبة حول مديرية الأمن نقطة لها اعتبار فى نظرى، وفى تصورى أن المقصود إنما كان حرق المديرية بمن فيها .

     كان الناس يتجمعون ويتفرقون بأسرع ما يمكن .. يقفون معنا ثم خلال ثانية يتفرقون عنا ليجتمعوا فى مكان آخر، فإذا ذهبنا خلفهم يتكرر الموقف، مما يؤكد أن هناك من يقودهم ويدلهم على هذه الأعمال .     

     عملية انتقالهم وحضورهم لمديرية الأمن: تبين أنهم ساروا حوالى ثلاثة كيلوا مترات، وبعد أن تفرقت المظاهرات .. وذهبنا إلى مكاتبنا، ما الذى جعلهم يعودون للتجمع فجأة أمام مديرية الأمن بهذا العدد الهائل، الذى يصل فى تقديرى إلى خمسة آلاف من جميع الجهات؟    

     الواقع أن كل هذه الأمور قد آلمت الشعب، وهو غير راضٍ عنها، ويطالب بأخذها بالشدة، ويعتبر هذه الأعمال من أعمال الخيانة . وأود أن أذكر أنه فى فترة من الفترات أثناء وقوفنا مع الطلبة، جاء شخص عادى من أفراد الشعب - يلبس جلباباً - وقال لى : " إلى متى تربتون على الطلبة هل سيستمر ذلك حتى يقضوا علينا؟ إذا لم توقفوهم فنحن على استعداد لوقفهم عند حدهم بالقوة.         

     أول أمس حاول عدد محدود من الطلبة ما بين 15 و 20 طالباً - فى مدينة المنزلة أن يتظاهروا، وهتفوا ضد قانون التعليم، فتصدى لهم الأهالى، وضربوهم، وفرقوا المظاهرة فوراً .     

     إن المدرستين الخاصتين اللتين تسببتا فى هذه المظاهرة لهما مصلحة فى هذا الإضراب، لأن أصحابهما مستقلون ومن تجار التعليم ، وطلبة المدرستين - كما نعرف جميعاً - من المخضرمين الذين يتراوح سنهم بين 20 و 27 سنة .     

     والشىء العجيب، أن المعهد الدينى لم يخرج فى اليوم الأول .. أما فى اليوم التالى فقد قاد المظاهرات وقام بالتخريب، وكانت الهتافات المعادية صادرة فعلاً من طلبة المعهد الدينى . إننى شخصياً رأيت وسمعت طالباً كفيفاً يهتف " إلى الأمام، أقبل .. أقبل .. ياديَّان " .     

     إن موقف اتحاد الطلبة فى نظرى كان فيه شىء من الميوعة، وأعتقد أنه كانت هناك سلبية تامة أثناء المظاهرات، وقد حَمَّل البعض الشرطة مسئولية ما حصل، وتنـاسوا كل شىء. وفى تصورى أنه لولا قيام الشرطة بضربهم فى النهاية لساءت النتيجة .. ولاحتـرق كل من بمديرية الأمـن، سواء من الضباط، أو الجنود، أو المـوظفين المدنيين. لقـد كانت الطريقة التى اتُّبِعت فى غاية الخطورة، وهناك من يحـاول التخفيف أو الاقـلال من قيمة ما حدث من تخريب .. وفى نظرى أنه ليس من الحق أو

 

 

 

 

من العدالة فى شىء القول بذلك . لقد كان بعض أعضاء اتحاد الطلبة منطقياً فى حـديثه فعلاً، وكان حديثهم معقولاً ومفهوماً، ولكن موقف الأغلبية فى نظرى يستوجب البحث والدراسة .

     وإننى أتساءل : هـل هم على مستوى المسئولية؟ وهـل هم قادرون على قيادة الطلبة؟ وهل هـم على فهم بحقيقة المـوقف العـام فى البلاد ؟ إننى اعتقد أنهم ليسوا أهلاً للقيام بالعمل المسند إليهم .

     وفى يوم الجمعة اتفقنا على أن تُشَـيَّع الجثث فرادى، ولكن اتحـاد الطلبة أصر على أن تُشَـيَّع مع بعضها .. فما هو الهدف من تشييع أربع جثث مرة واحدة .. إلاَّ أن يكون ذلك بقصد الإثارة؟ 

     أود أن أذكر أنـه فى يـوم الحـادث - وهـو يـوم الخميس - وصل بعد المغرب مباشرة السيد وزير العدل والسيد النائب العام للإشراف على التحقيق .. وبعد فترة وصل السيد أنور السادات والسيد عبد المحسن أبو النور، وقد وجدا أعضاء الاتحاد الاشتراكى مجتمعين .. فحضرا الاجتماع .. وناقشا العملية .. واتفقنا على الخطوات التى يجب أن تُتَّخذ .

     وفى يوم السبت وصل السيد وزيـر الشباب والسيد ضياء الدين داود، وكان لهما مجهود يشكر فى تهدئة بعض الناس .

     وليلة السبت وصلتنا معلومات بأن بعض طلبة الجامعة المشتركين فى التدريب العسكرى والذين يبيتون فى أحد المعسكرات ينوون القيام بحركة فى صباح السبت، فأرسلنا إليهم بعض أساتذة الجامعة، وبعض أعضاء الاتحاد الاشتراكى، وأقنعوهم بعـدم القيام بأى عمل . وفى هذه الفترة أمكن أن نَسحب إبر ضرب النار والسناكى من البنادق، وبذلك أصبحت غير صالحة لأى عمل، وقد اقتنعوا - ولله الحمد - ولم يقوموا بأى شىء .

     والذى أتصوره بالنسبة لحوادث الإضراب فى المنصورة، أنها إشارة البداية لتنفيذ مخطط مُعَدّ ومدروس ، وأن الحوادث التى سمعناها ورأيناها لَتُؤَكِّد أن هذه العملية كانت مدبرة .. وليست تلقائية أبداً، وأن هذه الاشارة هى إشارة البداية، وإذا لم تكن قد أطلقت من مدينة المنصورة .. فربما   كانت قد أُطلقت من أى مدينة أخرى .

     والذى أرجوه .. والذى يُطالب به الشعب، هو أن نوقف هؤلاء العابثين عند حدهم ، وأن تُتَّخذ الإجراءات الكافية حتى تبقى الجبهة الداخلية سليمة ، لأننى أعتقد وأُجزم أن هدف هذه العملية هو تفتيت الجبهة الداخلية، وتعرية قواتنا المسلحة الموجودة أمام العدو فى الميدان،   وأشكركم .

 

 

 

 

السيد / الرئيس :

     فى يوم الخميس راح السيد وزيـر العدل والنائب العام وحققوا فى حـوادث المنصورة، ونطلب من السيد محمد أبو نصير يكلمنا برضه باختصار عن التحقيق .

 

السيد / محمد أبو نصير ( وزير العدل ) :

     بعد ظهر يوم الخميس 21نوفمبر 1968، أبلغنى سيادة الرئيس بأنه قد حدثت بعض مظاهرات بمدينة المنصورة، وتبين وجود بعض القتلى، وطلب منى سيادته الانتقال إلى المنصورة للإشراف على التحقيق الذى تجريه النيابة العامة، للوصول إلى الحقيقة الشاملة فى هذا الشأن. وعلى إثر ذلك انتقلت إلى مدينة المنصورة واصطحبت معى السيد النائب العام، والسيد وكيل التفتيش القضائى، وأحد مفتشى النيابة العامة .. وتم التحقيق بحضورنا، وبإشراف النائب العام الذى تولى بنفسه أيضاً سؤال بعض الشهود. وقد أسفر التحقيق عن النتائج الآتية :

     1-  تبين أنـه كان قد حدث فى اليوم السابق وهو يوم الأربعاء الموافق 20 نوفمبر سنة 1968 تَجَمُّعْ من طلبة مدرسة الملك الكامل الثانويـة.. حيث خرج طلبة هذه المدرسة فى مظاهرة احتجاجاً على قوانين التعليم ، وانضم إليهم بعض طلبة المـدارس الأخرى ، غير أنه أُمكن للمسئولين بالمحافظة وبمديرية التربية والتعليم نصح الطلبة بفض المظاهـرة، على أن تُرفع مطالبهم إلى وزارة التربية والتعليم . وفعلاً صدرت فى نفس اليوم قرارات وزارة التربية والتعليم بتحديد فترة انتقالية لتنفيذ القوانين الجديدة، وبذلك أُزيلت أسباب الاحتجاج، ولم تُخطر النيابة بهذه الواقعة .

     2-  فى صباح يوم الخميس الموافق 21 نوفمبر سنة 1968، تجمع طلبة المعهـد الدينى بالمنصورة الذين لم يسبق لهم الاشتراك فى المظاهرة التى حدثت فى اليوم السابق -  واتجهوا فى شكل مظاهرة إلى مدرسة الملك الكامل الثانوية - القريبة من المعهد - لإخراج طلبة هذه المدرسة .

     وفى الساعة 8.45 صباحاً انتقل السيد محافظ الدقهلية إثر إخطاره بتظاهر الطلبة - وبرفقته السيد أمين عام الاتحاد الاشتراكى والسيد مدير الأمن - إلى مكان تجمع الطلبـة بمدرسة الملك الكامل الثانوية، بقصد محاولة إقناعهم بالعدول عـن الإضراب والعودة إلى الدراسة ، إلاَّ أنه لم يمكن إقناع الطلبة بفض التظاهـر، واستمروا فى مسيرتهم متجهين إلى المـدارس التى تقع فى دائرة المدينة ، ومنها: مدرسة الفلال، ومدرسة التربيـة الحديثة، والمدرسة الثانوية، ومدرسة العناية الإلهية، والكنيسة

 

 

 

 

المجاورة لها . وانتهت مسيرتهم إلى مدرسة ابن لقمـان - التى تقـع بشارع البحر - وكان الطلبة فى أثناء ذلك يلقون الأحجار على مبانى المدارس والمحلات التجارية فى الطريق، وكان بعضهم يردد هتافات عدائية ضد سياسة وزير التربية والتعليم، وبعض هتافات عدائية أخرى .

     وقد حاول السيد المحافظ ومرافقوه - بمعاونة مدير الأمن - متابعة المظاهرة وإسداء النصح إلى المتظاهرين بالتفرق. وأخيراً تمكن السيد المحافظ من إقناع المتظاهرين بالتفرق بالحسنى - منعاً من حدوث اشتباك، أو إثارة الشغب بالمدينة - وفعلاً أخذت الحالة فى الهدوء بعد أن وصلت المظاهرة إلى مدرسة ابن لقمان. واتجه بعض المتظاهرين إلى مبنى المحافظة، حيث قابلهم السيد المحافظ مرة أخرى، وأخذ فى الحديث معهم ناصحاً إياهم بالانصراف فى هدوء محافظة على الأمن، ومراعاة للظروف الحاضرة .          

     وبعد ذلك أخذ المتظاهرون فى التفرق، إلاَّ أنهم عادوا بعد حوالى ساعة إلى التجمع مرة ثانية أمام مبنى مديرية الأمن - القريب من مبنى المحافظة - وكانت الساعة قد بلغت حوالى الواحدة بعد الظهر، وتحولت المظاهرة بعد ذلك وأخذت شكلاً عدائياً عنيفاً، بأن أخذ المتظاهرون يهاجمون مبنى مديرية الأمن بإلقاء الأحجار ، ونزع أخشاب الأعمدة التى كانت مثبتة أمام المديرية ، واستخدامها فى محاولة اقتحام المديرية بالقـوة، كما أشعل المتظاهرون النار فى بعض هذه الأخشاب أمام مبنى المديرية، وأتلفوا بعض السيارات الحكومية، وأكشاك الحراسة الخشبية المثبتة أمام المديرية، وازدادت هتافاتهم العدائية وضوحاً .

     3-  لم يستطع مدير الأمن مواجهة هذا الموقف من المتظاهرين - الذين إزداد عددهم حتى بلغ خمسة آلاف شخص - فاستعان بالسيد المحافظ الذى حضر إلى المديرية، وبرفقته أمين الاتحاد الاشتراكى ووكيل المعهد الدينى، بقصد إسداء النصح للطلبة بالتفرق، ولكنهم عجزوا عن مواجهة ثورة الطلبة، ولم يستمع المتظاهرون إلى نصحهم، وأخذ الموقف يتصاعد باستمرار، بسلوك المتظاهرين مسلك العنف، ومحاولة اقتحامهم مبنى المديرية .

     وفى ذلك الوقت كان اتصال السيد مدير الأمن مستمراً بالسيد وزير الداخلية، وكانت التعليمات التى تصدر إليه تقضى بمحاولة تفريق المتظاهرين بالحسنى، وعدم تعرض قوات الشرطة لهم، واصطدامها بهم .

     ولَمَّا بدأ الموقف يزداد خطورة، بمحاولة المتظاهرين اقتحـام مبنى المديرية وإشعـال النار بـه ،

 

 

 

 

وما صحب ذلك من أعمال عنف .. ولَمَّا بدا العجز أيضاً واضحاً فى تفريق المتظاهرين بالوسائل السلمية، أو باستعمال القنابل الصوتية، أعلن مدير الأمن بواسطة ميكروفـون من داخـل مبنى المديرية تحذيراً للمتظاهرين .. وهددهم باستخدام القوة وإطلاق النار ، وحدث فى هذه الأثناء إطلاق الأعيرة النارية .. وأعقب ذلك تفرق المتظاهرين وابتعادهم، وقد أسفر ذلك عن إصابة بعضهم، ومنهم أربعة أُصيبوا بأعيرة نارية وتوفوا على الفور ، وتم نقلهم بواسطة سيارات الإسعاف من الميدان المواجه للمديرية إلى المستشفى الأميرى .

     4-  قرر السيد مدير أمن الدقهلية - فى التحقيق - أنه فور إخطاره بتجمع الطلبة، انتقل مع السيد المحافظ إلى مكان تجمع الطلبة - بالقرب من مدرسة الملك الكامل - وبرفقته المسئولين من رجال الأمن، الذين كانوا يحاولون الحفاظ على الأمن بإقناع المتظاهرين بالتفرق. ثم عاد إلى مكتبه بمديرية الأمن للاتصال بوزارة الداخلية وإخطارها بالموقف، وهناك اتصل بـه تليفونياً السيد نائب مدير الأمن - الذى كان يرافق السيد المحافظ - وأبلغه بأن السيد المحافظ تمكن من إقناع المتظاهرين بالانصراف وأن الحالة قد هدأت .

     وأضاف أنه فى حوالى الساعة الواحدة شاهد تجمع المتظاهرين - مرة أخـرى- فى الميدان المواجه لمبنى المديرية بأعداد كبيرة، حيث أخذ المتظاهرون فى إلقاء الحجارة ومحاولة اقتحام المبنى، فاتصل بالسيد المحافظ وأخطره بذلك .. وقام هو من جانبه - بمساعدة رجال الشرطة -  بمحاولة تهدئة الحالة. ولما حضر السيد المحافظ ومعه أمين الاتحاد الاشتراكى ووكيل المعهد الدينى، ولم يتيسر السيطرة على الموقف، قام بإخطار السيد وزير الداخلية تليفونياً، فأمره السيد الوزير بإطلاق أعيرة رش فى الهواء لإرهاب المتظاهرين ومنعهم من اقتحام المديرية، فقام هو من جانبه بتوجيه تحذير للمتظاهرين من ميكروفون مهدداً باستعمال القوة وإطلاق النار. وقد نفى السيد مدير الأمن بأنه أصدر أمراً إلى قواته بإطلاق النار .

     5-  شهد الشيخ محمد فخر الدين عبد العظيم - وكيل المعهد الدينى - أنه توجه إلى المعهد فى الساعة 8.35 صباحاً، غير أنه فى هذا اليوم لم يحضر إلى المعهد أكثر من خمسين طالباً، مما دعاه إلى الاعتقاد بأن الطلبة قد تغيبوا لسفرهم إلى بلادهم بمناسبة شهر رمضان .. مع ملاحظة أن طلبة المعهد يبلغ عددهم حوالى ألفى طالب .. وشهد بأنه لم يرى تجمعاً للطلبة خارج المعهد، ولم يَعرِف بالمظاهرة التى قام بها طلبة المعهد وَتوَجَّهَت إلى مدرسة الملك الكامل الثانوية ، إلى أن استُدْعَى تليفونياً

 

 

 

 

حوالى الساعة 12 ظهراً لمقابلة السيد المحافظ بجوار مدرسة ابن لقمان، فتوجه إلى هناك .. حيث رأى فى الطريق جموعاً من الطلبة تسير قادمة من اتجاه مدرسة ابن لقمـان ، فأدرك أن هناك تظـاهراً من الطلبة بالقرب من هذا المكان، حيث كانت هناك قوات من الشرطة فى الشوارع. وبوصوله علم أن السيد المحافظ عاد إلى مكتبه، فتوجه إلى مبنى المحافظة حيث قابل السيد المحافظ، وعلم منه أنه دعاه لحضور اجتماع مع نظار المدارس. وأثناء وجوده بالمحافظة علم بأن المتظاهرين تجمعوا مرة ثانية أمام مبنى مديرية الأمن، فرافق السيد المحافظ إلى مكان تجمع الطلبة أمام مبنى المديرية .. وهناك وجد أعداداً كبيرةً من الطلبة وبينهم بعض الأهالى .. قدر عددهم بحوالى خمسة آلاف، وشاهد فعلاً بعضهم يقذف مبنى المديرية بالحجارة، ويخلع القوائم الخشبية المثبتة أمامها ، كما شاهد حريقاً مشتعلاً فى الميدان المواجه للمديرية، وسمع طلقات لم يتبين مصدرها، كما سمع هتافات لم يستطع تبينها بسبب كثرة الجموع. وذكـر فضيلته أنه فهم فى أثناء وقوفه مع المتظاهرين ومع السيد المحافظ، أن الطلبة يطالبون بالإفراج عن زملائهم المقبوض عليهم . كما ذكر أنه أمكنه الدخول مع السيد المحافظ إلى مبنى المديرية .. حيث صعد إلى غرفة المدير وأطل من الشرفة، فوجد أن الجموع قد تفرقت، وظل بها إلى أن هدأت الحالة، ثم غادرها إلى منـزله .

     6-  قامت النيابة بحصر عدد المصابين من المتظاهرين ومن رجال الشرطة، وتحقيق أسباب إصابتهم، وقد ظهر من ذلك ما يأتى :

        أ )  أسفر الحادث عن وفاة أربعة أشخاص هم :

          ـ  عبد الرحمن عبد الرحمن متولى البشبيشى ( طالب بمدرسة على الفلال الثانوية ) .

          ـ  أبو العينين عبد الوهاب على حسب الله  ( طالب بمدرسة الملك الكامل الإعدادية ) .

          ـ  المعصراوى عبد العليم أحمد العراقى  ( طالب بالمدرسة الصناعية الثانوية ) .

          ـ  عبد المسيح سليمان فايد  ( مزارع مقيم بالمنصورة بالقرب من مبنى مديرية الأمن ) .

             وقد تبين من تشريح جثث القتلى ، أن كلاً منهم أصيب بعيار نارى معمر بمقذوف مفرد         من سلاح نارى ذى سرعة عالية، وقد كُلِّف الطبيب الشرعى بفحص البنادق الخاصة بمديرية    أمن المنصورة - التى كان يحملها بعض أفراد قوات الشرطة - لمعرفة ما إذا كانت إصابات المجنى عليهم يمكن حدوثها من مثل هذه البنادق، وما إذا كان بعضها أُطـلق فى وقت يتفق مع وقت الحادث؟.. ولم ترد نتيجة هذا الفحص بعد . وقد تبين من التحقيق أن جثث القتلى

 

 

 

 

         نُقلت إلى المستشفى الأميرى، من الميدان المواجه لمبنى مديرية الأمن،  وقامت سيارات الإسعاف بنقل ثلاث جثث. ونقلت الجثة الرابعة بواسطة إحدى سيارات الأهالى .

             كما أسفر الحادث أيضاً عن إصابة 32 شخصاً من المتظاهرين : منهم 4 من الطلبة أصيبوا بأعيرة نارية وحُجزوا بالمستشفى للعـلاج ، أما باقى المصابين وعددهم 27 شخصاً ، فبعضهم من الطلبة والبعض الآخر من الأهالى ، وقد أصيبوا بإصابات رَضِّية بسيطة ، وبارحوا المستشفى على الفور بعد إسعافهم .

        ب )  أُصيب من رجال الشرطة 9 من كبار الضباط، من بينهم اللـواء / أحمد حسن الصبان ( نائب مدير الأمن )، والعميد / محمد محمد عيد ( مساعد مدير الأمن ) ، والعقيد / محمد زكريا طلعت، والمقدم / محمد السيد المصرى، والمقدم / السيد عبد الواحد جاد . كما أصيب 14 جندياً من الشرطة، وجميع إصاباتهم رَضِّية نتيجة قذف الحجارة واستعمال العصى .

     7-  ظهر من التحقيق أن قوات الشرطة تمكنت - أثناء سير المظاهرة فى طرق مدينة المنصورة، وأثناء تجمعها أمام مبنى مديرية الأمن - من القبض على 27 شخصاً من المتظاهرين .. جميعهم من طلبة المعاهد والمدارس، ومـن بين المقبوض عليهم 4 قبض عليهم بمعرفة الرائد/ إسماعيل أمين ( رئيس المباحث الجنائية ) أمام مبنى مديرية الأمـن، وكانوا يشتركون فى أعمال العنف ويحرضون عليها وعلى الاستمرار فى المظاهـرة ، كمـا كان يتولى التحريض على التظاهر وقيادة الهتافات العدائية شخص ضـرير .. تم القبض عليه بعـد يومين ، وهـو عبد العظيم سليمان إبراهيم ، وتبين أنه من طلبة المعهد الدينى ، وقـد شهد عليه اثنان من رجال التعليم، واثنان من رجال البوليس، كما أنه شخصياً اعترف بتحريضه على التظاهر وعلى قيامه ببعض الهتافات العدائية، وأنكر قيامه ببعض الهتافات الأخرى .

     8-  قامت النيابة بمعاينة مبنى مديرية الأمن والميدان المواجه له، وظهر من المعاينة وجود تلفيات جسيمة بمبنى المديرية، عبارة عـن: تكسير لجميع المصابيح الكهربائية المثبتة بالسور الخارجى ولزجاج المبنى ، ونزع القوائم الخشبية التى كانت مركبة أمام المبنى ومثبتاً بها أعلام - احتفالاً بشهر رمضان - وتكسير بعضها، ونزع قطع من حديد البوابة العمومية، وإتلاف كُشْكَىِ الحراسة .

     كما تم حصر أبنية المدارس والمحلات العامة، التى تعرضت لإتلاف المتظاهرين ، وهى عبارة عن : 20 مدرسة من المدارس : الثانويـة، والإعداديـة، والصناعية، والتجاريـة، والخاصة، ومبنى مكتب

 

 

 

 

بريد، ومحل حلوى، ومحل حلاقة .. وقد حدث بها جميعاً تلفيات للزجاج والأبواب نتيجة قذف الأحجار .

     وقد تبين من خلاصة التحقيق - الذى تم للآن - أنه لم يكن هناك مبرر لاحتجاج الطلبة وقيامهم بالتظاهر فى يوم الحادث، بعد زوال الأسباب التى دعت إلى احتجاجهم على قوانين التعليم، بتعبيرهم عن رأيهم فى اليوم السابق .. وتَدَخُّل السيد المحافظ .. واستجابة المسئولين .. وإعلان تنظيم فترة انتقالية لتطبيق قوانين التعليم، بعدم سريانها على الامتحانات العامة لهذا العام . ولم يسفر التحقيق عن تحديد السبب الحقيقى لتحريض الطلبة على القيام بهذه المظاهرة، التى بدأت تتحرك من طلبة المعهد الدينى ، مع ملاحظة أن هؤلاء الطلبة لم يشتركوا فى المظاهرات التى وقعت فى اليوم السابق .

     كما تبين أن السيد المحافظ والمسئولين بالمحافظة عملوا جهدهم لنصح المتظاهرين وتفريقهم بالحسنى، ولم تقم قوات الشرطة باستعمال العنف مع المتظاهرين فى مسيرة المظاهرة، رغم ما بدا من المتظاهرين من استعمال العنف، وقذف المدارس والمحلات العامة بالحجارة، وذلك تنفيذاً للتعليمات الصادرة بعدم تعرض الشرطة للمظاهرة .

     وقد نجح السيد المحافظ - كما ثبت من التحقيق - فى إقناع المتظاهرين بالتفرق بالحسنى حتى يترك فرصة للمسئولين لدراسة مطالبهم، وبدأت جموعهم تتفرق فعلاً بعد وصول المظاهرة إلى مدرسة ابن لقمان واجتماعهم بالسيد المحافظ .

     وقد قام رجال الشرطة بالقبض على بعض المتظاهرين .. أثناء سير المظاهرة فى المدينة ، ويبدو أن هذا الإجراء استُغِلَّ بسوء نية من بعض الأفراد ، وذلك عن طريق إطلاق شائعات عن وقوع عدد   من القتلى، والقبض على الكثيرين من الطلبة، مما استثار جموع الطلبة، فتوجهت هذه الجموع إلى مبنى مديرية الأمن، وتجمعت مرة ثانية هناك بدعوى المطالبة بالإفراج عن المقبوض عليهم. وهناك بدأ المتظاهرون فى استخدام العنف - بصورة واضحة - محاولين اقتحام مبنى المديرية، حتى أن السيد المحافظ والسيد وكيل المعهد عَجَزَا عن تهدئة ثورتهم. وأخذ الموقف يتطور بسرعة، مما جعل الزمام يفلت من أيدى المسئولين، فحدث الاشتباك الذى أدى إلى قتل وإصابة بعض المتظاهرين .

     وقد شهد وكيل المعهـد الدينى - فى التحقيق- بأن جموع المتظاهرين كانوا يستخدمون العنف، بالاعتداء على مبنى المديرية وإشعال النار فى بعض الأخشاب، مطالبين بالإفراج عن المقبوض عليهم .

     ولم يسفر التحقيق عن تحـديد شخصية من أطلـق الأعيرة الناريـة، التى نتج عنها وفاة وإصابة

 

 

 

 

بعض المتظاهرين . وقد أمرت النيابة بفحص جميع الأسلحة النارية التى كان يحملها رجال الشرطة لإمكان الوصول إلى الحقيقة .

     وجدير بالذكر، أن موقـف رجـال الشرطة فى مواجهة هـذا التظـاهر الجسيم - الذى كان يهدف إلى اقتحام مبنى مديرية الأمن - كان يستوجب عليهم المحافظة على مبنى المديرية ومنع المتظاهرين مـن اقتحامه، بمـا فى ذلك إطلاق النار - فى حالة الدفاع - لفض المظـاهرة إذا لزم الأمر . وسوف يتم تقدير هذا الموقف بصفة نهائية بعد استكمال جميع عناصر التحقيق الذى ما زال مستمراً،   وشكراً .

 

السيد / الرئيس :

     بعد الاطلاع على نتيجة التحقيق يوم الجمعة أنا لَمَّا بعثت وزير العدل، قلت له : " أنا عاوز أعرف حقيقة ما حصل " .. هو رجع يوم الجمعة .. راح يوم الخميس بالليل ورجع يوم الجمعة، كذلك السيد أنور السادات والسيد عبد المحسن أبو النور .. رجعوا يوم الجمعة . وبعد الاطلاع على هذا، طلبت السيد وزير الداخلية، وقلت له : " إن أوامر منع المظاهرات يجب أن تطبق تطبيقاً كاملاً، ولا يمكن ان احنا نترك الأمور حتى تتفاقم بهذا الشكل ". الحقيقة مافيش داعى ان وزير الداخلية يتكلم عن المنصورة .. لأن كل الحقائق اتقالت، وفى الآخر حاخليه يتكلم عن الإسكندرية برضه . أَفَضَّل إننا نبتدى بالسيد وزير التعليم العالى يدينا فكرة عن اللى حصل فى الإسكندرية وفى القاهرة .. فى الجامعات فى يوم السبت .

 

السيد / وزير التعليم العالى :

     السيد الرئيس .. السادة الأعضاء ، بعد البيانات التى سمعناها عما حدث فى المنصورة حتى يوم الخميس، ويبدو أن المسألة لم تنته بأحداث المنصورة يوم الخميس .. فقد حدث اتصال بين المنصورة وبين الإسكندرية .. وأعضاء من اتحاد طلاب هندسة إسكندرية. وبعض طلاب الهندسة أيضاً اتفقوا على أنه يجب أن يعقدوا اجتماعاً عاماً فى صباح يوم السبت فى كلية الهندسة،  وأن يكون ذلك فى هيئة مؤتمر، لبحث ما أسموه بأحداث المنصورة .

     وعندما علمنا يوم الخميس ليلاً بما حدث فى المنصورة، قضينا اليوم فى الاتصال بزملائنا هنا فـى

 

 

 

 

جامعتى القاهرة وعين شمس، لشرح الموقف لمنع حدوث أى مضاعفات فى القاهرة .

     وفى الإسكندرية، علمت فجر يوم السبت بالاتفاق الذى أشرت إليه الآن ، وهـو أن طلاب الهندسة يعتزمون عقد اجتماع عام لبحث هذا الموضوع. ومن الصباح الباكر يوم السبت كان رجال الجامعة وحرس الجامعـة مستعدين لمنع مثل هـذا التجمهر، وفعلاً بدأ الطلبة يعلقون إعلانات فى كلية الهندسة .. وبـدأ المسئولون يقنعونهم بأنه لا داعى لهذا التجمع، ولكن الواضح - فى تقديرى - أن الإصرار على هذا الاجتماع كان استمراراً لما حدث فى المنصورة .

     وعقب اجتماع فى المدرج، واجتمع معهم العميد .. وتكلموا كثيراً، وكان كلامهم منصباً فقط على موضوع تعرض البوليس للطلاب فى المنصورة، ولم يكن منصباً على أية مسألة موضوعية أخرى. ثم قرروا أن يخرجوا فى مظاهرة - أو مسيرة كما يسمونها - ليعبروا عن رأيهم. وقد حاول المسئولون إفهامهم أنه لا يجوز إطلاقاً الخروج فى مظاهرة .. إلاَّ أنهم ركبوا رؤوسهم وخرجوا من كلية الهندسة قاصدين كلية الزراعة - وهى أقرب كلية لهم - ليُكملوا المسيرة أو المظاهـرة . وكان لدى البوليس كما قال السيد الرئيس الآن أوامر بعدم السماح بالتظاهر، ونصحهم بالعودة، إلاَّ أنهم لم ينتصحوا، فقام بتفريق المظاهرة بالعصى وقبض على 3 أو 4 ، من بينهم رئيس أو أمين اتحاد كلية الهندسة بالإسكندرية، وكان فى مقدمة هذه المظاهرة. وعندما فرقهم البوليس جروا ودخلوا ثانية مبنى الكلية، وقرروا أن يمكثوا فيها ويعتصموا بها، وأصدروا قراراً أو منشوراً بعدة قرارات أو طلبات ، من ضمنها الاحتجاج على تصرفات البوليس ، ثم طلبات أخرى خاصة بحرية الصحافة والحريات العامة ، ودخلوا فى المسائل الأخرى التى كانت قد أُثيرت من قبل .

     وفى هـذه اللحظة وصل إلى الكلية السيد المحافظ، ليجتمع معهم وليبحث المسألة، وكان استقبالهم وتصرفهم سيئاً، سواء مع السيد محافظ الإسكندرية، أو مع رؤسائهم فى الجامعة مدير الجامعة،  ووكيل الجامعة، وأمين الجامعة والمسئولين الذين توجهوا لنصحهم، والتحدث إليهم، والتفاهم معهم. وبعد فترة أُمكن للمحافظ أن يتغلب على هذه الصعوبة، فاجتمع معهم فى المدرج الكبير .. وقد كان تصرف الطلبة غير كـريم .. ولم تكن المناقشة ممكنة فى الاجتماع الذى حدث فى المدرج، فطلب السيد المحافظ أن يجتمع بأعضاء الاتحاد .. وقد اجتمع معهم فعلاً - من الظهر حتى المغرب - ليتعرف على مطالبهم، وعما إذا كانت لهم طلبات إيجابية، فلم يكن هناك غير ما ذكرته لحضراتكم، وهـو الاحتجاج أو الاعتـراض على تصـرف الشرطـة مع الطـلاب فى المنصورة ،

 

 

 

 

وبعض الطلبات الأخرى المعادة، التى ليس لها مدلول حقيقى .

     واستمرت هذه الاجتماعات .. وكانت المسألة تتحرج ساعة بعد ساعة، وبدأ الطلاب يكتبون ، ويطبعون، ويوزعون المنشورات : منشور رقم ( 1 )، ومنشور رقـم ( 2 )، وصدر بعضها بإسم اتحاد طلاب الإسكندرية، وبعضها باسم اتحاد طلاب هندسة الإسكندرية، واتحاد طلاب تجارة الإسكندرية واتحاد طلاب زراعة الإسكندرية، وتوالت المنشورات .

     وكانت الظاهرة السيئة أن المنشورات وزعت بالليل أمام مبنى كلية الهندسة فى الشارع، وفى الشوارع المحيطة، ثم الأحياء المجاورة، ثم الأحياء البعيدة، وعلى نطاق واسع فى محافظة الإسكندرية كلها بالليل .. رغم كل الجهود والاتصالات التى بُذلت.. وشَرْح الظروف التى تمر بها البلاد - طوال النهار، ثم بعد المغرب حتى منتصف الليل - من أعضاء هيئة التدريس، ومن الأساتذة المحتكين بالطلاب .. والذين يحبهم الطلبة، إلاَّ أنه كان هناك صد غريب، نتيجة للإثارة من عدد من الطلاب، كما حدث فى المنصورة .. وسمعناه من السيد أمين محافظة الدقهلية ، فقد كانت هناك مجموعات تمنع - أو تحاول أن تمنع دائماً - الوصول إلى تهدئة أو اتفاق لإنهاء الموضوع، وبالتالى فشلت كل   المحاولات لإنهاء الاعتصام .. الذى قـرروا الاستمرار فيـه إلى أن تجاب مطالبهم، وهى - كما قلت لحضراتكم - مطالب غير إيجابية، ولا تتضمن ما يستحق أن يدور التفاهم حوله .

 

السيد / الرئيس :

     عددهم كان قَدّ إيه؟

 

السيد / وزير التعليم العالى :

     إن المدرج الكبير يتسع لحـوالى 1000 أو 1200 طالب، وعدد طلاب كلية الهندسة يبلغ حوالى 6000 طالب .. وفى يوم السبت كان العدد الموجود بالمدرج يختلف من وقت لآخر، فكان بعض الطلبة يغادرونه، ثم يفد إليه طلبة آخرون من كلية الزراعة. وفى المساء كان المعتصمون حوالى 250 أو 300 طالب، وكان بعض الطلبة ينضمون إليهم من كلية الزراعة، حتى زاد العدد إلى حوالى 400 أو 500 طالب، ثم هبط إلى حوالى 250 طالباً . والذين قضوا أول ليلة فى الاعتصام حسب تقديرنا - هم حوالى 250 أو 300 طالب فى كلية الهندسة .

 

 

 

 

     وفى المساء كان الموقف متحرجاً، وطلب السيد مدير الجامعة وقف الدراسة وإغلاق الجامعة، لأنه كان يتوقع أنه سيكون هناك امتداد لهذه الشرارة فى اليـوم التالى، ورأى استعمـال حقه القانونى فى وقف الدراسة .. باعتبار أن هذا هو أسلم الأمور. وقد اجتمعنا فى المساء وتشاورنا مع مديرى الجامعات الأخرى للوصول إلى الحل السليم، لأنه كانت قد بدت بعض بادرات - ولو أنها خفيفة - فى جامعتى القاهرة وعين شمس، أَوْضَحْت أنه من الجائز أن تحدث مضاعفات صباح يوم الأحد، أو قد تكون هناك اتفاقات على ذلك، فقد وقعت يوم السبت صباحاً حادثتان : إحداهما فى جامعة القاهرة، والأخرى فى جامعة عين شمس :

     ففى جامعة القاهرة، حدث أن اثنين من الطلاب دعوا إلى اجتماع فى كلية الهندسة، فى مدرج يسع حوالى 400 طالب، فحضر فعلاً هذا العدد .. وعدد طلاب هندسة القاهرة بهذه المناسبة يبلغ حوالى 7000 طالب، وقد أوضح الطالبان حقيقة ما حدث فى المنصورة .. وأن الإشاعات التى انتشرت غير حقيقية، ولكن فى اجتماع كهذا، لا يمكن لطالب أو اثنين أن يسيطرا عليه لمدة أربع ساعات، ولهذا صدرت عن هذا الاجتماع توصيات وقرارات معينة، وبدأ الزمام يفلت من أيدى الطلبة الذين دعوا إلى هذا الاجتماع، وقرر الطلبة أن يرسلوا قراراتهم إلى الصحف للنشر، وتمسكوا بضرورة نشرها، مع تشكيل لجنة متابعة لهذا الغرض، وعلى أن يعودوا للاجتماع صباح اليوم التالى للوقوف على ماتم، والتصرف إزاء عدم النشر .. ومثل هذه الأعمال تدل دلالة واضحة على عدم النضج السياسى، والتهور، والإثارة .

     إذاً كانت النية مبيتة لعقد اجتماع آخر صباح يوم الأحد فى هندسة القاهرة، وكانت هندسة عين شمس هادئة، إلى أن حضر إليها مندوبون وأبلغوا زملاءهم أنه قد قُبِضَ على مدرس فى كلية الآداب بجامعة عين شمس. وحقيقة الموضوع أن هناك أستاذاً متهماً فى قضية معينة .. وهى قضية طبع وتوزيع منشورات، وقد قبض عليه وأُجْرِىَ التحقيق معـه، واعترف بمسئوليته عـن ذلك. وقد عالجت كلية الآداب هذا الموضوع بحكمة، لأن عميد الكلية اصطحب وفداً من الطلاب، وقابل السيد وزير العدل والسيد النائب العام، وسألوه عن حقيقة الموضوع، فنفى أنه اعْتُقِلَ .. إنما أُجْـرِىَ معه تحقيق، وقُبِضَ عليه بتهمة طبع وتوزيع المنشورات .. التى اعترف بأنه مسئول عنها من البداية إلى النهاية .

     هاتان هما الحادثتان اللتان وقعتا فى جامعتى القـاهرة وعين شمس، واللتان جعلتا مديرى الجامعات يقررون وقـف الدراسة بجميع الجامعات وليس بجامعـة الإسكندريـة فقـط- حـتى 

 

 

 

 

لا تمتد الشرارة إلى الجامعات الأخرى . 

     وفى يوم الأحـد استمر الاعتصام ، وكان قـد اتُّفِقَ على أن يُضرب حصار حول كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، لمنع الاتصال بالطلبة فى الداخل ، وبذل مزيد من المحاولات لإقناعهم بالعدول عن الاعتصام. لكن لسبب أو لآخر، لم يكن الحصار كاملاً حول هذه الكلية - المترامية الأطراف - فتسلل إليها بعض الطلبة فى الصباح، وبدأت الإضطرابات من جديد، لأن عدد من كانوا داخل الكلية وصل إلى 1000 أو 1200 طالب من كليات أخرى .. وبالأخص من كليتى التجارة والزراعة .

     واستمرت الاجتماعات .. واستمرت الإثارة، إذ لجأ الطلبة إلى تركيب مكبر للصوت وإذاعةٍ داخلية، وكان الصوت يصل إلى أهالى حى باب شرقى، فحدثت تجمعات خارج كلية الهندسة أيضاً. طبعاً كانت الوسيلة لمنع ذلك هى قطع التيار الكهربائى ، لكن رؤى عدم الالتجاء لذلك ، لأن الطلبة كانوا داخل الكلية والظلام قد حل، ثم إن الطلبة رأوا أن يستعيضوا عن التيار الكهربائى بإشعال بعض الأخشاب والأوراق .. أى أن المسألة كانت محرجة. واستمرت المنشورات والإثارة .. واستمر الأساتذة طوال اليوم يناقشون الطلبة فى مجموعات صغيرة وكبيرة، ولكن الطلبة - بزعامة فئة منهم - أصروا على الاستمرار فى الاعتصام، والتحدى، والشغب.

     يوم الأحد فى القاهرة، لم يكن هناك شئ إلاَّ فى الصباح، عندما توجه الطلاب إلى الجامعات فوجدوها معطلة، وكانت جامعة عين شمس هادئة نسبياً. وفى جامعة القاهرة تجمع الطلاب عند مدخل الجامعة وعند كوبرى الجامعة، وأصرّوا على البقاء والتجمّع، وكان هؤلاء يعتزمون عقد اجتماع فى صباح ذلك اليوم، واضطر البوليس إلى تفريقهم واعتقال البعض منهم، وهم من كانوا يتزعمون حركة الاعتصام فى الشارع - هذه المرة - عند كوبرى الجامعة . وانتهى الموضوع عند هذا   الحد فى جامعة القاهرة .. لأن الدراسة كانت قد عُطِّلت، ولم يكن فى استطاعة أحد الوصول إلى الجامعة .

     وفى الإسكندرية كان الوضع مختلفاً - حسبما تعلمون حضراتكم - لأن الطلاب الذين توجهوا إلى هندسة إسكندرية فى الساعة السادسة صباحاً، وجدوا أن الحصار محكم حول الطلبة ، ولم يستطع أحد دخولها ، وكان بداخلها حوالى 200 أو 250 طالباً معتصمون، ويقال إن بعض هؤلاء الطلاب الذين لم يتمكنوا من الدخـول، انتشروا فى المدينة لإثارة الطلاب الآخرين والأهالى وهذا موضوع

 

 

 

 

محال إلى التحقيق مما أدى إلى وقوع الأحداث التى نشرت فى الصحف. وقد شملت هذه الحركة أجزاء كبيرة فى مدينة الإسكندرية، مما اضطر معه السيد المحافظ - وكنا نتفق معه - إلى ضرورة استعمال القوة لإنهاء هذا الاعتصام والتحـدى. واستمر العميد والأساتـذة مع الطلبة طوال النهار لإقناعهم بذلك دون جدوى .. وقبيل المغرب تركوهم معتصمين، بعد أن أبلغوهم أنهم ليسوا مسئولين عما قد يحدث لهم - باعتبارهم عصاة خارجين على القانون - وسيترك أمرهم للسلطات المسئولة لتأديبهم .

     وربما كان لهذا التهديد - مع حلول موعد الإفطار .. مع قطع التيارات الكهربائية عن المبنى - أثره، مما جعل الطلبة ينهون الاعتصام، وغادروا الكلية حوالى الساعة السادسة والنصف مساء . ثم توجه وفد منهم - من اتحـاد الطلاب للاجتماع مـع السيد المحـافظ الساعـة الثامنـة مساء .. وكان ما دار فى هذا الاجتماع غريباً فى الواقع حسب مـا علمت من السيد المحـافظ - فكان اتحاد الطلاب يحاول تبرير موقفـه .. بأن يوهموا السيد المحافظ أنهم حـاولوا جهدهم لتهدئة الطلاب طوال اليومين السابقين، ولولا وجودهم لحدثت مضاعفات كبيرة . وطبعاً هذا مجرد تبرير للموقف بعد انتهاء الاعتصام .

     والحقيقة، أن الواضح من هذه الصورة - فى نظرى - أن اتحاد الطلاب إما أنه ليس له فاعلية، بالنسبة لقيادة الطلاب فى جامعة الإسكندرية، وإما أنه كان يشترك مع العناصر المضادة، أو كان يدعى بأنه يحاول إقناعهم بإنهاء هذا العصيان.. كما أسميه. وبالتالى فإن التنظيم الطلابى .. والعمل بين الطلاب، يحتاج إلى مراجعة شاملة، لأنه - على هذه الصورة - اتضح أنه غير فعال بالمرة . وقد بدأوا يتنصلون من مسئولية هذا العصيان، فهم يعقدون الاجتماعات فى الإسكندرية، والقاهرة، وغيرها، ويصدرون بيانات تدعوا إلى الوحدة الوطنية وغير ذلك. وقـد وصلتنى بعض نماذج من هذه البيانات منذ نصف ساعة، ولم أطلع عليها بعد بالكامل، لكن الملاحظ أنها جميعاً غير جدية .. وغير صريحة، وليس بها دليل حزم .. أو رجولة .. أو تحمل مسئولية، بل بالعكس كلٌ يحاول أن يبرر ما حدث .

     ومن ناحية أخرى، كانت هناك بعض تجمعات بسيطة فى الزقازيق ، ولم تكن لها فاعلية كبيرة .. فقد اجتمع فى الزقازيق بعض طلاب المعاهد العليا والمدارس مع السيد المحافظ، وأقنعهم أنه لا يوجد أى مبرر للاجتماعات، والتحدى، أو الإثارة، لأن موضوع التعليم قـد حُـلَّ، ولا داعى للمبالغة فى موضوع المنصورة .

 

 

 

 

     والوضع الآن هادئ من ناحية النظام، والدراسة معطلة بالجامعات، ونحن فى انتظار نتيجة التحقيق فى حوادث الإسكندرية، فهل ستنير لنا الطريق، وتوضح ما إذا كانت المسألة مجرد إظهار شعور، أو أن وراءها دوافع أخرى؟ وهذا ما سيظهره التحقيق الذى يجرى فى الوقت الحاضر بالإسكندرية .  وكما قلت : إن نظام اتحادات الطلاب، ورعاية الطلاب يحتاج إلى مراجعة،   مع الشكر .

 

السيد / الرئيس :  

     السيد / أمين الإسكندرية .

 

السيد / عيسى عبد الحميد شاهين ( أمين محافظة الإسكندرية ) :

     السيد الرئيس .. السادة الزملاء ، فى مساء يوم الخميس علمنا بأحداث المنصورة، فعقدنا اجتماعاً فورياً مع تنظيمات الاتحـاد الاشتراكى بالمحافظـة ، لاتخـاذ إجـراءات تتواءم مع مواجهة الموقف، وما قد يحدث فى المدارس الثانوية، والمعهد الدينى ، والجامعات .

     وفى نفس الليلة تم اللقاء بين رجال الأقسام والوحدات الأساسية بالمدارس الثانوية والمعهد الدينى.      وفى نفس المساء أيضاً - نظراً لتغيب أمين قسم الجامعة عن حضور الاجتماع - تم الاتصال بالسيد مدير الجامعة لإحاطته علماً بالموقف، ورجوته اتخاذ الاستعدادات اللازمة لمواجهة ما قـد يستجد يوم السبت .

     وفى يوم الجمعة تم اجتماع آخر مع نقابة المعلمين بالإسكندرية، ونشطت النقابة وقامت بحركة سريعة خلال هذا اليوم، كان من نتيجتها أن انتظمت الدراسة بالمدارس الثانوية والمعهد الدينى يوم السبت، وكذلك يوم الأحد فى الفترة الصباحية. وعند انصراف طلبة الفترة الصباحية من المدارس الثانوية قام بعضهم بالتظاهر، ولكن تم تفريق هذه المظاهرات .

     أما فيما يختص بما حدث فى كلية الهندسة، فقد علمنا صباح يوم السبت أن بعض طلبة كلية الهندسة كانوا قد سافروا إلى المنصورة وعادوا مساء الجمعة، وعلمنا أنهم سوف يكونون مصدر إثارة لطلبة كلية الهندسة. وفى نفس الوقت حضر رئيس اتحاد طلاب الجمهورية ومعه فريق من أعضاء هذا الاتحاد إلى الإسكندرية أيضاً .

     واتصلت صباح ذلك اليوم .. كما اتصل السيد المحافظ.. بالسيد مـدير الجامعـة والسيد عميد

 

 

 

 

كلية الهندسة، وأخطرناهما بأن التظاهر ممنوع قطعياً، وغير مسموح به فى الشوارع، وأن للطلبة أن يعقدوا مؤتمراتهم داخل كلياتهم، وذلك لتلافى تكرار ما حدث فى المنصورة .

     وبعد أن استمعتم حضراتكم إلى بيان السيد وزير التعليم العالى، فإننى أتشرف بعرض الأحداث كما عشتها لحظة بلحظة، خلال الأيام الثلاثة الأولى من هذا الأسبوع .

     السيد الرئيس .. فى هـذه الظروف الدقيقة والعصيبة التى تمر بهـا البلاد فى مواجهة خطر محدق بها .. خطر تقوده قوى الصهيونية والاستعمار فى الخارج، وعناصر القوى المضادة فى الداخل .. أقول فى هـذه الظروف التى انعقدت كلمة الأمة كلها على تعبئة كل قواها - سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً - لخوض معركة مصيرية يتحقق لها فيها النصر بغير بديل، خرجت فئة ضالة طائشة من طلبة الجامعة - باللاوعى وعدم تقدير للمسئولية - ليفتتوا هذه الوحدة الوطنية، التى تجلت بوضوح كامل فى قرارات المؤتمر القومى العام ، إصراراً على الصمود، وتصميماً على تطهير الأرض العربية من العدو الغادر .

     ولقد شهدت الإسكندرية فى بداية هذا الأسبوع صورة مؤسفة، هى فى واقع الأمر وحقيقته وصمة فى جبين الحركة الطلابية، وذلك حين قام بعض طلبة كلية الهندسة - تقودهم عناصر باعت ضمائرها، وأخرى شريرة وفاشلة - بالتظاهر والإخلال بالنظام والأمن، متعللين بأنهم يعبرون عن استنكارهم للحوادث التى وقعت فى المنصورة .

     ولقد كان من الممكن أن يأتى هـذا التعبير على النحو الذى بدأت به حركة الطلبة حين اجتمعوا صباح السبت 23 نوفمبر 1968 بأحـد المدرجات، وناقشوا الأمر بينهم، وانتهوا إلى عقـد مؤتمر داخل المدرج، ثم انصرفوا إلى الدراسة بعد إبلاغ مقترحاتهم إلى المسئولين، إلاَّ أن بعضهم - ممن باعوا ضمائرهم، وممن تكمن فى نفوسهم روح الشر والتخريب - قد حَوَّلُوا هذا الموقف وأبعدوه عن غرضه، وحرضوا الباقين على الخروج إلى الشارع متظاهرين، رغم الجهود الصادقة التى بذلها السيد مدير الجامعة والسيد عميد الكلية لإثنائهم عن ذلك. وكان أن خرجوا واحتكوا برجال الشرطة .. الذين كانوا يرابطون خارج أسوار الكليـة للمحافظة على الأمن .. وعلى الطلبة أنفسهم ، وكان من نتيجة ذلك أن أُصيب بعض رجال الشرطة .. كما أُصيب عدد من الطلبة . وهنا استغلت هذه الفئة الشريرة الموقف لتعقيد الأمور وتصعيدها، فاتجـه جـانب منهم إلى كلية الـزراعة لإخراج طلبتها للاشتراك فى التظاهر ، واتجـه الجانب الآخر إلى كلية الهندسة .. ومن 

 

 

 

 

ثم تحريضهم على الاعتصام داخل كلية الهندسة .. وقد تم لهم ما أرادوا .

     ولقد قام السيد المحافظ، والسيد مدير الجامعة، والسيد عميد الكلية، بالاشتراك مع التنظيم السياسى، بجهود مضنية - استمرت طوال اليوم - لتبصير الطلبة بالعواقب الوخيمة التى قد يتمخض عنها موقفهم هذا، إلاَّ أنهم قوبلوا بالصد العنيف وباللامبالاة. ورغم ذلك فقد اجتمعتُ شخصياً مع رئيس اتحاد طلاب الجمهورية، وبعض أعضاء الاتحاد، ورئيس اتحاد طلبة جامعة الإسكندرية، وأعضاء اتحاد الكلية، وغيرهم من رؤساء وأعضاء اتحادات طلبة باقى الكليات .. وبعد حوار دام ساعات أفهمتهم بخطورة هذا التصرف، وأثره على الوحدة الوطنية، إلاَّ أن ذلك لم يغير من الموقف شيئاً. 

     وبهذه المناسبة فإن أعضاء اتحادات الطلبة لم يقوموا بما كان متوقعاً منهم - باعتبارهم قياديين - بل على النقيض من ذلك ، فإنهم قد استغلوا هذا الظرف أسوأ استغلال .. من قبيل الدعاية الانتخابية لانتخابات الاتحاد القادمة .. فهم بذلك لم يكونوا عاملاً مهدئاً أو مساعداً، بل بكل أسف كانوا سبباً من أسباب الإثارة وتصعيد الموقف .

     وإزاء ما تبين من إجماع باقى كليات الجامعة وبعض المعاهد العليا، فى الإسهام فى هذه الحركة غير المسئولة، صدر قرار بتعطيل الدراسة. وهنا بـدا واضحاً أن بعض عناصر شريرة من بين الطلبة تدبر لمؤامرة خبيثة ودنيئة ضد مصالح البلاد العليا، بهدف توسيع نطاق الإضرابات والتظاهر، لتعم الفوضى ويستفحل الضرر .. فإلى جانب المعتصمين فى كلية الهندسة من بين طلبتها وطلبة الكليات الأخرى توجهت مجموعات منهم ممن كانوا خارج كلياتهم إلى المدارس الثانوية لتحريضهم على الانضمام إليهم .. وفشلوا فى بادئ الأمر، إلاَّ أنه أمكن تحقيق هدفهم فى اليوم التالى، بعد اتصالات استمرت طوال اليوم وجانباً من الليل .

     كذلك قامت اتحـادات الكليات بطبع المنشورات المسمومة، ووُزِّعت على أوسع نطاق ، حيث خرج بعض الطلبة لتوزيعها على المصالح، ودور السينما، والأتوبيسات، والقطارات، وعلى المارة، وفى أماكن التجمع . وكل هذه المنشورات تحض على الإثم، والفوضى، والتخريب، تحت شعارات زائفة ، يكمن وراءها الغرض الخبيث الذى يدعـوا إلى إشاعة الفوضى، إذ كان من بين أهداف المخطط الأثيم تحريض العمال على الانضمام إليهم فى إضرابهم .. وبـدأ مثلاً الاتصال ببعضهم، بل اتجهت بعض مجموعات منهم متظاهرين إلى المصانع ، فى محاولة يائسة لشد العمال للاشتراك فى هذه الأعمال الفوضويـة، إلاَّ أن وعـى العمال، ووطنيتهم، وإحساسهم بالمسئولية، ووقفت حائلاً دون ذلـك ،

 

 

 

 

وكانوا على عهدنا بهم الأوفياء المخلصين فى جميع الظروف .

     وكان من نتيجة هذا التدبير أن نظمت مظاهرات يوم الاثنيـن 25 نوفمبر، تضم إلى جانب طلاب الجامعة وتلاميذ المدارس - الثانوية والاعدادية - بعض المندسين من المخربين المأجورين، وأصحاب النفوس المريضة، واتخذت المظاهرات طابعاً عنيفاً يهـدد أمن المـواطنين، وأُتلـفت بعض الممتلكات العامة والخاصة .

     ولقد كان رجال الشرطة حريصين - كل الحرص - على عدم استعمال العنف فى فض هذه المظاهرات، حرصاً منهم على سلامة الطلبة، وقد كلفهم ذلك كثيراً من الصبر والجهد، إلى أن   بدأت المظاهرات تتجه إلى التخريب. وهنا كان لزاماً على الشرطة أن تتخذ موقفاً حاسماً وحازماً، مما أدى إلى إيقاف هذا الاتجاه وتفريق المتظاهرين .

     ولنا أن نتساءل أولاً، لمصلحة من ارتكبت هـذه الحـوادث المؤسفة، ثم من المسئول عن تدبيرها وتحريكها؟ ولسنا فى حاجة إلى جهد لمعرفة المستفيد من هذه الحوادث فكلنا، يعرف - حتى الطلبة أنفسهم - أن إسرائيل، والاستعمار ، وأعداءنا فى الداخل، هم وحدهم أصحاب المصلحة فى تفتيت وحدتنا الوطنية. أما الشق الثانى من التساؤل فإن النيابة العامة تجرى التحقيق بشأنه، وسوف يسفر التحقيق عن تحديد المسئولية .

     سيادة الرئيس .. أود أن أؤكد لسيادتكم .. وللزملاء أعضاء اللجنة المركزية، أن الجماهير بالإسكندرية إذ تعلـن استياءها الشديـد، واستنكارها لما قام به الطلبة من حركة غير مسئولة، أوقعت أضراراً جسيمة بمصالح البلاد العليا، واعتدت على الممتلكات العامة والخاصة، فإنها تطالب بإصرار بما يلى :

     1-  أن تظل الدراسة بالجامعة معطلة، حتى يتم علاج ما يجرى فيها بالحزم، اللازم الذى تقتضيه مصلحة البلاد، والمرحلة الخطيرة التى نعيشها، وبما يكفل انضباط الطلبة، ويضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة .

     2-  إعادة النظر فى تشكيلات اتحاد طلاب الجـامعة، والـلائحة المنظمة لأعماله، بما يضمن لهذه الاتحادات حُسن الأداء، تحت إشراف رشيد .       

     3-  النظر فى موقف بعض أعضاء هيئـة التدريس ، الذين اتخـذوا مواقف مشجعـة لمثل هذه الحركات غير المسئولة، أو وقفوا موقفاً سلبياً من هذه الأحداث .

 

 

 

 

     4-  تَعْتَبِر الجماهير - على ضوء الأحداث الأخيرة - أن الحريات الواسعة التى يُسِّرَت للطلبة مؤخراً، فى الوقت الذى لم يرتفعوا فيه بعد إلى مستوى المسئولية، جعلتهم يعتبرون أنفسهم طبقة فوق مستوى فئات الشعب العامل .. طبقة أعطت لنفسها سلطة السيادة عليه، وافترضت أنها تملك أيضاً إرادة التغيير، مما ينبغى معه إعادة النظر فى ذلك .

     5-  تربط الجماهير بين اعتصام طلبة الجامعة، وما حدث فى معسكرات التدريب - خلال الأيام القليلة السابقة لهذه الحوادث حين امتنع الطلاب عن التدريب العسكرى، مع إحداث المظاهرات، وترى أن هذا النوع من الشباب الذى طالما طالب بالاشتراك فى المعركة - شباب غير جاد، ويهدف إلى تعطيل تشكيل منظمات الجيش الشعبى . وتُطالب الجماهير بألاَّ تكتفى الجامعات بتخريج أفراد علميين فحسب، بل تُطالب الجامعات أيضاً بتخريج رجال وطنيين، وهم لذلك يطالبون بتجنيدهم فى القوات المسلحة، وفى كتائب الخدمة المدنية، للعمل فى إصلاح الأراضى وتعبيد الطرق ، وما إلى ذلك من الأعمال، خلال الإجازات السنوية.

     6-  تطالب الجماهير ببحث حالة الطلبة الوافدين من بعض البلاد العربية، إذ المعتقد أن بعضهم يعتبر مصدراً أساسياً من مصادر الإثارة .

     7-  إطلاق السلطات التأديبية لمجالس الكليات، ومجلس الجامعة، فيما يتصل بشئون الطلبة .

     8-  إعادة النظر فى تشكيل الاتحاد الاشتراكى بوحدات الكليات والجامعة ، لاتخاذها إما مواقف سلبية أو مواقف مشجعة من الأحداث الأخيرة،   وشكراً .

 

السيد / الرئيس :

     السيد / أمين الجيزة .

 

السيد / فريد عبد الكريم ( أمين محافظة الجيزة ) :

     السيد الرئيس .. الإخـوة أعضاء اللجنـة المركزيـة، لن أتحـدث فى وقائع ، فالوقائع معروفة ومنشورة، ولكنى سوف أتحدث عن بعض الحقائـق والظواهر المستخلصة من هذه التحركات المشبوهة .. الضارة والمضرة . هذه الحقائق باختصار شديد تكمن فى أربع : 

     الأولى منها : أن جيلنا الجديد فى الجامعات والمدارس، لا يحكمه منطق واع فى تحـركه .. فـى

 

 

 

 

انفعاله .. أو فى سكونه، حتى أنه ليصعب التنبؤ بمتى يتحرك، وإلى أى مدى سوف يكون تحركه. هذه حقيقة واضحة تماماً .

     أما الحقيقة الثانية : أنه ليس هناك اتجاه واحد لدى طلبة الجامعة - حتى ولو كان اتجاهاً خاطئاً - لأن هناك اتجاهات متعددة بالنسبة لهذه التحركات الخاطئة، حتى أنه ليصعب أيضاً أن نواجه هذه الاتجاهات الخاطئة بمنطق واحد، أو بمعالجة واحدة .

     الحقيقة الثالثة : أن الذين أثاروا هذا الشغب .. وأثاروا هذه التحركات، هم فئة قليلة فى كلية واحدة ، ولابد لنا من أن نحلل لماذا تحركت هذه الفئة القليلة؟ ولماذا فى هذه الكلية بالذات ؟ سواء فى القاهرة أو فى الإسكندرية .

     الحقيقة الرابعة، أو الظاهرة الرابعة : أن هناك تغييرا كاملاً لدور الشرطة .. سلوكاً، ودوراً، وعلاقة .      

     ولتسمحوا لى - أيها الزملاء - أن أتحدث عن بعض الأسباب التى أدت إلى هذه الحقائق :

     أولاً : أنه ليس هناك نضج سياسى مطلقاً بين طلاب الجامعة، وذلك يرجع إلى ما يلى :

     السبب الأول : أن طلاب الجامعة قـد حُرِموا من العمل السياسى لفترة طويلة مضت، ومن هنا فلن تتأكد ولن ترسخ تقاليد سياسية جديدة لمناقشات واعية، وفعالة، وموضوعية ، فليست هناك أُطُر على الإطلاق للمناقشات السياسية لقضايانا المصيرية داخل الجامعات .

     السبب الثانى : أن أساتذة الجامعة - السمة الظاهرة على الأغلبية الكبرى منهم، مع احترامى الشديد لدورهم، ولعلمهم، ولتخصصهم - ليس لديهم على الإطلاق وعى عام بقضايانا المصيرية، وليس لديهم حدس سياسى على الإطلاق، وإن ثقافاتهم المتعددة - من مصادر متعددة - هى فى الأغلب غربية ، وإن تأثرهم ببعض الفكر الليبرالى .. وإن تشبههم وتأثرهم بالمجتمعات التى وردوا إلينا منها، قد أثَّرت فى مصب واحد .. هو قاعدة الطلاب لدينا .. تأثروا بها إما بالصراحة، وإما بالدلالة، وإما بالإشارة .

     السبب الثـالث : أن القلة القليلة الباغيـة، فى هذه الكلية الـواحدة - فى القاهرة أو الإسكندرية - استطاعت أن تتحـرك .. وأن تتحكم فى جماهير الطلاب، فى غيبة من العمل السياسى .. فى غيبة من قـاعدة طلابية موضوعية تقوم بالعمل السياسى .. فى وضع ضُربت فيه القيادات الموضوعيـة لمنظمات الشباب .. أو أحست أنها مضروبة، ومن هنا فقد خلا الجو تماماً لفئة

 

 

 

 

قليلة سوف يرد إليها التحليل فيما بعد لكى تتحكم .. ولكى تتزعم أيضاً . ولأن منظمة الشباب وقواعدها الموضوعية المدربة على منهج سليم .. وعلى حوار موضوعى سليم ، أحست أنها مضروبة ، وأنها ينبغى أن تُظْهِر للتنظيم أنه كان خطأً كبيراً وفادحاً أن تُضرب منظمـات الشباب فى الجامعات، فوقفت موقفاً سلبياً - لا هى معنا، ولا هـى ضدنا - لكى تثبت فى خطـأ شديد، أن هذا الضرب لم يكن له ما يبرره، وأن ضـرب القاعدة الملتزمة بقضايانا المصيرية .. وبنظامنا السياسى، قـد أتاح فراغاً وخواءً سياسياً كاملاً، لفئة قليلة ضالة فى كليات الهندسة - فى القاهرة والإسكندرية - لكى تتزعم .. ولكى تقود .

     هذه الأسباب هى التى تدفعنا لكى نقول: إنه لا يمكن التنبؤ بأية حركة على الإطلاق، لأى سبب كان. سوف تقوم الحركات مرة أخرى بسبب قانون التعليم، أو لغيره من الأسباب ، ولأية حادثة أو لغيرها سوف تقوم هَبَّات مفاجئة للطلاب، لا نعرف مداها، ولا نستطيع إطلاقاً أن نتبين أثرها .

     هناك سبب رابع بالغ الخطر .. وبالغ الأهمية : إن الهبَّة التى قام بها الطلاب فى فبراير من العام الماضى، كانت تحركاً منبت الجذور، ليس له أصول راسخة .. وليست له قواعد موضوعية فى ذات الطلاب . وبالرغم من ذلك فقد أحس الطلاب .. الذين تحركوا فى شهر فبراير، أنهم مالكو التعبير، وأنهم واضعوه ، وأنه قد أصبح لهم كيان مستقل لابد أن يَنْفُذوا به إلى كل حدث .. وفى كل وقت، وأنهم لابد أن يفرضوا أنفسهم حكومة فوق الحكومة، وسلطة فوق السلطة، وقيادة للشعب - غير شرعية- رغم أنفه، بحجة وبدعوى أنهم أسباب بيان 30مارس، وأنهم واضعوه. ومن أجل هذا الخواء السياسى، كانت هناك عقدة التميز .. وعقدة الزعامة .. وعقدة الفرد التى تسلطت على هذه الفئة القليلة، سواء فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة، أو بجامعة الإسكندرية .

     هـذه أسباب أكدت لنا أنـه ليس هناك نضج سياسى، بل فراغ سياسى كامل ، سواء بضرب القيادات الموضوعية داخل الجامعة، أو بعدم قيام الاتحاد الاشتراكى بدوره كما ينبغى له .  

     وأود أن أؤكد فى هذه النقطة بالذات، أنه لا يمكن أن تُحكم الجامعة حكماً سليماً موضوعياً، تدور من خلاله ديموقراطية سليمة للتنظيم، ومؤدية لنتائج إيجابية، إلاّ إذا كانت هناك قواعد حزبية صحيحة ملتزمة .. مرتبطة بنظامنا وتنظيمنا. عند ذلك سوف تفكر هـذه الفئة القليلة الباغية أكثر من مرّة .. قبل أن تقوم بأى تحرك غير واع، ولكنه بعيد الأثر .. وبعيد الخطر معاً .

     بعد هذه النقطة انتقل لنقطة أهم : لماذا كلية الهندسة بالـذات؟ .. أعتقـد أن هناك أسـبابـاً   

 

 

 

 

موضوعية كثيرة، لأنه من غير هذه الأسباب لا يمكن أن نأتى إلى علاج .

     من الواضح - المؤسف - فى كلية الهندسة أن أكبر نسبة من القادرين استطاعت أن تصل إلى هذه الكلية، لأنهم هم القادرون على أن يهيئوا لأبنائهم حياة خاصة، وإشرافاً خاصاً ، ومدارس خاصة، ودروساً خاصة، ورعاية صحية وإشرافية خاصة، لابد أن تنتهى إلى أن أكبر نسبة من القادرين - المغرورين - هم الذين يستطيعون أن يحصلوا على أعلى الدرجات .

     ومن ثم فإن أكبر نسبة من أبناء القادرين دخلوا هـذه الكلية بالذات .. كلية الهندسة سواء فى جامعة القاهرة ، أو فى جامعة الإسكندرية وكلية الطب، وكلية الصيدلة أيضـاً. والتحرك لابد أن ينتهى من كليات الهندسة .. إلى كليات الطب .. إلى كليات الصيدلة، والدليل على ذلك البيانات الصابئة، الغادرة، والخائنة، التى صدرت من كلية الطب فى العام الماضى ، لأن أكبر نسبة - كما أقول لحضراتكم - من أبناء القادرين استطاعت أن تقتحم أبواب كلية الهندسة بالذات، لِمَ لهم من قدرة خاصة، ومميزات خاصة .

     والدليل الظاهر الواضح على ذلك، أن من يذهب منكم إلى الجامعة، سوف يجد حول أسوار كلية الهندسة آلاف العربات الخاصة، وسوف لا يجد فى الكليات الأخرى مثل هذا المظهر . والدليل على ذلك أيضاً، أن تحركات فبراير الماضية - وقد كُلِّفت بأن أتصل ببعض الزعامات الخاوية الخائبة لتحركات فبراير - وجدت فيها مظاهر الثراء، ومظاهر الإنتماء إلى طبقة معينة تشيع بالنسبة لزعامات هؤلاء الطلاب. ذلك يؤكد أن فئة قليلة موجودة فى كلية الهندسة بالذات، وكلية الطب إنما تنتمى إلى طبقة معينة تتجرع الحقـد، والبغض، والنقمة فى بيوتهـا، لكى تنقله نقمة أيضاً وثورة داخل كلية الهندسة بالذات، وهذا سبب ثان .

     أما السبب الثالث لتحرك طلبة كليـة الهندسة بالـذات : فهو أن هؤلاء الطلبة كانت لهم تطلعات معينة. تعلمون حضراتكم أن طلبة كلية الهندسة بالذات، وطلبة كلية الطب يرون أمثلة تطلعية عند دخولهم إلى الكلية.. وكما يقال فى المثل : إن كل شخص يدخل كلية الطب الآن يبحث عن (5 ع ) : عيادة، وعربية، وعمارة، وعزبة، وعروسة . أمـا بالنسبة لطلبة كلية الهندسة فإن هذه التطلعات كانت تنحصر فى أن من يتخرج فيها كان يتقاضى مائة جنيه، ومائة وخمسين جنيهاً، وهذه التطلعات أَصبَحـت فى نظامنا الاشتراكى - فى تطبيقـه وفى تطـوره - تطلعات مقطوعة . عندئذ أحس الطلبة .. والأمثلة موجـودة فى أساتذتهم .. أن هـذه التطلعات ليس لها الآن ما يبررها ، وأن

 

 

 

 

المساواة فى تكافؤ الفرص، والمساواة فى الدخول، لا يمكن إطلاقاً أن تتيح لهم تطلعات جديدة .

     إن طـالب الطب مثلاً، كان بعـد سنة أو سنتين يقتنى عـزبـة، وسيارة ، وعروسة ، كمـا يتطلع ، ولكنه الآن يجد نفسه فى وحدة مجمعة - فى أى مكان فى القرى لكى يخدم مجتمعه - يتقاضى 17.5 جنيهاً أو 20جنيهاً مثلاً، عند ذلك يحس هـؤلاء الطلبة بـأن تطلعاتهم السابقة، لم يعد لها فى نظامنا الجديد ما يبررها، ولا يمكن إطلاقاً أن تتاح لهم هذه التطلعات، هذا سبب ثالث .

     السبب الرابع أيضاً : أن الطلبة من كلية الهندسة - بالذات فى جامعة القاهرة - الذين قادوا مظاهرات فبراير الماضى، تولوا القيادة فى اتحادات الطلاب، وانتخابات اتحاد طلاب جديد على الأبواب .. فى فبراير القادم، ولابد لهذه الزعامات الخاوية - الشخصية والذاتية - من أن تثبت وجودها، كيف تثبته، وليس لها إطلاقاً وعى سياسى عميق، ولا فهم كامل، فى إطار كامل لتحرك سياسى منتج ونافع لجماهير هذا الشعب؟.. انهم لابد أن ينتهزوا أى فـرصة لكى يثبتوا زعامة جديدة، حتى يحلوا محل الثوار الأبطال .. أبطال ثورة فبراير الماضى. ومن هنا كان ذلك سبباً جديداً .

     يضاف إلى كل ذلك، عقدة التفوق لدى طلبة كلية الهندسة بالـذات، لأنهم الحاصلون على أعلى الدرجات، ولأنهم الذين يتلقون أقسى العلوم .. لابد لهذه العقدة من أن تتجسد فى زعامة ، ولا يمكن للزعامة أن تتجسد أيضاً فى واقـع حتى لـو كان خاطئاً وخطيراً - إلاَّ إذا كان ذلك فى تحرك خاطئ أو مصيب .

     هذه أسباب فى اعتقادى - وفى تحليلى - أنها هى التى تدفع طلبة كلية الهندسة بالذات فى القاهـرة والإسكندرية إلى التحرك فى أى وقت، وعند أى سبب مختلق أو طبيعى، وإلاَّ فلماذا تثور كلية الهندسة بالذات؟ لماذا يبدأ التحرك من هناك؟ هل طلبتهـا أكـثر وعياً من غيرهم، وهم  لا يدرسون إطلاقاً ألف باء السياسة؟ مع أن الدراسات السياسية فى الكليات الأخرى تبدأ من خلال علومهم، هل هم أكثر وطنية أيضاً من زملائهم الطلاب الآخرين؟

     إن التحليل الـذى أقـول بـه لحضراتكم، قـد لمسته لأننى كنت فى الموقع بـدمى وجسدى وفكـرى أيضاً. هـذه حقائق الموقف وظواهره، والأسباب التى أدت لكى يقوم طلبة هندسة القاهرة وهندسة الإسكندرية بهذا التحرك .

     ولكن ما العلاج الذى يجب أن يدور الآن؟ قبل أن أشرح العلاج، لابد من أن أتحدث عن الحقيقة الرابعة : وهى دور رجال الشرطة فى هـذه التحركات. وأعتقد أن التغيير الذى تم فى القوات

 

 

 

 

المسلحة وسعدنا به، ولمسناه، وشاهدناه، على خطوط النار .. هذا التغيير العلمى الكامل .. فى التدريب.. وفى العلاقـات الاجتماعية بين الضباط والجنـود .. وفى إيمانهم بالقضايا المصيرية التى يدافعون عنها، إنما يجـد صورة مماثلة تماماً فى رجـال الشرطة، الذين أصبحوا يحسون بقضايا وطنهم بالفعل، والذين أصبحت علاقاتهم الإنسانية بجماهير الشعب فوق كل شك .. وفوق كل ريب .

     أعتقد أن ما تم من رجال الشرطة فى الجيزة، وهم يحاورون الطلبة محاورة سياسية بالغة العمق، ويعاملونهم معاملة إنسانية بالغة الدلالة، لتؤكد أن التغيير الذى تم فى القوات المسلحة، إنما نجد له   نظيراً فى رجال الشرطة أيضاً. والذى وجـدته أنا أيضاً من رجـال الشرطة فى الجيزة.. والذى لقيته جماهير الجيزة من هـؤلاء الرجـال، يؤكد أن هذا التغيير الذى تم إنما ينبغى أن تتسع قاعدته .. وأن يتسع مداه على الحياة المدنية كلها. ومن هنا فـإننى أوجه من هذا المنبر - باسم جماهير الناس فى الجيزة - أعمق تحية إلى هؤلاء الرجال، لأن مناقشاتهم السياسية مع مجموعات الطلبة المتجمعة أمامهم - بالطوب، والحجارة، والعصى - كانت مناقشات تدل على أن هناك تغييراً جديداً .. تغييراً لم نكن لنتوقعه، نحن الذين خُلقنا وتربينا وفى نفوسنا عقدة من رجال الشرطة عموماً .

     أَنتهى أيها الإخوة - حتى لا أضيع عليكم وقتكم - إلى العلاج، وسوف أُعطى تجربة الجيزة    هنا مثلاً : إنه عندما أخطرنا السيد وزير الداخلية بما تم فى المنصورة، كان أول تحرك لنا فى اتجاهين أساسيين :

     الاتجاه الأول : انه لابد أن نعزل جماهير الناس عن هذه التحركات .. لابد أن نحصن جماهير الناس عن هذه الخيانات .. لابد أن تفهم جماهير الناس - بالوعى - أنها مسئولة عن هذه التحركات، ولابد أن نقضى عليها بالمبادرة الإيجابية الحقيقية فى صدها .. وفى إدانتها. لقد أدانت هذه التحركات، جماهير الناس فى الشارع، وفى البيت، وفى المصنع، وفى الـوزارة.. أَدانتها بحدس سياسى سليم .. وأَدانتها أيضاً بفطنة لمصلحتها الحقيقيـة .. وأدانتها لأن قلوبها وعقولها إنما تصر على أمور ثلاثة :

     الأول منها : إيمان بالمعركة، لا يتردد ولا ينهزم .

     والثانى : إيمان بالاشتراكية أيضاً، لا يتحول ولا يتلون .

     وإيمان ثالث : من أنه لابد أن تُوَاجَه الرجعية فى الداخل مواجهة صريحة وقاسية، حتى تُصَـفَّى القواعد الرجعيـة هنا، والعميلة والمشبوهـة .. التى تَأَكَّدَت شبهتها فى التحركـات الجديدة التـى  

 

 

 

 

تجـرى فى بيروت، والتى جـرت فى الخرطوم، والتى أثمرت فى مالى ، لأن هذه الجماهير - بحدس سياسى سليم - إنما بدأت تتحدث عـن الرابطة التى لا يمكن أن تنفصم بين هـذه التحركات فى القواعد الثورية على مستوى الـوطن العربى كله .. وعلى مستوى الوطن الإفريقى .. والقارة الإفريقية كلها.

     لقد جاءنى أحد أولاد البلد - المعلمين الحقيقيين فى الجيزة - ليسألنى فى مقر الاتحاد الاشتراكى بالجيزة ليقول : " هل لو تغير هذا النظام، هل سنحارب؟" .. وتركت له الإجـابة، وكانت إجابة الناس قاطعة، وهى أن الحرب .. وأن المعركة متعلقة بهذه القيادة التاريخية .. ومتعلقة أيضاً بهذا    النظام، وأن أى انقلاب جديد .. أية ثورة خائنة جديدة .. لا يمكن أن تحقق لهذا الشعب إطلاقاً حرباً أو صموداً فى أى معركة .

     وجاءنى آخر ليقول : " هل لو تغير شكل الحكم هنا، هل يمتد الخط الاشتراكى؟ هل نستمر على مكاسبنا الاشتراكية؟ " .. وتركنا الإجابة لجماهير الناس فى المصانع .. وفى الشوارع .. وفى البيوت، لكى تؤكد أن الاشتراكية والصمود إنما هما معلقان بالنظام الذى نتمسك به بأرواحنا وبقلوبنا أيضاً.

     أقول لحضراتكم إن العلاج المؤقت - الذى كان يجـب أن نقوم بـه لمواجهة هذه التحركات- هـو أن نعزل جماهير الشعب صاحبة المصلحة الحقيقية عنها، وأن نجعلها تدينها وترفضها .. وفى لفظ الجماهير لهذه التحركات إسقاط لها .

     ولقد بدأ الطلبة فى كل مكان يحسون أن انفصالهم عن   الجماهير إنما هو إسقاط كامل .. وإدانة كاملة .. ودفن كامل لكافة تحركاتهم الخائبة، والخاوية، والضارة المضرة .

     هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فإنه لابد من خلق نواة حزبية داخل كليات الجامعة .. لابد من قاعدة حزبية ملتزمة بين الطلاب، لأننى أعتقد أن مواجهة الطلاب لا يمكن أن تكون بالعنف، إنما مواجهة الطلاب لابد أن تكون من قاعدة حزبية داخل كل كلية.. قاعدة تستقطب حولها كل المخلصين .. وكل الواعين، لكى تقوم هذه القاعدة بمواجهة أى تحرك صبيانى .. أى تحرك خائن .. أو أى تحرك عميل . وقد قام العمل السياسى فى الجيزة بالفعل بتحصين الناس - الذين كانوا على استعداد كامل لهذه الحصانة - من هذه التحركات، وبخلق قواعد فى كل كلية لكى تقوم بحراسة مكاسب الشعب، وحماية المناخ الطبيعى الذى يجب أن نقوم به فى معركة مصيرية على قناتنا .

     هـذه هى تجربة العمل السياسى التى يجب أن تسود، وفى اعتقـادى أن الوقت قـد آن لكـى

 

 

 

 

نخلق نواة حزبية طلابية فى كل جامعة .. وفى كل كلية، لكى تقف هذه القاعدة وعليها أعلام هذا النظام .. وشعارات هذا النظام .. وحقائق هذا النظام .

     ما الذى يقوله الطلاب .. أو هذه الفئة الضالة من الطلاب؟ تقول لأن قضايا المنصورة قد تاهت فى الزحام .. ولأن قانون التعليم قد ضاع هو أيضاً تقول : " إننا نطالب بالتغيير " ، وتقول أيضاً : " إننا لنا الحق فى الحرية .. وفى أن نتظاهر. ولا تستطيع قوة على الإطلاق .. ولا يحق لأية قوة على الإطلاق أن تتصدى لنا فى تظاهرنا .. وفى تحركنا " .

     أما فيما يتعلق بالتغيير .. أيها الإخـوة أعضاء اللجنة المركزية .. فإننى أُسائلكم .. وأتساءل معكم .. وتُسَائلكم الجماهير : ألم يكـن قانون التعليم نوعاً مـن التغيير نرجو أن يمتـد .. وهـذا طلب مُلِحّ .. نرجو أن يمتد إلى كل قطاعاتنا : قطاعات الإنتـاج، وقطاعات الخدمات، التى لابد أن يتعمق التغيير بها، بتغيير ثورى وجذرى، كما نص عليه بيان 30 مارس ؟

     أما قضية الحرية، فهى التى جئت لأتحدث عنها هنا .. لابد أن أُسائلكم، لأن الإجابة منوطة بأفكاركم أنتم .. وبإرادتكم أنتم .. الحرية لمـن؟ ومن أجل أى شئ؟ أعتقد أن هذين السؤالين لابد أن تجيب عليهما اللجنة المركزيـة، لكى تضع خطاً واضحاً بين الحرية والفوضى .. بين العمل الجدى والعمل الضار، لابد أن نقرر هنا لمن تكون الحرية ، ولأى شئ ترتفع أعلام الحرية فى بلادنا ؟ لابد أن تكون الحرية للشعب، ومن أجل مصلحة الشعب وأهدافه، لابد أن تكون الحرية انطلاقاً لتحقيق مناخ حقيقى لمعركة مصيرية نخوضها، ولتحقيق الاشتراكية أيضاً فى بلادنا .

     أما الذى يدعو إلى غير معركة .. أما الذى يدعو إلى غير اشتراكية، فإنه لا يمارس حرية على الإطلاق، وإنما هى فـوضى .. هى عمل ضار .. هى إتاحة الفرصة لفئة مضروبة ومضرورة لكى تضرب هذا النظام .. ولكى تنتكس به .. ولكى يمتد على بلادنا مرة أخرى ظلام من أنظمة مرفوضة فى بلادنا .

     لقد اجتمعت الجماعة فى بلادنا .. وأصر المجتمع فى بلادنا .. أصرت الجماهير فى مصانعنا .. وفى حقولنا، على أنه لابد من معركة .. ولابد من اشتراكية أيضاً، لأن الاثنين مرتبطان . ومن هنا كانت الحرية، لابد أن تعطى الحرية - كل الحرية - من داخل التنظيم، لتحقيق أهداف ومصالح هذا الشعب.

     أما الذين لا يتبنّون هـذه القضايا .. أما الذين يعارضون هذه القضايا .. أما الذين يشككون فى

 

 

 

 

هذه القضايا، فإنه لا يصح إطلاقاً أن نسمح لهم بالحرية، لأن الحرية كلمة أقدس من تلك الشعارات الزائفة، التى يحاول مضللون، وخونة، وعملاء، ومأجورون، أن يرفعوها .

     إن الحرية التى سقط تحت لوائها شهداء أبرار، وسفكت من أجلها دماء ذكية، لا يمكن إطلاقاً أن

نسمح لها بمن يريد أن يضرب هذا المجتمع كله .. وأن يضرب ثورة هذا المجتمع كله .. وأن يضرب قضايانا المصيرية كلها .

     هـذه انطباعاتى عن الحركات التى ضربتها جماهير الجيزة .. وفَّتتَها جماهير الجيزة فى الأيام الماضية المسكينة التعسة التى نأسى ونتألم لها،   أشكركم ياسيدى الرئيس .

 

السيد / الرئيس :

     نأخذ ثلث ساعة استراحة علشان نسمع السيد وزير الداخلية .. إذا كان عنده حاجة بيقول لنا ، وبعدين بنفتح المناقشة .

 

     ( رفعت الجلسة للاستراحة الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة مساءً ، وأعيدت الساعة العاشرة والدقيقة الأربعين مساءً ) .

 

السيد / الرئيس :

     السيد وزير الداخلية يتفضل .

 

السيد / وزير الداخلية : 

     السيد الرئيس .. السادة الزملاء الأعضاء ، بعـد الشرح المستفيض الذى أفاض به السادة الزملاء من الـوزراء ، وأمناء الاتحاد الاشتراكى - أعتقد أن حديثى كوزير للداخلية سوف يكون قصيراً، ولكننى أريد أن أوضح بعض النقاط، لتلقى بعض الضوء على هذه الأحداث ، ولابد فى حديثى هذا أن أتناول سياسة العمل فى وزارة الداخلية، التى تحكمها نقطتان أساسيتان : 

     النقطة الأولى : هى سلطة القانون التى خص بها جهاز الشرطة .

     النقطة الثانية : هى شعار الشرطة فى أن تكون فى خدمة الشعب .

 

 

 

 

     بالنسبة للنقطة الأولى : فإن للشرطة - وهى تعمل فى ظل القانون - اختصاصات وواجبات يحتم القانون عليها أن تنفذها، وعلى سبيل المثال فإن حضراتكم تعلمون تمام العـلم أن قانون الطوارئ قد أعلن فى العام الماضى، نتيجة للظروف التى تمر بها البلاد، وهـو يعطى للشرطة كثيراً من الاختصاصات، ويحتم عليها القيام ببعض الواجبات .

     النقطة الأخرى : هو أن للشرطة - فى جميع القوانين المنظمة للاجتماعات - حق فض أى تجمع أو احتشاد يضر بأمن البلاد، حتى لو كان هذا الجمع أو الاحتشاد يعطل حركة المرور. ومن ناحية أخرى، فإنه لابد من موافقة الشرطة على عقد أى اجتماعات أو ندوات، كما لها الحق أيضاً فى فض هذه الاجتماعات، إذا وجدت أنها تخل بأمن البلاد .. ولكن الشرطة لم تمارس هذا الحق .. ولم تمارس عملية فض المظاهرات، بل وجدت من واجبها وهى تعمل كجزء من قوى الشعب العامل، وكشرطة فى عهد جمال عبد الناصر أن تحرس هذه المظاهرات، وأن تحـافظ على سلامـة القائمين بها، خاصة أن كل فرد منهم هو ابن لكل فرد من رجال الشرطة ، وخير دليل على ذلك مظاهرات فبراير الماضى، حيث كانت الشرطة فى حراسة تلك المظاهرات، وتحملت فى سبيل ذلك الكثير، وأصبح معلوماً أن خسائر الشرطة فى ذلك الحين ، أكثر مما حدث بالنسبة فى أى عهد من العهود السابقـة .. فإنه قـد حـدث - ولأول مـرة - أن ضُرِبت الشرطـة، ولم تعتد على أى فرد من أفراد الشعب فى تلك المظاهرات .

     وفى الحقيقة فإن الذى حدد هذا الخط للشرطة، هو توجيه السيد الرئيس عندما شرفنى بتولى وزارة الداخلية، فقد كان أول توجيه من سيادته، هو أن الشرطة - فعلاً - لابد أن تضع شعارها فى خدمة الشعب حقيقة، وأن تكون أداة سياسية قبل أن تكون أداة تنفيذية. ولذلك فقد كانت كل سياستى فى الوزارة، أن أُوجِد تلاحماً فعلياً بين الشرطة والشعب .. داخل أجهزة الاتحاد الاشتراكى .. وفى جميع المواقع الأخرى .

     وعلى الرغم من الأنظمة التى نراها فى دول أخرى، والتى لا تسمح بقيام أى تجمعات أو مظاهرات، فإننا هنا نتساهل فى عقد الندوات وفى قيام المظاهرات. وتعلمون حضراتكم أنه فى بلد مثل انجلترا أو سويسرا، لا يمكن أن تتم مظاهرات أو تجمعات إلاَّ بإذن من الشرطة .

     وفى الواقع أن هذين الخطين متعارضان، ولكن بالرغم من هـذا، أُخِذ بالخط الثانى، حيث غُلِّبت العلاقات الإنسانية وخدمة الشرطة للشعب، على اختصاصات الشرطة فى ظل سيادة القانون .

    

 

 

 

     وبالنسبة لمظاهرات المنصورة، فإننى لن أتدخل فى تفاصيل الحوادث، إلاَّ أننى أقول إن الاتفاق كان تاماً بينى وبين مدير الأمن - هناك - على أن تكون الشرطة فى حراسة المظاهرة .

     وإننى أشعر بأن كل طالب اشترك فى هذه المظاهرة، هو ابن لقائده الأكبر جمال عبد الناصر .. هو ابن لى .. هو أخ لكل فرد فى هذا الشعب ، ومن هنا كانت التعليمـات مشددة بـألاَّ يستخدم السلاح على الإطلاق .. ولكن فى حالة الضرورة القصوى .. وفى آخر مرحلة، يستخدم الرش فقط، على أن يكون الضرب فى الأرجل .. حتى تتفرق المظاهرات .. وحتى لا يتعرض رجال الشرطة فى الوقت نفسه للأذى والإصابات. وقد طبقت فعلاً هذه التعليمات، حتى حدث ما حدث فى مديرية الأمن .. حيث اتصل بى السيد مدير الأمن، ثم كان نفس الاتفاق .. ونفس التعليمات : بألاَّ يستخدم الرصاص على الإطلاق، وأن آخر ما يمكن استخدامه هو الرش .

     وهنا أريد أن أوضح نقطة تتعلق بمعنى الأمن ، وهو أن يشعر كل فرد فى هـذا الشعب باطمئنان نفسى فى كل مكان يعيش فيه، فـإذا اقتُحِمَت مديرية الأمن فى يوم من الأيام .. وسُحب السلاح منها، فإننى أعتقد أن كل فرد من الشعب سوف تهتز ثقته برجال الأمن، وبقدرتهم على حمايته وحماية أسرته وممتلكاته .

     فكان لابد - بعد ما حدث فى مظاهرة المنصورة - من أن نحاول فى أى مظاهرات أخرى أن نفرقها بالحسنى والنصيحة، ثم بالماء، ثم بالعصى، ثم بالرش، وهذا ما اتُّبِعَ فى مظاهرات الإسكندرية، ولكن للأسف تطورت العملية إلى الاعتصام . وفى الواقع ان اعتصام طلبة كلية الهندسة بالإسكندرية، قد خضع لعدة عوامل، كان أول عامل منها هو الإثارة .. والأمثلة واضحة فى هذا الموضوع، فهناك شخص يَدَّعِى أنه طالب، يسمى : أحمد هجرس ، اندس وسط الطلبة ، وقال إنه طالب بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، ومن المتظاهرين فى فبراير الماضى، وإنه تعرض لإصابات رجال الشرطة، وخلع ملابسه ليشاهدوا آثـار الضرب على جسده. وقد اتضح بعد ذلك أنه ليس بطالب، وأنه فصل من الجامعة فى سنة 1966، ولم يحضر مظاهرات فبراير، كما أنه مصاب بخلل فى قواه العقلية.

     فما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن الطلبة فى ثورتهم قد ينقادون لأى مضلل أو دخيل عليهم، يقودهم بغير حقيقة إلى ما يجلب الضرر عليهم وعلى البلاد .

     وهناك مثل آخر لطالب فى معهد شبين الكوم الصناعى .. وتقيم عائلته بالإسكندرية ، تحرك هذا الطالب إلى شبين الكوم ، واجتمع مع طلبة البترول هناك، وقال لهم إن شقيقه ضرب بالرصاص فـى

 

 

 

 

مظاهرة الإسكندرية ، وأنه حمله بنفسه إلى المستشفى .. وإزاء ذلك تحرك الاتحاد الاشتراكى فى شبين الكوم، بقصد الاستفسار عن الموضوع وكشف الحقيقة، وقرر إيفاد بعض الطلبة إلى الإسكندرية لرؤية هـذا الشقيق الذى ادعى إصابته، وذلك لأنهم يعلمون أنه لم يحدث إطلاق رصاص بالإسكندرية .. وهـذه هى الحقيقة فعلاً، لأن كل ما أطلقته الشرطـة فى الإسكندرية كان رشاً ولم يكن رصاصاً. وعندما وجد هذا الطالب أن الاتحاد الاشتراكى قد أعد العدة للسفر بعربة خصصت لذلك ، هـرب من المجموعـة التى كان سيسافر معها إلى الإسكندرية، واستقل تاكسى على حسابه من شبين الكوم إلى طنطا، ليستقل من هناك الديزل إلى الإسكندرية .

     وفى الإسكندرية اتصل أمين الاتحاد الاشتراكى بمنـزل أسرته تليفونياً، فرد أحد إخوته على المكالمة، ولما علم أن المتحدث من اتحاد طلاب شبين الكوم، سأله عن الحالة، فقال له : " إنها طيبة " ، فقال : " هل عملتوها دم ونفذتم الخطة .. احنا هنا فى الإسكندرية حنقلبها دم ". فسأله عن إخوته فرد قائلاً إن له أخاً اسمه سمير، وإنه معتصم بكلية الهندسة بالإسكندرية .. وبذلك اتضحت الصورة ، حيث لم يُضْرب أخوه بالرصاص كما ادَّعى، بل كان المقصود من كل ذلك هو الإثارة أولاً وأخيراً .

     وبالنسبة ليوم السبت 23 - وهو يوم الاعتصام - فإن الظاهرة المؤسفة هى كيفية توزيع المنشورات .. حيث قام بعض الطلبة بتوزيعها فى الترموايات، والمقاهى . ولكن النقطة الخطيرة هو أن هذه المنشورات وزعت على القنصليات الأجنبية فى الإسكندرية، وهذه صورة مؤسفة للغاية، وهذا المنشور صادر من اتحاد طلاب كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، وجاء فيه : " قرار مجلس اتحاد طلاب كلية الهندسة، ومجلس اتحاد طلاب جامعة الإسكندرية يوم 23/11/1968 بشأن الأحداث التى وقعت منذ صباح اليوم :

     إعلان الاعتصام بالكلية والإضراب العام عن الدراسة حتى تتحقق المطالب الآتية :

¨         إقالة شعراوى جمعة وزير الداخلية، والتحقيق معه علناً .

¨      محاكمة المسئولين الأساسيين والفرعيين عن حوادث المنصورة والإسكندرية، ومحاكمتهم محاكمة علنية .

¨         رفع رقابة وزارة الإرشاد نهائياً عن الصحافة المصرية .

     وبالنسبة للنقطة الأخيرة، أود أن أوضح أن للطلبة مجلة تسمى : "مجلة الطلبة" يصدرها اتحاد الطلاب ، وَلاَ تُعْرَضْ على الرقابة مطلقاً، وتحوى مهاجمات بين الطلبة والأساتذة .

 

 

 

 

وأعود لتلاوة بقية ما جاء بالمنشور :

¨       منع استعمال العنف على الإطلاق مع المواطنين بصفة عامة .

¨       الإفراج فوراً عن جميع الطلبة المعتقلين فى المنصورة والإسكندرية .

¨       إشراك الطلاب فى إبداء الرأى تجاه برامج تطوير التعليم الجامعى، والثانوى، والإعدادى، والإبتدائى .

¨       ضرورة تحقيق الحرية الكافية للمواطنين، وضمان أمنهم واستقرارهم .

¨       ضرورة سقوط مجتمع الشعارات، وتحقيق التغيير الذى جاء ببيان 30مارس .

¨       حماية الطلبة وضمان عدم اعتقالهم وإرهابهم .

     هذا هو المنشور الذى وزع للأسف على القنصليات الأجنبية . وأود أن أقول : إنه عندما اعتصم طلبة الإسكندرية يومى السبت والأحـد، كان من الممكن لنا أن نقتحم الجامعـة ونخرجهم بالقوة. وهذا حدث فعلاً فى بلاد كثيرة مثل فرنسا .. حيث تدخل الجيش والبوليس واقتحما الجامعة هناك . وحدث فى المكسيك أيضاً أن اقتحم الجيش والبوليس حـرم الجامعة .

     ولكننا لم نلجأ هنا إلى مثل هذه السبل لسببين :

     السبب الأول : أن الطلبة هم أبناؤنا، ومهما كان الخلاف بيننا وبينهم، فإن الغالبية الكبرى منهم مخلصون .. وهم جيل هذه الثورة .. ولا يمكن أن نسمح بمزيد من الخسائر .. أو مزيد من سوء العلاقات بين الشرطة والطلبة، بـل إننا نحاول وباستمرار - أن نوضح لهم دورنا ومسئولياتنا، دون أن نزيد من الخسائر أو التناقضات الموجودة بين الطلبة والشرطة .

     السبب الثانى : هو أن ثورة 23 يوليو لم تسمح فى يوم من الأيام لرجال الشرطة أن تقتحم الجامعة، ولذلك فقد كانت هناك اتصالات مستمرة لتنفيذ ذلك، رغم أن القوة كانت متوفرة بما يمكن الشرطة من اقتحام الجامعة لإخراج الطلبة بالقوة ، ولكننا لم نلجأ إلى هذا الحل عملاً بمبدأ عدم إبعاد الطلبة عنا، ولكى نُقَرِّبَهُم منا، باعتبار أنهم أبناؤنا .

     وفى يوم 25 نوفمبر حدثت ظاهرة غريبة فى مدينة الإسكندرية، إذ أن الطلبة المعتصمين فى الجامعة كان يخرج بعضهم للاتصال بالمدارس الثانوية لتحريضها على القيام بمظاهرات ، وقد خرج فعلاً عدد كبير من طلبة المدارس الثانوية، توجه بعضهم إلى بيوتهم، وسار الآخرون فى المظاهرة، وانقسم هؤلاء إلى مجموعات كثيرة ومتناثرة. وفى مثل هذه الحالات يندس بين هذه المجموعات عناصر

 

 

 

 

متخصصة فى الشغب - ليست من الطلبة أو العمال - ولا يمكن وصفها بأكثر من أنها عناصر غوغائية، فقد حدث فى أكثر من مكان بالإسكندرية عمليات تخريب متناثرة، حيث كانت تبدأ فى أحـد الشوارع فتتفرق الشرطـة، فتتفرق فى شوارع جانبية .. ثم تنطـلق إلى شوارع أخرى . ولم يكن هدفها هدفاً وطنياً على الإطـلاق، لأن التعـرض للمنشآت أو شركات القطاع العام - أساس فلسفتنا الاشتراكية وأساس نمو مستقبلنا - لا يمكن اعتباره إلاَّ عملاً تخريبياً .. فقد تعرضت الأوتوبيسات إلى التحطيم، وكذلك عربات الترام .. كما تعرضت بعض المحال التجارية إلى التدمير والتخريب، وامتد التخريب والتعطيل إلى سيارات الإطفاء عند قيامها بإطفاء الحرائق، وتعرض مبنى نادى محافظة الإسكندرية إلى إحراق ما يحتويه من أثاث .

     الحقيقة أنها كانت كتلاً غريبة الشكل من الجماهير. وفى تصورى أن هذه الكتل ليست على وعى سياسى، فهى مجموعة من " الشبيحة " تحاول أن تنهب .. أو تشارك فى التخريب . وبطبيعة الحال فإنه يسهل على أى فرد قيادة هذه المجموعات فى أى عمل يوجه ضد الوطن. وهذا ما حدث فعلاً، فقد تم القبض على بعض أفراد كانوا يقودون هذه المظاهرات، وبالتحقيق معهم اتضح أنهم كانوا أسرى فى إسرائيل .. ويعملون الآن كعملاء لها، واعترف اثنان بذلك ، وأنه من ضمن مهامهم التى كلفوا بها من لدى إسرائيل إثـارة الشغب .. وفى الإسكندرية بالـذات، وهذه الاعترافات موجودة ضمن تحقيقات النيابة .

     قد يكون مظهر الصورة العام هو الطلبة ، ولكنى أقول : إن هـذا المظهر العام لا يعبر فى الحقيقة عن الطلبة، ولكن قد يعبر عن فئة قليلة منهم وُجِّهَت واسْتُغِلَّت عن طريق بعض الأيـدى الخفية، التى يجب على كل فرد أن يحاربها ويقضى عليها فى هذه الأوقات العصيبة التى يمر بها الوطن .

     بعد هـذا العرض، لا يسعنى إلاَّ توجيـه الشكر لرجال الاتحـاد الاشتراكى فى كل مكان، فقد كانوا خير عون لرجال الشرطة فى هذه المواقف، وشكراً للصحافة التى أوضحت فى الأيام الماضية دور رجال الشرطة، وأظهرت الحقائق للجميع .

     أمـا أنت يا سيادة الرئيس ، فلقد كنت دائماً وستظل بإذن الله خير مُوَجِّه لنا، وأعظم قائد لهذا الشعب . إن قوى الشعب العاملة المخلصة المؤمنة بكم وبقيادتكم، لَتَدْعوا لك دائماً - خاصة فى هذا الشهر المبارك - أن ينصرك الله ويؤيدك ، ويُمَكِّنْ لك فى الأرض .. قائداً وزعيماً .. محققاً للنصر والتحرير، بإذن الله،   وأشكركم .

 

 

 

 

السيد / الرئيس :

     حتى تكتمل الصورة، أنا كنت طبعاً متتبع الحوادث بعد يوم الخميس باستمـرار، ويـوم الاثنين الساعة احداشر ونص .. شفت الصورة فى الإسكندرية، وانها ممكن تدل على أن البلد خرجت عن سيطرة قوى الأمن، لأن ابتدت المظاهرات فى أحياء متفرقة فى الإسكندرية .. فى مجموعات صغيرة، وقوى الأمن الموجودة فى الإسكندرية أغلبها كانت فى ناحية باب شرقى .. ماسكة ومحاصرة كلية الهندسة، والقوة اللى باقية كانت قوة صغيرة . الداخلية كانت باعتة قـوات من القاهرة علشان تروح إسكندرية، المعلومات اللى جات لى أيضاً ان ابتدت حرايق .. وابتـدت عمليات نهب.   

     والحقيقة تصورت فى هذا الوقت ما حدث يوم 26 يناير سنة 52، بالضبط العملية كانت ماشية  بهـذا التسلسل. وكانت الساعة اتناشر إلاَّ ربع لَمَّا أنا طلبت الفريق فوزى .. وطلبت منه انه ينـزِّل قوات الجيش إلى الإسكندرية، ويتولى المسئولية بالاتفاق مع وزير الداخلية، لأن قوات الجيش موجودة بره الإسكندرية .. والأمر يحتاج إلى وقت ، وطلبت منه أيضاً انه ينـزِّل قوات الجيش إلى القاهرة .. ويكون مستعد لمواجهة أى شئ .. والجيش ياخد دوره ضمن خطة الأمن الداخلى .

     بعد ساعة كانت قوات الجيش موجودة فى أماكنها المقررة فى الإسكندرية، ولكن أمكن بعد هذا بواسطة قوات البوليس السيطرة على الموضوع .. ولم تتدخل قوات الجيش ، ولو أنها لا زالت حتى الآن موجودة فى أماكن على أطراف الإسكندرية .

     فى الحقيقة أيضاً الحرية لها طبعاً مدلولات .. هم الأولاد عملوا محطة إذاعة .. وكانوا بيذيعوا منها، وعملوا منشورات، وكانوا الحقيقة فى معاملتهم للناس .. ولمدير الجامعة .. عاملوه معاملة يعنى غير كريمة، وأيضاً المحافظ عاملوه معاملة غير كريمة - اللى راح لهم هناك - بل حبسوهم فى أوضه من الأوض لفترة من الفترات. كان فيه أربعة طلبة معتقلين، فحبسوا المحافظ ومدير الجامعة، وقالوا إنهم مايسيبوهمش إلاَّ لَمَّا يجيبوا لهم الطلبة .. وجابوا لهم الأربعة الطلبة. وخطفوا ضابط بوليس برتبة عقيد وضربوه .. وأظن سببوا عنده كسر وراح المستشفى .

     الحقيقة أنـا فى أول يـوم .. حينما طُلِبَ قفل الجامعة .. يمكن أنا ماكنتش موافق على موضوع قفل الجامعة بالشكل ده .. وكنت باقول : فليأخذ الموضوع مداه، ويعنى احنا مستعدين اللى بيبلطج بياخذ جـزاؤه، ولكن على الساعة واحدة ونص .. أو اثنين بالليل .. كان بان ان فيه ناس - الحقيقة - مالهاش دعوة حَتِنْضَرّ فى العملية .

 

 

 

 

     الفئة اللى كانت بتثير هـذا الموضوع هى فئة قليلة .. أقل من 1 % بالنسبة للجامعات . يعنى لَمَّا بنمسك كلية هندسة القاهرة فيها 7000 طالب .. فعـلاً الكلام اللى اتقال على العربيات .. هى حواليها حوالى 200عربية، والكليات الثانية حوالين كل كلية حوالى 10 أو 15 عربية، أنا سألت عن موضوع العربيات ده بالذات . وبعدين لَمَّا بينعمل مؤتمر .. المؤتمر بيحضره قد إيه؟.. بيحضره 400 طـالب .. أو بيحضره 500 طـالب . المؤتمر اللى انعقد يـوم السبت كان فيه 400 طالب من 7000 . مين اللى بيتكلموا؟.. أنا عارفهم واحد واحد .. اللى بيتكلموا - من أول السنة الدراسية - هُم طلبة مِنْ اللى بيحطوا جرائد الحائط، وبيقولوا إيه؟.. أنا عارفهم، وقارى جرائد الحائط .. وعامل لكل واحد منهم كارت عندى فى الرياسة .. يعنى أنا متتبع العملية .

     فى رأيى ان فى الجامعة من أول يوم.. الحقيقة من أول يوم اتقال إن الجامعـة حيحصل فيها شئ، واتقال بَرَّه فى الجارديان .. واتقال فى أمريكا .. واتقال فى جرائد لبنان ، وأنا قلت هذا الكلام، الواحد كان متوقع فى أى يوم - الحقيقة - ان يحصل شئ ، اللى كان يتتبع جرائد الحائط فى الجامعة، والكلام اللى بيتقال فى المؤتمرات ، كان بيشعر إن هذا اليوم آتى ولابد منه، لأن الحقيقة الكلام وصل إلى مـدى لا يمكن السكوت عليه، ولكن احنا كنا ساكتين على هذا الكلام خالص ، وزى ما قلت لكم : لم نتخذ أى إجراء إدارى من السنة اللى فاتت .

     نتيجة الحوادث اللى حصلت فى إسكندرية .. الحقيقة نتيجة مؤسفة جداً، وغير المحلات اللى اتكسرت أو اتنهبت، غير الترموايات والأتوبيسات، وغير العمليات دى كلها .. فيه 15 قتيل فى إسكندرية : 2 طلبة و 13 مواطن غير طلبة، والمصابين 178.. إصابات بالرش .. وإصابات أخرى.. وحجز 4 من الطلبة فى المستشفى بس ، وفيه 53 من الأهالى برضه إصابات رش .. أو كدمات وحاجات بهذا الشكل. أما المصابون من رجال الشرطة فهم 119، منهم : 8 ضباط، و 111 صف وعسكرى .. حجز منهم 2 بالمستشفى .

     التلفيات 50 سيارة أوتوبيس، وتهشم 180 لـوح زجاج بعربات ترام البلد، و 90 لوح زجاج فى ترام الرمل ، و 116 إشارة مرور، و 29 كشك مـرور، وتحطم زجاج واجهات 11 محل عام ، منها : مجمع استهلاكى "جـرين" .. ونهبت محتوياته، وتحطم زجـاج عـدد من سيارات : القطاع العام، والمطافئ، والشرطة، والقوات المسلحة، والسيارات الخاصة، وحرق أثاث نادى موظفى محافظة إسكندرية ، وعدد من زجاج مصابيح إضاءة الشوارع لم يتم حصرها بعدى . الحقيقة أنا وجدت من

 

 

 

 

الواجب إن أنا أقول لكم على كل الإصابات والأحداث اللى حصلت فى إسكندرية .

     طبعاً بالنسبة للكلام على سيادة القانون، والتجمهر ، والتغيير ، والعمليـات دى .. يعنى الحقيقة كلمة التغيير ماطلعتش فى فبراير .. طلعت قبل فبراير .. وأول حتة علانية كتبت فيها كلمة التغيير كانت فى الأهرام .. أول حد قال : التغيير .. وقال : تفويض بالتغيير .. وقبل الأهرام ما يكتب، كنا احنا بنتكلم فى مجلس الوزراء عن التغيير .. واحنا أول ناس رفعوا شعار التغيير .

     الحقيقة كلمة الحرية أيضاً لها مدلولات، يعنى هناك فـرق بين الحرية والفوضى ..  الحرية زى ما قال وزير الداخلية فى انجلترا اللى عايز يطلع مظاهرة بياخد أمر أو موافقة من وزارة الداخلية، ولو حـد خرج عن هـذا بيروح المحكمة تانى يـوم .. ويحكم عليه فى اليوم التالى ، مش زى عندنا هنا حتى يروح النيابة وبيقعـد .. لكن فى اليوم التالى . وعندما أَقَرَّبْ عملية المظاهرة الأخيرة .. اللى حصلت بالنسبة لفيتنام .. الحقيقة بالنسبة للطلبة احنا عملنا تيسيرات للطلبة ماكانتش موجودة أبداً .. يعنى بأى شكل من الأشكال ماكانتش موجودة أيَّامْنَا، وَلاَ بعدنا .

     وبعدين احنا مثلاً واحنا طلبة وكنا بنطلع نتظاهر، عمرنا ما كنا بنكون رُزَلَه مع حد ..  أنا كنت فى كلية الحقوق .. عمرنا ما كنا رُزَلَه مع العميد أو مدير الجامعة بأى شكل من الأشكال، وكنا بنطلع نتظاهر .. أنا باقول هذا لإنهم قالوا إن الريس كان بِيطلَع مظاهرات قبل 52.. كنا بنطلع لمناسبات قومية وعمليات بهذا الشكل، ولكن كنا - الحقيقة - العميد بنعطيه اعتباره .. والأستاذ بنعطيه اعتباره . الحقيقة فى العملية دى فى كلية الهندسة مشترك معاهم أستاذ .. ومشترك معاهم أيضاً عدد من المعيدين فى اسكندرية، وكانوا موجودين جوّه فى الاعتصام عاملين لجنة من اللجان .

     النقطة الثانية الحقيقة اللى أنـا بِدِّى اقولها احنا كل سنة بِنْعَيِّنْ الخريجين .. خريجين الجامعة،  وبياخدوا منا حوالى 12 مليون جنيه سنوياً للتعيين .. الحقيقة بِنْعَيِّنْ ناس لسنا فى حاجة إليهم .. بنعينهم كعمالة زائدة. والحقيقة عدم تعيينهم لن يؤثر أبداً على السير فى الدولة .. ولا على نمو الدولة.    

     يعنى الحقيقة أنا حينما وافقت على تعطيل الدراسة فى الجامعة .. وافقت على التعطيل ولو استمر حتى إزالة آثار العدوان .. لأن النهارده إسرائيل بتتكلم فى الحل السلمى وفى كل العمليات الموجودة.. وأمريكا من وراءها .. بينتظروا ان الجبهة الداخلية تتصدع بأى شكل من الأشكال .       

     وعن جرايد لبنان اللى طلعـت امبارح .. فيها المنشور اللى قـراه شعراوى .. فيها المنشورات: "الطلبة تطالب بإنهاء دولة الشعارات" .. ده فى جرايد بيروت اللى طالعة امبارح.. اللى هى معروفة..

 

 

 

 

إن هى موالية للقضايا القومية .. وفيه جرايد معروفة إنها غير موالية وماشية مع الأمريكان، نرى جريدة الحياة ، وجريدة النهار، وفيها أعداد مبالغ فيها عن القتلى .. بيقولوا بالخمسين .. وبيقولوا إن العملية دى تمثل الطلاب كلهم .

     الحقيقة فيـه نقطة قبل ما أخلص كلامى أحب أوضحها .. اتكلم فيها وزير الداخلية .. اللى هى خاصة بالعسكرى اللى مسكوه بباب شرقى فى اسكندريـة. الحقيقة بعد عودة الأسرى حصل استجواب لكل الأسرى، فعدد كبير من الأسرى قال إن الإسرائيليين جندوهم، وإدُّوا كل واحد منهم خمسين جنيـه على أساس انهم يدوهم معلومات، أو ينفذوا التعليمات اللى تجيلهم بالحبر السرى .. واعترف عدد كبير من العساكر بهـذا. ولكن أيضاً فى بحثنا للموضوع قلنا قد يكون البعض مااعترفش .. وعلشان كده أى عدد مشبوه فيه نسرحه .. فسرح عدد من العساكر اللى كانوا فى الأسر، على أساس أن هنـاك شبهـة فى أن تكون إسرائيل قـد جندتهم .. وخصوصاً عساكرنا فقراء، ممكن يِدُّوا العسكرى 50 جنيه .. أو 100 جنيه.. وممكن يمشى معاهم، ويقولوا له: ممكن إذا تجاوبت معانا حنديك فى الشهر 50 جنيه .. أو 100 جنيه، وهُمَّ بيمشوا فى هذا الطريق .

     الحقيقة مسكنا واحد عسكرى .. وأخوه اعترف عليه .. وبلّغ عنه ، واتمسك العسكرى ده اللى هو موجود .. كان يقود مظاهرة فى باب شرقى، واعترف بعد ما اتمسك ان هو مجند بواسطة إسرائيل، وإن قالوا له إن أى مظاهرات .. أو أى قلاقل .. أو أى شئ ممكن يؤثر جداً فى النظام، وانه مشى وأخد منهم الخمسين جنيه .. ومشى فى هذه السكة، ولما وجد المظاهرات .. طلع مِشِى فيها.. هذا الكلام .. أنا حبيت أوضح موضوع العسكرى .. ونقطة العسكرى .

     النقطة الأخيرة : هى سيادة القانون .. بقى يعنى شعار كل واحد بيقول ويعمل ما يشاء تحت اسم سيادة القانون. الحقيقة القانون هو حقوق وواجبات، وبعدين احنا أيضاً فى اجتماعنا فى اللجنة التنفيذية العليا قررنا ألاَّ نأخذ أى إجراءات إدارية، ولكن نعرض الموضوع على اللجنة المركزية .. وندعو المؤتمر القومى العام .. ونعرض الموضوع على المؤتمر القومى العام .. حتى نستطيع ان احنا نغطى كل جوانب المـوضوع. زى ما قلت باستمرار ان احنا مانقدرش نِتكلِّم فى غرفة مغلقة فى هـذه الظروف العصيبة اللى بتمر بينا، ولازم نحـط دايماً فى حسابنا ان فيه طرف تانى موجود معنا، اللى هو الناس .. اللى هُمَّ الثورة عاوزة تقنعهم .. وأعداء الثورة عايزين أيضاً يقنعوهم .

     فى رأينا أن المؤتمر القومى العام سَيُمكِّن البلد كله .. الناس كلها.. من أن تكون على اطلاع على

 

 

 

 

كل الأمور بحقيقتها، ولا تكون عرضة للحرب النفسية الموجهة من الخارج .. أو لحرب الإشاعات أيضاً الموجهة من الداخل. وده اللى بِيمكِّنا من ان احنا نعـزل جمـيع العـناصر المضادة للثورة .. العناصر المضادة للشعب. ونفتح المناقشة فى الموضوع .

 

السيد / محمد أحمد عبد الهادى على :

     أود فى البداية أن أهنئ السيد الرئيس، والسادة أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، والإخـوة الزملاء، بشهر رمضان المبارك. والواقع أن الذى شدَّنى إلى الحديث هو بعض نقاط، أرجو أن أوجزها :

     الأولى : هى إننى كشاب أحس بمشكلة الشباب .. وأُعـانى ما يعانيه. وفى هذا الصدد أحب أن أقول : إن هناك عدة حقائق يجب أن نضعها نصب أعيننا .. يأتى على رأسها أن الشباب هم أبناء الثورة .. ومن ثم فإن ولاء هؤلاء الشباب لك ياسيادة الرئيس، ولزعامتك، ولقيادتك، ولهذا الوطن أمر لا شك فيه .  

     ومن أجل هذا أؤكد وأؤيد ما قاله السادة الوزراء من أن الشباب عموماً .. شباب طاهر وبرئ، وإن كانت هناك بعض العناصر المنحرفة التى تعمل فعلاً على تعويق مسيرة الشعب نحو الاشتراكية ونحو النصر. إن ما حدث ياسيادة الرئيس، لا يمكن أن يُعَبِّر بحال من الأحوال عن اتجاهات الطلبة، أو عنا نحن الشباب. وإنى أنقل إلى سيادتكم صورة صادقة لشعور الرأى العام، تتمثل فى حوار دار بينى وبين كثير من الطلبة - وسط وبعد هـذه الأحـداث - وكانت حصيلة هذا الحوار هى السخط والاستنكار لكل ما جرى، وهم يطالبونك ياسيادة الرئيس بالحزم، والحسم، والضرب بكل شدة على هذه الأيدى القليلة المخربة، التى تستغل براءة الكثير من الطلبة وتوجهها وجهة لا تخدم بحال من الأحوال قضية الجماهير .

     ولا يفوتنى فى هـذا المقام أن أؤكد الكثير ممـا قاله الأخ فريد عبد الكريم، وأهنئـه على تحليله الموضوعى والعلمى .. التحليل السياسى للواقع الذى ساد هذه الأحداث فى الفترة الأخيرة.. وأشكره على تناوله الموضوعى لقضية الشباب الاشتراكى فى الجامعات. إلاَّ أن هناك نقطة بسيطة أود أن أقـررها، وهى أن الشباب لم يقف موقفاً سلبياً .. أو موقف المتفرج تجـاه هـذه الأحداث، ليثبت للقيادة السياسية أنه كان باستطاعته أن يقود العمل الشبابى داخل الجامعات .. وإنما الحقيقة - فى هـذا الخصوص تتلخص فى أنـه كانت هناك تعليمات واضحة ومحددة للشباب الاشتراكى داخل

 

 

 

 

الجامعات بألاَّ يتحرك أى حركة حتى لا تُفسر أى تفسير، إذ أن اتحاد الطلاب كان يطرح شعاراً مؤداه أَلاَّ وصاية على الحركة الطلابية، وأن السيطرة والهيمنة عليها من اخـتصاصه هـو، وهو الذى يستطيع أن يقودها .

     هذه الحقيقة كان للشباب الاشتراكى فيها نظر .. إذ كيف لاتحاد الطلبة - وهو لا يمت بفكر معين، وَلاَ لأرضية سياسية معينة يتحرك من خلالها - أن يهيمن على قطاع عريض من الشباب ويوجهه؟ من الطبيعى أنها تكون حركة تلقائية وعفوية، ومن ثم يستطيع أى انسان مخرب .. أو أى إنسان له ميول معينة .. أو له جذور ضاربة إلى تنظيمات سابقة قبـل الثورة، أن يستغل براءة الشباب والطلبة ويوجههم إلى عمليات الهدم والتخريب. ومن هنا كان لنا كقيادات للشباب الاشتراكى وجهة نظر، إذ طالما نبهنا لخطورة اليمين عموماً وفى هذه اللحظة بالذات. وهذا ما يدعونى إلى ضرورة مواجهة قضية الناس ذوى الفكر اليمينى المتطرف .. وضرورة أخذهم بالحزم، وأن يكون هذا واضحاً للجميع ، إذ أننا مجتمع اشتراكى .

     ملاحظة أخرى : هى أننا سمعنا أن لجنة الشباب قامت بدراسة معينة عن الشباب، وستُعرض على اللجنة التنفيذية، ولذلك فإننا نـرجو سيادتكم - والسادة أعضاء اللجنة التنفيذية - سرعة البت فى هذه الدراسة .

     ياسيادة الرئيس ، إن القضية الأساسية هى قضية الوطن، وأمنه، وسلامته، ومن ثم يجب أن نعطى هذه القضية كل اهتمامنا .. وكل حرصنا، وأن يعاقب كل من يعتدى على هذا الوطن وأمنه عقاباً صارماً، حتى يكون المخربون الجبناء عبرة لمـن تسول له نفسه أن ينال من قضية الجماهير . إن السرعة فى الجزاء يجب أن تتحقق ، وألاَّ يكون هناك تهاون معهم مطلقاً، لأن المستفيد وحده من ذلك هم أعداء الوطن فى الداخل والخارج - كما نعلم جميعاً .

     يا سيادة الرئيس، الشباب معك .. الجماهير معك .. الله معك، فسر على بركة الله،   وشكراً .

 

السيد / الرئيس :

     هو لى تعليق بالنسبة لليمين، وأيضاً اليسار. هم الثلاثة المعتقلين اللى أنا اتكلّمت عليهم .. اللى اعتُقلوا فى أحداث فبراير الماضى ولم نفرج عنهم أصلاً، يمثلوا قيادة حزب شيوعى جديد، ولكنه شيوعى صينى. والحقيقة هُمَّ طلعوا تانى يوم علشان يتصلوا بالطلبة فى أيام فبراير، وأيضاً كانوا بيعملوا

 

 

 

 

خطة للاتصال بالمدارس الثانوية ، لأنهم فوجئوا بأحداث أول يـوم . يمكن ده كان من الأسباب اللى خلتنا قررنا إغلاق الجامعة على طول فى شهر فبراير، لأنهم كانوا بيشتغلوا على أساس استغلالها .

     أيضاً فيه ناس يساريين - ويمكن شيوعيين سابقين - دخلوا الانتخابات وسقطوا، ومتصورين ان الاتحاد الاشتراكى سَقَّطْهُم .. وماخدوش مناصب .. ونفوسهم غير صافية. وبعدين برضه باقول موضوع أيضاً أشك فيـه : ان فيه ناس كانوا فى الاتحاد الاشتراكى ودخلوا فى هذه الانتخابات وسقطوا .. والحقيقة عملوا من هذه القضايا قضايا شخصية، ويمكن أيضاً بيشنَّعوا ، وبيتكلموا أكثر . ودى مواضيع يمكن انتم بتحسوا بها أكثر ممـا أنـا أحس بها لأنكم انتم موجودين فى المواقع نفسها، كل دى قد تكون عوامل .

     وبعدين اللى أنا بِدِّى أقوله إن اللى بيخطط مابيخططش أبداً خطة كاملة .. هو بس بيعمل البداية، وبعد كده الأمور بتتفَصَّل، وكلنا عارفين الطلبة .. وازاى أى طالب من السهل انـه يُستثار، والعملية بتنفلت من إيد أى واحد كبير أو صغير - وممكن تروح إلى متاهات كثيرة .

     هو فى الحقيقة مافيش تنظيم قوى للاتحاد الاشتراكى بين الطلاب. كان الاعتماد أولاً على منظمة الشباب، ثم تضاربت فيها الأقوال. وبعد هذا - الحقيقة - وقفت منظمة الشباب عن العمل، وطِلْعِت قيادات جديدة .. أو نـاس تدعى لنفسها الحـق فى القيادة ، وكل دى مواضيع الحقيقة عايزة إعادة نظر .

     لكن أنا معاك إن فيه تقارير .. يعنى النسبة الكبرى أنا باقول إنهم أقل من 1 % ، النسبة العالية من الطلبة ناس يعنى يعتبروا انهم أبناء الثورة، وعايزين يشتغلوا ويستفيدوا. ولكن مثلاً لَمَّا بِنمسك الجامعات [ فى الدول ] الأخـرى اللى فيها تنظيمات حزبية .. مثلاً فى الخرطوم فيه تنظيم إخوانى .. وفيه تنظيم شيوعى ، لَمَّا  التنظيم ده عمل حاجة، التنظيم الثانى وقـف وتصـدى له، وبرضه الآخر حصل ان الجامعة اتقفلت، لأن برضه حصلت نتايج .

     فى لبنان أيضاً، فى الأسبوع اللى فات طلَّعوا الطلاب اليساريين وتصدى لهم الطـلاب اليمينيين، وحصلت أحداث بهذا الشكل .

     الحقيقة احنا أيضاً فى سنة 54، يعنى طلعوا الطلاب، وتصدى لهم طلاب كانوا موجودين فى هيئة التحرير فى سنة 54 .. وقدروا يتصدّوا لهم .

     الحقيقـة الوضع النهارده كان مايع جـداً ، وكان السؤال : هل منظمة الشباب فيها عيب، أو

 

 

 

 

مافيهاش عيب؟ أو هل نبتدى نعمل منظمة الشباب .. وتنظيم طـلابى متصل جديد؟ الحقيقة أنا يعنى من رأيى ان منظمة الشباب بتمشى فى طريقها بالنسبة للمحافظات ...  إلى آخره. لكن أيضاً فى المحافظات بيكون فيه تنظيم طلابى غير منظمة الشباب ، واحنا كنا بنناقش ده فى اللجنة التنفيذية العليا فى الاجتماع الأخير، ولكن هـذا كله عايز وقت حتى يقوم على قواعد راسخـة. فيه ناس فى إيدها المبادأة .. وتستطيع إنها تقتنص هذه المبادأة .. قانون تعليم .. قانون تعاون .. أى عملية من العمليات، وتستطيع انها تعمل شوية هيـاج، بِيِنْضَم لها 200 أو 300 واحـد .

     فى إسكندرية اللى اجتمعوا الأول 400 واحد .. وبعدين اللى اعتصموا كانوا 200 أو 250 واحد .

 

السيد / محفوظ سعد الدين :

     بعد أن استمعنا للعرض الذى قدمه السادة الوزراء والسادة الأمناء، أعتقد أن الأمانة بالنسبة لأمتنا تقتضينا ألاَّ نترك هذا الموضوع دون أن نضع له حداً، إذ مصلحة الدولة فوق كل مصلحة. والذى لا شك فيه هـو أن هذا التصرف الشائن فى هذه المرحلة من تاريخنا إن دل على شئ فإنما يدل على أن هناك أصابع خفية .. هى أصابع الاستعمار، والصهيونية ، والقوى المضادة استطاعت أن تسيطر على بعض الطلبة الفاشلين، وهى تبغى من وراء ذلك أمرين :

     أولاً : تفتيت الجبهة الداخلية، والتشكيك فى الصمود الداخلى .

     ثانيا : إضعاف الروح المعنوية بالنسبة لقواتنا المسلحة .

     فإذا كان قد وضع لنا هذا المخطط، ولما كان أى تصرف من هذه التصرفات يعتبر خيانة   عظمى بالنسبة للدولة، فإن الأمر يقتضينا :

     1-  اتّباع سياسة الحزم والشدة لكل من تسول له نفسه أن يقوم بأى عبث .

     2-  سرعة عقد المؤتمر القومى لكشف هذه المؤامرة، وفضح الأساليب الاستعمارية والصهيونية ، وتبصير الشعب بدقائق الموقف، وإعـلام الـرأى العام العالمى أن الشعب كله وراء قيادته السياسية ، مؤمناً بها إيمانه بربه ووطنه .

     3-  قيام الاتحاد الاشتراكى - بجميع مستوياته - بعرض الموقف وتحليله لأولياء الأمور، والطلبة، والتصدى لكل تيار والكشف عنه فوراً .

 

 

 

 

     4-  فتح المعاهد والكليات عقب جلسات المؤتمر : إذ الغالبية العظمى من الطلبة وأولياء الأمور يطالبون ببدء الدراسة، وجمهرة الطلاب تستنكر هذا الانحراف من طائفة منحها سيادة الرئيس الكثير، وهم يرون أن مهمة الطلبة هى تحصيل العلم لا الـقيام بالمظـاهرات، ولـذلك فهم يطالبون القيادة السياسية، بألاَّ تأخذها رحمة بأولئك العابثين الذين لا يقدرون المسئولية .

     يا سيادة الرئيس .. إن جماهير 9 و 10 يونيو مـن خلفك، والله معك، والنصر حليفك إن شاء الله،   وشكراً .

 

الدكتور / مصطفى أبو زيد فهمى :

     إن عملية تقدير الموقف ووصف العلاج لـه، تتوقف فى الواقع وإلى أبعد حـد - على النظرة الصحيحة للأمـور . وفى اعتقادى أننا لكى نصل إلى وضع عـلاج سليم ، يجب تجنب النـزعة إلى التعميم، أقول هذا لأنى سمعت من بعض الزملاء لوماً يوجه إلى كل الطلاب، أو إلى أساتذة الجامعة بصفة عامة. وفى اعتقادى أن الطلاب مجتمع شأنه شأن الأمة بأسرها، ولا يتصور أن الأمة بأسرها يمكن أن تُجمع على رأى سياسى واحد .

     ومن هنا يمكن القول : إن الطلبة ما هم إلاَّ مجتمع صغير على نفس شاكلة الأمة ، فإذا كانت الأمة فيها المؤمن وفيها الخائن .. فيها الوطنى وفيها غير الوطنى، فمن الطبيعى أن تكون نفس النسبة..  ونفس الصورة منعكسة انعكاساً تاماً فى مجتمع الطلاب .

     ولذلك، فإننى قلت .. وأقول دائماً : إن النكسة لم تفعل شيئاً، فصديق الثورة قبل النكسة هو صديقها بعد النكسة، وعدو الثورة قبل النكسة هو عدوها بعد النكسة، وكل ما فعلته النكسة هى أنها جرَّأت عناصر القوى المضادة على أن ترفع رأسها .. وعلى أن تعمل، هذا كل ما فعلته . 

     أعود فأؤكد أن الطلاب ما هم إلاَّ صورة لمجتمعنا .. ومجتمعنا مما لاشك فيه يؤمن بالثورة .. ويؤمن بقيادة هذه الثورة .. ويؤمن بالمبادئ الاشتراكية العريقة لهذه الثورة، وجمهور الطلاب هم كذلك على نفس هذا المبدأ، وإن كانت هناك قلة منهم منحرفة، وهذه القلة المنحرفة هى التى تستغل الموقف .

     وما يقال على الطلاب يقال كذلك على الأساتذة، إلاَّ أننى سمعت رأياً يقول : إن أساتذة الجامعة يدينون دائماً بالولاء للثقافات التى تلقوها فى الخـارج.. هـذا القـول لا يمكن أن يمر دون أن أعلق

 

 

 

 

عليه، فأقول : إن هنالك عيباً حقيقياً كان يوجه إلى أساتـذة الجامعات وهم طلبة فى البعثات هو أنهم متمسكون أكثر مما ينبغى بولائهم لوطنهم، ولا يندمجون الاندماج الكافى بالمجتمعات التى ذهبوا ليدرسوا فيها. وقد كنت يوماً من الأيام أنا والدكتور لبيب شقير طلبة فى البعثة فى جامعة باريس، وأذكر العيوب التى كانت توجه إلينا آنذاك - سواء من إدارة البعثات، أو من غيرها ، أو من الجامعة نفسها - وهى ليس بأننا نلقى بأنفسنا فى خضم الحضارة الأوروبية، إنمـا كان الانتقاد المر الذى كان يُوَجَّه إلينا فى ذلك الحين، أننا - ونحن فى أوروبا - لا نريد إطلاقاً أن ننسى أننا مصريون. وأذكر أنه ما كان يأتى شهر رمضان المبارك إلاَّ ونرى معظم المصريين الموجـودين فى باريس - ذات الانطلاق إلى غير حد - يصومون هذا الشهر المبارك، ويتمسكون بحضارتهم الإسلامية والعربية.

     أخلص من هذا .. وأنا مؤمن بما أقول : إن 90% على الأقل من أساتذة الجامعـات يؤمنون بهذه الثورة ويدافعون عنها، - ليس علناً فقط وإنما أيضاً فى مجالسهم الخاصة وهذا هو أقصى درجات الولاء ، إذ ربما يكون الولاء العلنى بغية مكسب، أمـا الولاء فى المجلس الخاص والإنسان بين أصدقائه - وليس هنالك من رقيب - فهذا هو الولاء بعينه .

     وإنى أؤكد لزملائى أعضاء اللجنة المركزية أن 90% من أساتذة الجامعة فى مجالسهم الخاصة هم من أشد الناس إيماناً بالثورة، ولكن كما قلت قبل ذلك : إن أساتذة الجامعة والطلاب ماهم إلاَّ صورة لمجتمعنا .. ومجتمعنا فيه بعض العناصر المنحرفة. ومن ثم فمن الطبيعى أن تجد أستاذاً ناقماً على الثورة، أو تجد طالباً ناقماً على الثورة .

     أشير إلى حركات الطلاب فى لبنان، وأستطيع أن أقول إن حركة الطلاب فى بيروت، هى نفسها حركة الطلاب فى مصر .. نفس التكتيك .. ونفس الخطوط الرئيسية، فعلى ماذا تقوم الفتنة الطلابية؟ تقوم أولاً على وجود فئة قليلة منحرفة من الطلاب، وتقوم ثانياً على أيدٍ ضعيفة تعمل، وتقوم ثالثاً على إشاعة كاذبة ترمى إلى التضليل والإثارة .. وهذا هو ما حدث فى بيروت .. وهو نفسه ما حدث فى الإسكندرية .. ونفس الشئ حدث فى المنصورة، أَيْـدٍ خفية تعمل .. وقلة منحرفة تستجيب لهذا العمل، ثم إشاعات ضارة وكاذبة ترمى إلى التضليل والخداع .

     فى بيروت سار الطلاب فى مسيرة سلمية ينادون : " الطلاب الناصريون يؤيدون العمل الفدائى"، ثم ذهبوا إلى مجلس النواب، ووضعوا صورة السيد الرئيس على الحائط الخارجى للمجلس، وهذا عمل سليم جـداً من الناحيـة الديمقراطية، ولكن التكتيك والإشاعات الكاذبة ذهبت تقول : " إن الطلبة

 

 

 

 

اللبنانيين أخذوا العلم اللبنانى وداسوه بالأقدام ، فثارت الدنيا كلها، ووقف أحد أعضاء مجلس النواب واسمه الأب سمعان الدويبى ، وقال إنه لن يجلس فى مجلس النواب إذا كان العلم اللبنانى يداس بالأقدام، وصورة الرئيس جمال عبد الناصر توضع فى أعلاه. وبعد أيام أعلنت وزارة   الداخلية - التى يسيطر عليها عناصر غير عربية أن أحداً لم يَدُسْ العلم اللبنانى ، وأن أى إهانة على الإطلاق لم تلحق بالعلم اللبنانى. وهكذا كان مصدر الفتنة إشاعة غير صحيحة على الإطلاق .

     هذا التكتيك الذى أبرزه هو الذى يُعيننا فى العلاج. فالتكتيك دائماً يقوم على ثلاثة عناصر :

¨       أن هنالك فئة قليلة منحرفة .   

¨       وأن هنالك أيدٍ خفية تعمل .

¨       وأن هنالك إشاعة ضارة مضللة، تريد باستمرار أن تصل إلى التشويش والتضليل .

     فماذا يكون العلاج؟ أرى إعادة النظر فى التنظيمات الطلابية، وعندما أقول التنظيمات الطلابية ، لا أعنى الاتحادات الطلابية .. هذه المشكلة ناقشناها فى الصيف الماضى فى لجنة المائة، وقبل ذلك ناقشناها فى الجامعة . وأعتقد أن من أكثر الأشياء التى من شأنها أن تصيب حركة الطلاب بالشلل .. تعدد التأثيرات، فهنالك الاتحادات الطلابية وأعضاؤها يأتون بالانتخابات، ثم منظمة الشباب، ثم تنظيمات الاتحاد الاشتراكى. وفى اعتقادى أن هذه المسألة لابد أن تُحل، وأعتقد أن الأساتذة فى هذه الحالة يجب أن يقوموا بمسئولياتهم كاملة، وسوف نجد فى كل كلية عناصر ثورية مؤمنة مخلصة، ووجودها وسط الحركة الطلابية - مفيد للحركة الطلابية إلى أقصى حد .

     أشار السيد أمين محافظة الإسكندرية إلى نقطـة معينة، كنت أود ألاَّ تثار هنا فى اللجنة المركزية، وهى أنـه يجب إعادة النظر فى تشكيلات الاتحاد الاشتراكى فى الجامعة، إمَّا لاتخاذها مواقف سلبية ، أو مواقف مشجعة للطلاب . وأود أن أقول علانية الأسباب أو الظروف الموجودة فى جامعة الإسكندرية :      

     تقدم السيد مدير الجامعة لانتخابات المؤتمر القومى العام، فلم يحظى بتأييد القاعدة الشعبية،   بينما نجح آخـرون . وكان مـن الطبيعى أن تترتب على هذا الموقف آثار إنسانية .. أن يكون هو متألماً .. أن ينظر إلى القيادات الجديدة نظـرة خاصـة ولا يتمنى لها النجاح ، وهذا ما تبين فعلاً، إذ أن حجم المساعدات التى قـدمها قبـل الانتخابات لم تكن هى نفس حجم المساعدات التى يقدمها الآن . ولذلك فـإن تنظيمات الاتحـاد الاشتراكى فى جامعة الإسكندرية مصابـة بما يشبه الشلـل

 

 

 

 

وقد نبه المخلصون فى الجامعة إلى هذا الوضع أكثر من مرة. والوضع الآن معروض أمام القيادة السياسية فى أعلى مستوياتها .. هذا الوضع يحتاج إلى حل. وقد يكون مدير الجامعة كفاءة علمية ضخمة جداً، إنما نحن بصدد موقف فيه الكثير من التضارب ، إذ من الطبيعى أن سقوط مدير الجامعة فى الانتخابات يجعله ينظر إلى من نجحوا نظرة غير سليمة، ومن الطبيعى أيضاً أن ينعدم التعاون بينهم، وهذا ما أَدَّى إلى الشلل الكامل .

     والسيد الرئيس كان أول من أدرك فائدة التعاون المثمر بين التنظيم الشعبى والجهاز الإدارى، ومن ثم أدخل السادة الوزراء كلهم فى اللجنة المركزية ، وهذه فى الواقع نظرة علمية سليمة 100% ، إذ لن ينجح العمل السياسى فى هذا الظرف بالذات إلاَّ بتعـاون كامل وإلى أقصى حد - بين الجهاز الإدارى والتنظيمات الشعبية، وأى تناقضات بين الجهازين من شأنها أن تصيب العمل السياسى - بغير شك - بالشلل الكبير .

     نقطة أخرى أود أن أشير إليها ، وهى أن هنالك موضة فى الأنظمة السياسية .. على غرار الموضة فى الملابس، والموضة السياسية فى الأنظمة السياسية هى حركات الطلاب ، وهى لا تتحرى دائماً المصلحة العامة. وليس أدل على ذلك من أنه فى بعض البلاد ثـار الطلاب ، وكان من بين مطالبهم تسهيل الحصول على حبوب منع الحمل، أى إباحة العلاقات الجنسية وتصحيحها بحبوب منع الحمل . هـذا مطلب من المطالب التى تـرددت فعلاً فى بعض حركات الطلاب فى بعض البلاد، وهو إن دل على شئ، فإنما يدل على أنه ليس واجباً أن نرحب ونشجع كل حركات الطلاب، والدليل على أن كثيراً من هـذه الحركات ما يكون مناهضاً لمصالح البلاد .. ما حدث من ثورة الطلاب فى فرنسا .. واستغلال العناصر اليسارية لها، إذ أن الرئيس ديجول استفتى الأمة فى هذا الخصوص، فأعطته الأمة أغلبية ساحقة، لم تعطها زعيماً من زعمائها فى تاريخها طوال مائة عام مضت، واتضح بالدليل أن حركة الطلاب فى باريس بالدوى الضخم الذى أحدثته - لم تكـن تمثل الأمـة الفرنسية فى شئ، وهـو أمر يحتم علينا أن نُقَيِّم حركات الطـلاب التقييم الصحيح لها ، ويقتضينا ألاَّ نقابل بالترحيب كل ما يطالب به الطلاب .

     وقد أكون مصيباً إذا قلت : إن من أسباب ضعف موقفنا إزاء الطلاب، هو أننا عاملناهم بالكثير من الكرم - رغم ما فعلوه فى الشهور الماضية - مما أشعرهم أنهم الفئة التى لا تقاوم ولا تغلب ، وأنهم أصحـاب الحـق وحدهم فى أن يملوا القـرار السياسى الذى يريدونه على الأمـة ، وهـذا وضع

 

 

 

 

يجعلنا نفكر جدياً فى تغيير المعاملة، وفى ضرورة الاستعاضة عن أسلوب التساهل بأسلوب الحزم .. والحزم الشديد .  

     انتقل بعد ذلك إلى نقطة أخرى هى سيادة القانون، وباعتبارى أستاذاً للقانون الدستورى فـأنا من أشد الناس مطالبةً بسيادة القانون. وأذكر وقد كنت مقرراً للجنة الفرعية لسيادة القانون فى لجنة المائة أننا فكرنا طويلاً أنا وزملائى فى هـذه النقطة، وانتهى بى المطاف إلى أننى قلت لهم : إن الظروف التى نعيشها تحتم عَلَىّ ألاَّ أنطق بهذه العبارة مجردة، وإن الأمر يقتضينى أننى بمجرد أن أنطق بسيادة القانون، فلابد أن أردفها بجملة أخرى، هى : أننا يجب ألاَّ ندمر الحرية باسم الحرية، ويجب ألاَّ ندمر الديموقراطية باسم الديمقراطية .

     إن من أخطر الأمور أن تدمر الحرية باسم الحرية .. وأن تدمر الديمقراطية باسم الديموقراطية، فسيادة القانون لا تعنى سيادة الفوضى .. ولا تعنى إطـلاقاً أن تنفرد طائفة من أبناء الأمة هى أقلها سناً وأقلها خبرة بسلطة التقرير فى الدولة .. إنما تعنى سيادة القانون والمبدأ الديموقراطى أن تكون الأمة كلها هى القائدة ، ومن ثم فإن سيادة القانون - فى هذه المرحلة التى نمر بها - تحتم أن نتخذ كل إجراءات الحزم الشديد مع كل إنسان يعبث بحريات هذه الأمة .

     ما أريد أن أصل إليه .. فى الوقت الحاضر .. تجاه هذه المسألة - وأرجو ألاَّ نكون حساسين إطلاقاً هـو أن الأمر يتطلب .. وإلى أقصى حد، أن نستعمل الحزم .. والحزم الشديد، مع كل منحرف، وهم قلة بغير شك، وذلك بأن تكون هنالك محاكمة عادلة وجزاء رادع ، حتى لا يؤخذ البرىء بجريرة المذنب .

     أما التساهل والعطف، فأعتقد أنه سيؤدى بالنظام السياسى إلى مواقف سوف تكرهها ليس فقط الأجيال الحالية .. وإنمـا أيضاً الأجيال المستقبلة. وأعتقد أن حركات الطلاب وثورتهم قد يكون لهما ما يبررهما، لو أن النظام السياسى كان مبنياً على الكبت .. أو كان مبنياً على القسر والإرهاب .. أو لم يكن النظام السياسى مبنياً على الحرية إلى أقصى درجاتها، حتى بلغ الأمر بالطلبة إلى التدلل الشديد، إذ أن كثيراً منهم أُعْطُوا الكلمة فى المؤتمر القومى العام، بينما من هم أعظم منهم قدراً، وأكبر منهم خبرة، وأكثر منهم تاريخاً فى خدمة الثورة لم تُعط له الكلمة. وهذا يعنى أننا راعينا هؤلاء الطلبة إلى درجة كبيرة، وكان يمكن لأى طالب أن يرسل أى شكوى للجنة المركزية فتناقشها اللجنة .

     ثم نأتى بعد كل هذا التأصيل الديمقراطى لنظامنا السياسى ، فنرى هذا الخروج علـى القانـون،

 

 

 

 

الذى ليس له معنى إلا أنه استهتار واضح بكل القيم .

     ومن هنا فإننى أعتقد - وإننى فى هـذا أعبر عن رأى الكثيرين من الزملاء أن المسألة تتطلب منا الحزم الشديد، فكل خارج على القانون سواء أكان أستاذاً، أم طالباً، أم غير ذلك يجب أن يلقى جـزاءه الرادع. وعلينا نحن أعضاء اللجنة المركزية .. وأعضاء الاتحاد الاشتراكى بصورة عامة، أن نلتحم بالشعب فى حملة توعية، وننقل هذه المبادئ والمعلومات التى سمعناها اليوم إلى قواعدنا الشعبية .. فى كل قرية .. وفى كل جامعة .. وفى كل مصنع ، حتى يكون الشعب على علم .. وعلى وعى، ذلك لأن سلاح الإشاعة من الأسلحة الهدامة التى تستعمل هنا، ويجب علينا أن نتصدى له . هذا حق وواجبنا فى نفس الوقت،   وشكراً .

 

السيد / أحمد أحمد العماوى :

     السيد الرئيس .. السادة الزملاء ، قبل أن أتكلم فى الأحداث التى نعيشها .. لا يفوتنى أن أتعرض لقانون التعليم العام، الذى كان بداية هذه الأحداث، وبوصفى أحد أولياء الأمور - ولا أكون مبالغاً إذ أقول إننى أمثل أغلبية جماهير الناس - أقرر أن هذا القانون قد أحدث تغييراً كبيراً، وتطوراً   عظيماً، وأملاً كبيراً، ومن ثم لا يفوتنى باسم هـؤلاء الناس أن أشكر السيد وزير التربية والتعليم على المجهود الذى بذله فى إعداده .

     بعد هذا أحب أن أذكر أن الزميل فريد عبد الكريم بالكلمة الصريحة الواقعية الموضوعية التى قالها، وبالتحليل العلمى الدقيق الذى أوضحه، والذى يمثل فى الحقيقة أكثر انطباعاتنا، ويعبر عن كل ما يدور بخلد كل الناس .. وكل الجماهير، أقول إن الأستاذ فريد عبد الكريم بكل هذا قد كفانى    الكثير مما كنت أحب أن أقوله، ولكن هناك نقطة صغيرة ورئيسية دفعتنى فى الواقع إلى الكلام، هى أنه قد تبين من سرد الوقائع أن الثورة المضادة قد تحركت بسرعة كبيرة ابتغاء قيادة الجماهير ، وهذا يقتضينا كقيادة سياسية - عليها مسئولية ضخمة - أن نعمل بكل طاقتنا، إذ قـد آن الأوان للتصدى لمسئولية قيادة الناس .. بالانتشار والالتحام بهم، حتى لا تسحب الثورة المضادة بتحركاتها السريعة الفعالة البساط من تحت أرجلنا .

     لقد تساءل أحد الزملاء عن الحل لمثل هذه الأمور، وما هى الحلول التى يجب اتخاذها؟ وتعرض الأخ فريد عبد الكريم لدور بعض أفراد هيئـة التدريس، دون أن يعمم فى ذلك على ما أعتقـد - 

 

 

 

 

وطالب بالنظر فى أمرهم . وفى رأيى أن هناك سياسة العمل بطريقة الوجهين للحصول على مكاسب معينة .. أو تطلعات معينة - وهذا لا يجرى فقط فى محيط الطلبة، ولكنه يجرى كذلك فى محيط بعض القيادات الطبقية .

     هذا، ومما يُطمئننا أن جماهير الشعب قد أدانت ما حدث، ودمغته بالخيانة الحقيرة، ففى الوقت الذى نرى فيه القوات المسلحة تقوم ببذل مجهودات ضخمة فى الجبهة، تقوم هذه الفئة بهذه التحركات التى تهدف إلى تفتيت الجبهة الداخلية .

     لقد تحـدث السيد الرئيس عن بعض الذين لم يُـوَفَّقُوا فى انتخابات الاتحـاد الاشتراكى، وهذا يجرنا إلى قضيـة خطيرة، هى نوعيـة الذين دخلوا انتخابات الاتحـاد الاشتراكى .. أو نوعية الذين يدخلون أى انتخابـات، ممن تحكمهم المصلحة والتطلع ، هـذا النوع من الناس إذا لم يحصل على هـذه المصلحة .. أو على مـا يتطلع إليه، يسارع إلى الانضمـام إلى الثورة المضادة ، وهذا يقتضينا ولا شك - أن نعيد النظـر فى كيفية وطريقـة الانتخابات على أى مستوى، سواء أكان ذلك فى الاتحاد الاشتراكى، أو فى أى تنظيم آخر غير الاتحاد الاشتراكى .

     وإننى أضم صوتى لكل الإخوة الذين تحدثوا قبلى، إذ أن الكثيرين ممن تناقشت معهم - وجلست إليهم فى الفترة الماضية - يصرون كل الإصرار على مواجهة هذه الأحداث والتحركات المشبوهة بكل شدة من كل الجهات، خصوصاً السلطة السياسية .. أو التنظيم السياسى، إذ يجب أن تكون أمامنا دائماً - وتحت نظرنا - مصلحة مصر .. ومصر أولاً وقبل كل شئ .

 

السيد / السعيد أحمد البيلى :

     سيادة الرئيس .. السادة الزملاء ، بالنسبة للأحداث التى عشناها فى المنصورة فى الفترة التى حدثت فيها المظاهرات .. والظروف التى جرت، أعتقد أننا بعد أن استمعنا إلى زملائنا الأعضاء، وإلى أمين الاتحاد الاشتراكى بالإسكندرية، عن الوقائع التى حدثت هناك، فإننى أتساءل إلى متى سنظل ساكتين؟ إن التلاميذ والطلبة هم أبناؤنا وإخواننا، فهل نتركهم يعبثون؟ يجب الضرب بشدة وحزم على يد كل عابث. والمشكلة ليست مشكلة تعديل قانون، إذ لا يمكن أن نواجه إصلاح القوانين بهذه الأحـداث، بل كان الواجب أن نحترم كل حـرف يستهدف الإصلاح، وإلاَّ كيف يجرى الإصلاح والتغيير؟ وليست القضية قضية الشعب والشرطـة، لأن الشرطة من الشعب، وأفراد الشرطة الـذين

 

 

 

 

قُذفوا بالحجارة وأُصيبوا .. إنما ضُربوا من أبنائهم .

     فالعملية إذاً تحتاج إلى حزم وشدة، للضرب بشدة على يد كل منحرف، لأن البلاد لا تحتمل التعرض لأكثر مما هى فيه، ولا يجب فى هذه المرحلة الحاسمة تدليل الطـلبة، فالواجب أن يرغموا على السكوت، لأننا فى ظروف لا تسمح بتدليلهم، ولابد أن تكون الإجراءات التى تتخذ شديدة وحازمة. 

     وأرجـو أن يعـرف السيد الرئيس أن الناس - على اختلاف نوعياتهم - لا تقبل هذا الوضع ، سواء كانوا فلاحين، أو عمال، أو مثقفين، أو غيرهم فالجميع مستاء من هـذه العملية، حتى بلغ الأمر بأولياء الأمور أنهـم كانوا يمسكون بأبنائهم ويضربونهم ضرباً مبرحاً، الأمـر الذى لا تقوم بـه أى جهـة . فالعملية إذاً تحتاج إلى حـزم، ولا يمكن أن نترك الطلبة يعبثون، لأن ظروف البلاد لا تسمح بذلك، خاصة أن العدو يحتل قطعة من البلاد .. نعم لا يمكن أن نترك الطلبة يخرجون فى مظاهرات يندس فيها المخربون، ويقومون بتحطيم الزجاج، وإتلاف المنشآت، بينما نحتاج إلى كل مليم ننفقه فى إصلاح هذه التلفيات .

     لهذا كله، أرجو الضرب بكل شدة على يد كل عابث أو منحرف فى البلاد،   وشكراً .

 

السيد / فاروق السيد متولى :

     بعد أن استمعت إلى كل ما قيل أود أن أتناول نقطة جديدة، فلا شك أن قانون التعليم الأخير قانون ثورى، ويؤدى فى النهاية إلى تطوير التعليم لصالح الطلبة أنفسهم .

     وإننى أتساءل من أين جاءت المشكلة؟ الحقيقة أننا نعطى فى كل فترة للقوى المضادة فرصة لأن تتحرك من خلال خطأ نقع فيه. ونحن اليوم نبحث عن علاج سياسى لما جرى من حوادث، وكان من الممكن أن يعالج هذا الموقف قبل أن نواجه به فعلاً، وستظل هذه مشكلتنا باستمرار، إذا لم يستطع التنظيم السياسى على مختلـف مستوياته أن يناقش المسائل المتعلقة بحياة الجماهير ومصائرها. فبرغم الدراسات المستفيضة لقانون التعليم .. واتساع القواعـد التى ناقشتـه، كان لابد أن يناقشه التنظيم السياسى مع الجماهير وخاصة أنه يمس كل فرد فى المجتمع - حتى يخرج فى النهاية بالصورة التى خرج بها .

     ولـو كان قـد أتيح للتنظيم السياسى فى جميع مستوياتـه مناقشة هذا القانون مع الجماهير

 

 

 

 

لأضحت الأرض ممهدة.. والأذهان مهيأة، لتقبل هذا القانون، ولأصبحت قيادات الاتحاد الاشتراكى، ومستوياته، والجماهير، هى المدافع الأول عن هذا القانون، وبالتالى كان يمكن أن يكون هناك توضيح كامل لكل ما يجرى بالنسبة لهذا الموضوع .

     وعلى هذا الأساس ، أرجو فى كل خطواتنا القادمة - إن شاء الله - أن يشارك التنظيم السياسى فى دراسة ومناقشة كل ما يتعلق بمصائر الجماهير، لأنه قادر من خلال قواعده على التأثير فى الجماهير، ونقل صورة صحيحة فى النهاية إلى اللجنة المركزية ومجلس الوزراء، وبذلك يخرج القانون وهو أكثر إلتحاماً بالجماهير .

     النقطة الثانية تتعلق بوضع التنظيم السياسى فى الجامعات : فالحقيقة أن وحدات الاتحاد الاشتراكى فى الجامعات لا يـصل عملها إلى مستوى العمل السياسى. وإننى أطالب اليوم بأن نُسِرع بوضع خطة شاملة لِلَّجنة المركزية تكفل ربطها بالوحدة الأساسية، وضمان تحريك هذه الوحدة. فقد نناقش كل يوم كلجنة مركزية مسائل تتعلق بالجماهير، دون أن يكون لديهم علم بها، فى حين أن الوحدة الأساسية هى أقدر مستويات التنظيم على الالتحام بالجماهير ، والوصول إلى نتائج تُرضى الجماهير .. وتُرضى التنظيم .. وتحافظ عليه . والمفروض أن نصل فى أقرب وقت ممكن إلى خطة تعمل على تحريك الوحـدة الأساسية ، وتجعلها أكثر قـدرة على استيعاب الجماهير كلها ، وبالتالى نحول دون تحرك الثورة المضادة لتسلب الجماهير من الاتحاد الاشتراكى .. ومن التنظيم الذى نعمل على المحافظة عليه .

     النقطة الثالثة خاصة بالتنظيم الشبابى : والحقيقة أن الشباب فى المجتمع هو احتياطى الثورة، وأتصور أننا - فى فترة من الفترات - سيتقدم بنـا السن ونفسح المجـال لغيرنا، فلابـد للشباب أن يلتزم الخط الذى نسير عليه ، ولا يمكن أن يلتزم الشباب إلاّ من خلال تنظيم يلتحم إلتحاماً كاملاً بالفكر الثورى .. والخط الاشتراكى الذى نسير عليـه . ولقد فقدنا هـذه الحلقة فى وقت من الأوقات، وآن الأوان لكى نربط الشباب ربطاً كاملاً بالتنظيم.

     وبالرغم من كل ما يقال عن اتحاد الطلبة، أرى أنه لا بد أن يشعر هذا الاتحاد .. ويشعر الشباب، أن له تنظيماً سياسياً شبابياً - فى إطار التنظيم القائد - قادراً فعلاً على أن يتحرك .. وأن يكون ولاؤه الأساسى للمجتمع وللجماهير .

     وأرجـو فى النهاية بعد إذن سيادة الرئيس أن أعـود إلى ما قلته فى المؤتمر من أن الشـباب

 

 

 

 

يحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام من سيادتكم من خلال التنظيم السياسى ولقد قلتم فى السويس : " إنه يجب أن يكون كل فرد فى هذا المجتمع إنساناً سياسياً " .. أى أن تكون نظرته شاملة للمجتمع، ومشاكله، وقضاياه الأساسيـة . ولا يمكن أن يـكون الشباب سياسياً إلاَّ من خـلال تنظيم شبابى سياسى. وهذه أمانة يُحَمِّلَهَا سيادتكم الشباب والجماهير، والله يوفقك .

 

السيد / الرئيس :

     تعليقاً على كلام الأخ فـاروق .. الحقيقة بالنسبة للنقطة الأولى.. اللى هى عَرْض المواضيع على الجماهير .. الحقيقة أنا باعتبر ان الموضوع ده عُرِضْ .. عُرِضْ يعنى أكثر من اللازم، لدرجة ان أنا مَرَّة قلت للدكتور حلمى : إن أنا كل يـوم افتح الأهـرام ألاقى لك صفحة فى الأهـرام ، وبعدين انتم برضه هنا كنتم بتشوفوا هذا الكلام .. ماحدش طلب انـه يناقش الموضوع .. وكان ممكـن قوى ، يعنى ماتطلبوش منى إن أنا أبقى مُلِمّ بكل الأمـور .. ودقائق الأمور ، وإلاَّ يعنى بيبقى شئ فوق طاقة الإنسان .

     أنا باعتبر ان الدكتور حلمى من بعد ما دخل الوزارة بشهر .. هو من مارس لشهر مايو عمال ينشر فى الأهرام .. أنا سألت هيكل قلت له : "هـو الدكتور حلمى مراد مؤجر صفحة عندكم كل يـوم بهذا الشكل ؟ فقال لى : " ده موضوع جاذب انتباه الجماهير ، ولذلك احنا مِدِّيينه صفحة كل يوم " . ومشى النشر .. ولذلك لَمَّا جا القانون ده بالذات .. احنا مابنناقش القوانين فى مجلس الوزراء مـادة مـادة .. القوانين بتروح اللجنة التشريعية، بتيجى لنا مجلس الوزراء عموماً .. وبعدين بتيجى لى أنا لأحولها لمجلس الأمـة، وبعدين بتيجى لى للتوقيع . أو فى وقت مجلس الأمـة مابيكونش منعقد بتيجى لى للتوقيع .     

     القانون ده بالذات بحثته لجنة، وبعدين جالنا مجلس الوزراء، فأنا طلبت منهم أن تعمل لجنة يدخل فيها كل الوزراء اللى أصلهم من الجامعة - المهتمين بالموضوع - لبحثه، وطلبت أيضاً من وزير التربية والتعليم أن يتصل بالسيد عبد المحسن أبو النور علشان اللجنة المتفرعة من اللجنة المركزية تبحث هذا الموضوع، فبُحِث هـذا القانون فى اللجنة المتفرعة من اللجنة المركزية .. وبعد كده جالنا أيضاً فى مجلس الوزراء مرة ثانية من دون القوانين كلها، لأن له أهمية، وبحثناه .. وغَـيَّرنا بعض حاجات فيه .. واللجنة المركزية قالت بعض آراء فيه .. وبعدين طلع القانون .

 

 

 

 

     المشكلة الحقيقة فى القانون إن الطالب اللى بيتكلم على الرسوب بيعمل - مـن أول ما يدخل الثانوى على ان عنده مـادتين رسوب، فبيترك المـادتين دول من الأول مابيذاكرهمش .. لا فى أولى .. وَلاَ فى ثانية .. وَلاَ فى الثانوية العامة، ويعمل حسابه على انه حياخد الثانوية العامة وحيسقط فى مادتين .. فييجى يسيب اللغة الانجليزية أساساً .. ويسيب معاها حاجة ثانية، ويضمن إنه ياخد التوجيهية. دول الحقيقة فيه منهم عدد كبير أيضاً ساقط فى التوجيهية بقـاله سنين .. وسنهم كبر .. هُمَّ دول الحقيقة اللى ابتدت بهم المشكلة .. مشكلة قانون التعليم .. اللى ابتدت بهم فى الدقهلية .. فى المنصورة .

     العمليات الثانية - الحقيقة - ماكانتش قانون تعليم، لأ .. بعد كده العمليات اللى حصلت فى إسكندرية .. اللى هى مظاهرة كلية الهندسة .. ثم اعتصام 400 طالب فى كلية الهندسة، وراحوا كلية الزراعة وحـاولوا يطلعوها .. ماطلـعتش كلية الزراعة .. ماطلعتش أبداً، بعدين المؤتمر اللى اتعمل فى كلية الهندسة فى القاهرة .. وكان فيه أيضاً حوالى 400 طالب وانفضوا، أو يمكن 500 طالب .. انفضوا وفضل 200 ، حاول العميد والأساتذة يقنعوهم .. الموضوع مابقاش موضوع القانون، ولكن هو موضوع قميص عثمان .. يعنى أى تكأة .. أو أى حاجة .

     ده يعنى الحقيقة أنا برضه أحب اسمع إخواننا اللى هنا فى الجامعات - زى الدكتور درويش والدكتور جاد وهُمَّ بيقولوا لنا حقيقة المواضيع، حتى نكون على بينة من الأمور كلها، لأن انتم قاعدين مـع الأولاد . واحنا عنـدنا الحقيقة المشكلة الكبيرة ان احنا كان فيه عندنا منظمة الشباب، والحقيقة أيام منظمة الشباب كان اليمينيين بيقولوا عليها : "حرس أحمر" .. واليساريين بيقولوا عليها: " فاشيست " .. الكلام اللى كان موجود أيام منظمة الشباب، وبقية الطلبة اللى مش جوه بيقولوا إن منظمة الشباب متعالين .. والتعالى من فوق . يعنى منظمة الشباب تعرضت لهجوم كبير .. بعض هذا الهجوم صحيح، لكن أيضاً اليمين واليسار مش عايزيننا نعمل تنظيم سياسى .. لا فى الطلبة .. ولا فى العمال .. ولا فى أى حتة. ولهذا تبص تلاقى اليمين بيقولوا : "دول حرس أحمر زى الصين"، واليسار يقول : "دول فاشيست" على هذا يطلع هـذا الكلام ، ويقولوا انهم بيكتبوا تقارير عن أهاليهم .. وعن إخوانهم .. وعن آبائهم .

     الكلام ده كله أنا سمعته .. الحقيقة أنا ماشفتش تقارير عن أهاليهم .. ولا آبائهم .. وَلاَ أى حاجة. بالعكس، ده قيل إنهم بيعملوا تنظيم علشان يواجهوا بـه القوات المسلحة فى حالة حـدوث

 

 

 

 

انقلاب .. والكلام ده نُقِلْ إلى القوات المسلحة .. ومِشِى فى الجيش فى هذا الوقت .. تنظيم إيه علشان يواجه القوات المسلحة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ مش ممكن أى تنظيم يعنى لا منظمـة شبـاب ولا كلام بهذا الشكل حيواجه القوات المسلحة .

     وبالعكس احنا من أول عملياتنا لَمَّا اتعمل الحـرس الوطنى، وجيش التحرير، والكلام ده .. كل الحاجات دى إدِّيناها للقوات المسلحة، علشان مايبقاش فيـه سبب يتهيأ به للقوات المسلحة ان فيه خوف .. وان فيه شئ بهذا الشكل. فكانت هناك محاولات كبيرة لهدم منظمة الشباب، ونجحت الحقيقة هذه المحاولات إلى حد كبير .

     ده سبب الفراغ اللى هو موجود النهارده .. احنا الحقيقة بنعيد تقييم الموقف، وأنا فى رأيى ان منظمة الشباب بتمشى .. تنظيم الشباب بيمشى فى المحافظـات، لكن لازم يكون فيه تنظيم طلابى قائد.. زى ماهو موجود فى كل الأحزاب السياسية .. تنظيم طـلاب زى مثلاً إيه؟ النهارده الجامعة اللى أنا باقول إن الشيوعيين الصينيين لهم فيها تنظيم طلابى، وَلاَّ مالهمش؟ أنا باقول: إن لهم [تنظيم]، وأنـا عارفهم واحـد واحـد بالإسم، ومابيقولوش إنهم شيوعيين صينيين أبداً .. هم بيطلعوا - فيه منهم فى كلية الهندسة .. وفيه منهم فى كلية الاقتصاد .. وفيه منهم فى الفنون الجميلة - بيطلعوا على أساس انهم ناس وطنيين، أو بيدافعوا عن مصالح الطلبة، ولكن بيتقابلوا .. وكذا وكذا .

     طبعاً فيـه أيضاً الرجعيين والقوى اليمينية .. كل واحـد النهارده بيعمل تنظيم .. احنا الحقيقـة لَمَّا نيجى نعمل تنظيم، كل دول حيتوجهوا لنا علشان يِهِدُّوا العملية .. الحقيقة عملية مش سهلة، العملية عايزة عمل كبير وشاق، علشان نخلق عملية الشباب .  

     الأخ فاروق بيقول إن أنا قلت : نهتم بقضية الشباب، وأنا لوحدى برضه فى هذا مش حاقدر .. ناقشنا هذا الموضوع فى مجلس الوزراء .. وفى الاتحاد الاشتراكى، وأنا رأيى ان معسكرات الشباب الموجودة دى زى قِلِّتْهَا .. وعملية بنصرف فيها 2 مليون جنيه بـدون أى نتيجة ، لأن أى عمل عام مش ممكن يجيب نتيجة محددة أبداً .. وِعَمَلِيِّةْ مثلاً ان الطلبة كلهم يخشوا منظمة الشباب .. زى قِلِّتْهَا، لأنه لن تكون لها فاعلية بأى شكل من الأشكال .

     عملية لجان الاتحـاد الاشتراكى أيضاً لسه ماقامتش على رجليها .. فيه مشاكل .. فيه أسباب . الدكتور أبو زيد قال لنا على بعض هذه المشاكل، ومنها الأسباب الموجودة فى إسكندرية .. ولكن برضه كل هذه الأمور عايزة بحث .. ولكن كل ده حياخد وقت .

 

 

 

 

الدكتور / أحمد السيد درويش :

     الواقع أن ما نعانى منه الآن من تمرد الشباب كان دائماً موضع شكوى منـذ سنين طويلة، من واقع ما نراه فى قاعات الدرس. ونحن نعتقد أن رسالة الأستاذ .. ورسالة الجامعة، يجب ألاَّ تقتصر على تلقين الطلاب العلم فقط ، ولكن يجب أن تشمل إلى جانب ذلك كل ما يـتصل بتكوين الطالب وطنياً، وأخلاقياً، وسلوكياً. وفى الفترة الأخيرة - ولأسباب متعددة - وجدنا أننا غير قادرين إلاَّ على تلقين العلم فقط .

     هناك قلة من الطلبة تُعتبر مصدر متاعب ومضايقات دائمة فى قاعات الدرس .. سواء عن   طريق سلوكهم أو تصرفاتهم التى لا تتم بـأى وعـى .. ورغم أنهم قلة إلاَّ أن تأثيرهم كبير ، وقـد نبهنا مراراً إلى مثل هـذه العناصر غير الواعية والمدربـة على عمليات الشغب والتعطيل . وأذكر أنه قد رُفِعَتْ تقارير فى شهر سبتمبر الماضى عن هذا الموضوع .. وعما يمكن أن يحدث فى جامعة الإسكندرية ، وكانت هذه التقارير بعيدة النظر ، لدرجة أنها حددت المواقع التى سيحدث فيها الشغب ، وفعلاً تحقق ما توقعناه .   

     إننا نحس عندما نتكلم عن الجامعة، أننا نتكلم عن عدد ضخم من الطلاب والأساتذة، غالبيتهم العظمى تدين بالولاء للقيادة السياسية وللمسيرة الثورية، وتقدر متطلبات المرحلة الحالية والظروف التى نعيشها تقديراً دقيقاً واعياً، وتعرف واجبها تمام المعرفة . ولكن - فى نفس الوقت - هناك قلة من الطلاب ينتمون إلى جهات متعددة من اليمين واليسار - كما أشار السيد الرئيس - وهؤلاء لهم مصلحة فى هذا الشغب، وفى تقويض قواعد الجامعة والتعليم عموماً فى البلاد، انقياداً وراء أصابع خارجية تحركهم .

     وكما نعرف جميعاً أن الحركات الطلابية أصبحت الآن فى البلد جميعاً تقريباً هى النقطة الخطرة فى جسم الدولة، والتى يمكن - مـن خلال عدم خبرة الطلاب، والاندفاع ، والتهور - أن يصل إليها بعض ذوى الأغراض ، فيحركونها تحريكاً لا شعورياً غير واع، ويكون أثرها كبيراً لكثرة عدد الطلاب .. هؤلاء الطلاب الذين هم أولادنا .. والذين هم جيل المستقبل الذى نعتمد عليه فى تكوين كيان هذه الأمة، إذ نحن ذاهبون وهم قادمون .

     ولكن هذا الجيل الذى سَتُسَلَّم إليه الرسالة والشعلة .. ظهـرت فى محيطه أمور غريبة فى السنوات القليلة الماضية، وخـاصة بين الذين يوصفون منهم بأنهم قيادات طلابية، إذ استولى عليـهم

 

 

 

 

الغرور، وأحسوا أنهم قادرون على كل شئ، ومن ثم كان سلوكهم مع إخوانهم الطلاب .. ومع أساتذتهم من خلال هذا الغرور، وبلغ الأمر فى كثير من الأحيان التغاضى عن إنحرافـاتهم إدارياً، فمثلاً بعض هـذه القيادات ضُبطت متلبسة بجريمة الغش فى الامتحـان، وأجريت لهم مجـالس تأديب، ثم بعد كل هـذا يتركون .

 

السيد / الرئيس :

     ده رئيس الاتحاد .

 

الدكتور/ أحمد السيد درويش :

     نعم .. ومثلاً هناك بعض طلبـة يأتى [أحدهم] لأكبر منصب فى الكليـة ، ولا يستحى من أن يضرب المكتب بيده قائلاً: " أنـا لا أسمح .. أنـا صاحب هـذه الجامعـة " . وهناك بعض الطلبة يقتحمون مجلس الكليـة أثناء انعقاده .. ويهب الرجل المتولى شئون مجلس الكليـة ويقول للطالب : " اتفضل يا أستاذ فلان ".. وهكذا أصبحت هناك أشباح متضخمة مغرورة .

     إن الطلاب الحقيقيين الذين يرغبون فى التعلم يستنكرون مثل هذه الأمور، هؤلاء الطلاب [ هم ] أبناء الشعب الحقيقيون .

     إن لَدَىَّ مشكلة فى كلية الطب فى الأيام الثلاثة الماضية .. هى أن الطلبة يريدون أن يواصلوا دراستهم .. الطلبة يقولون : " إننا لا علاقة لنا بما جرى .. ولا ذنب لنا، إننا لا نريد أن تُغْلق الجامعة أو الكلية، إذ أننا على أبواب امتحان فى يوم 8 ديسمبر .. ونحن مستعدون له " .. ولم يحدث من أى من هؤلاء شغب .. أو شئ من هذا القبيل، ومن ثم فهم يقولون : " ما ذنبنا نحن " .

     إن الغالبية العظمى من الشباب يقدر المسئولية، فهم شباب واع ناضج .. كما أن الغالبية العظمى من الأساتذة أيضاً واعون وناضجون، ويعرفون مسيرتهم وخُطاهم تماماً. وعندما أقول الغالبية العظمى لا أعنى بأن الأقلية مضادة، ولكن هذه الأقلية قد تكون هى اسم، يحدث بينها وبين هؤلاء الطـلاب - الذين يطلقون على أنفسهم أنهم قيادات - مواقف فى التعليم .. فى قاعات الدرس .. وفى المعامل، ويُنْصَرْ الطلاب على أعضاء هيئة التدريس دائماً .

     إن هذه الحالة تجعل مهمة كل أستاذ يريد أن يمارس رسالته الحقيقية فى التعليم .. وفى تكوين هذا

 

 

 

 

الطالب .. مهمـة شاقـة ، إذ يصعب على كل إنسان فى مركز الأستاذ .. أو فى مركز الأب .. أو فى مركز المربِّى .. أو فى مركز المسئول، أن يأتى ويمارس هذه المهمة وهذه المسئولية كأب، وكمسئول، وكأستاذ فى هذا الجو من التدليل .. إنه الانتفاخ والغرور .

     لقد قضيت ليلتين ساهراً مع طلبـة كلية الهنـدسة المعتصمين حتى موعد السحور، وتناولت سحورى معهم ذات مرة. وأذكر أن طالباً من هؤلاء قال لى : " يا دكتور درويش انت عـامل انك جدع .. بكرة حيكون عندك اعتصام فى كُلِّيتك " .. فقلت له : " يعنى صدرت الأوامر خلاص " .. قال : " نعم " .. قلت له : " طيب تبقى انت جدع لو عملت اعتصام فى كليتى " . فإلى هذا الحد وصل الغرور ببعض من يَدَّعُون أنهم زعماء طلابيون .

     وأحب أن أؤكد أن الغالبية العظمى من الشباب .. شباب الثورة .. شباب واع .. وشباب ناضج .. شباب آسف على ما حدث من بعض العناصر، مما جعل قلوبنا تقطر دماً، إذ أننا نبذل مجهوداً فى ظروف صعبة، ونحن متحملون مسئوليتنا التحمل الجاد .. الذى يدرك حقيقة دقة الموقف وعظم المسئولية فى المستقبل .

     نحن نقول للطلبة دائمـاً : إنكم ستكونون وزراء المستقبل .. وزعماء وأساتذة المستقبل .. وإننا لن نستورد أساتذة من الخـارج .. أو زعماء من الخارج .. أو رؤساء من الخارج. أنتم الذين ستتحملون هـذه المسئولية، ولابد أن تصدروا فى تصرفاتكم عن هذا الشعور، وإن هذا يفرض عليكم أن تُضاعفوا فى مجهوداتكم، حتى تؤهلوا أنفسكم لكى تكونوا جديرين بهذه المواقف فى المستقبل ، لا أن ينتفخ الطالب منكم منذ الآن، ويفهم أنه قادر على أن يفعل كل شئ . وإنى أقرر أن غالبية الطلبة كانوا يحسنون الاستماع إلى هذا الكلام .. ويتصرفون وفق النصيحة، ولكن قلة منهم هى التى كانت تقوم بالأعمال التى لا نرضى عنها .

     إننا الآن على أبواب تنظيم جديد للموقف فى الجامعات .. أملته الحوادث، وكم كنا نود أن   يحدث هذا التنظيم الجديد قبل أن تمليه الحوادث. وعلى العموم نحن نشعر أن قوام الجامعة هو الأستاذ، ومن ثم فلابد من التدقيق فى اختياره .. ولابد من أن يكون هذا الأستاذ إلى جانب إتقانه لمهنته، أو لفنه، أو لعلمه، متسماً اتساماً حقيقياً بالوطنية، وبالتاريخ الناصع، وبالعمل الجاد. وبعد هذا الانتقاء لابد أن يُوكَل للأستاذ أساساً المهمة كلها فى تكوين وتلقين هذا الطالب، أى لا يقتصر عمله فقط على أنـه مـدرس يلقى محـاضرة أو درساً .. بل هو مسئول، وطالما أنه مسئول .. فلابد أن يُعْطَى

 

 

 

 

الصلاحيات لهذه المسئولية، ولابد من أن تُطلق يده فى أن يُكَوِّن جيل المستقبل تكويناً صحيحاً قادراً على تحمل المسئولية .

     لقـد رأينا تنظيمات مختلفة قامت فى الجامعـة.. كانت لنا عليها ملاحظات، وكنا نقول : هذا لا ينفع، وهذا ينفع، ومن الممكن أن تكون العملية بهذه الكيفية أو تلك. ولكن لم تكن هناك استجابة لملاحظاتنا على هذه التنظيمات، ولم يحدث التحام بين آراء الأساتذة المسئولين أساساً عن تربية النشئ - والمتحملين لهذه المسئولية الكبيرة - وبين الأشخاص الذين كانوا قائمين على هذه التنظيمات .

     ومـن المؤسف أن أكثر الذين كانوا يقودون الاعتصام والإضراب الذى حدث فى كلية الهندسة كانوا أعضاء فى منظمات سابقة .. وأنا أعرفهم بالإسم، وكنا حينما نسائلهم : " لماذا هذا العمل ؟ " .. يقولون : " الحريات " ، وما إلى ذلك .. كلام يدل على خواء تام فى التفكير .. وحقد لأنه لم يعد لهم سلطة، وهكذا بدت العملية عملية صغار .. ليس فيها إطلاقاً أى نضج ولا أى فكر .

     كل هذا كان يمنعنا من الكلام، ولكن نحن فى الحقيقة مسئولون مهما كانت الظروف، إذ كان لا بد لنا أن نُشَارك ونُوَعِّى، ونُشْعِر هذا الشباب بالخطورة المحيطة به، ليس فقط بالنسبة لظروف التعليم أو غيرها ، وإنما من ناحية أخرى أشد خطـراً .. كان لابـد أن نُشْعِر هذا الشباب بالمخطط الإسرائيلى الذى يرمى إلى الاستيلاء على مـا بين النيـل والفرات، وأننا إذا غفونا أو أغمضنا أعيننا قليلاً فسنصبح قوماً لاجئين. نعم كان من الواجب من خـلال دراستنا .. ومن خلال وَعْيِنا .. ومن خلال إحساسنا، أن ننقل هـذا الشعور إلى الشباب، ونجعلهم يدركون الأخطار المحيقة بهم، فيتحركون من خـلال هذا الخطر ، ويعرفون بالضبط أين مواقع أقدامهم، ويعرفون بالضبط الصواب من الضلال .

     كل هذا فى الحقيقة لا يمنعنى من أن أُعقّب على كلمة ألقت شبهة من اللوم على الأساتذة .. لقد كان الأساتذة يريدون أن يعملوا .. وأن يربوا شباباً، إذ أن الذى يربط حياة الأستاذ ويشعره بكيانه ، يكون من خلال ما يقدمه للطلاب .. ولكنهم كانوا معذورين على نحـو مـا أوضحت. إننى عندما ترتفع نسبة نجاح طلبتى من 60% إلى 90% أكون فى غاية السرور ، وأشعر أننى كائن .. وأننى حى .. وأننى أؤدى رسالتى . إننى عندما أشعر أن شباب كليتى على وعى ومتفهمون .. أشعر أننى كائن مؤثر، ولكن هناك ظروفاً قد تجعل الشخص منا مكتوف اليدين .

     هناك نقطـة أرجـو سيادة الرئيس والسادة الأعضاء أن يوافقونى عليها ، وهى أنـه مهما كان 

 

 

 

 

مقدار الغضب الذى نشعر به .. ومقدار الألم الذى نستشعره، فيجب ألاَّ تُحل مشاكل الجامعة من خلال الغضب .. ولا من خلال الألم، لأن أقصى ما تتمناه الجبهات المخربة - سواء كانت من الداخل أو من الخارج - هو أن نغضب .. وأن نتألم .. وأن نتصرف عندما نضع الحل مـن خلال الألم .. ومن خلال الغضب، ولكن يجب أن نتقدم لحل هذه المشكلة بالعلم وبالصبر ، وبالأنـاة ، وبسعة الصدر . ورغم أنها مشاكل صعبة .. يجب أن ندرس ما هى الدوافع؟ وما هى الأسباب الحقيقية التى أدت بهذه القلة أن تفعل .. وأن تسيطر هذه السيطرة حتى حدث ما حدث فى الإسكندرية .. وفى المنصورة، وما يمكن أن يحدث فى أى مكان .

     يجب أن ندرس كيف يعيش الطلاب .. وكيف يسكنون .. وكيف يتعلمون؟ وما هى الجامعة .. وكيف تكون .. وكيف تكون قياداتها.. وكيف يكون أساتذتهـا؟.. وكيف تكون الجامعة طليعة حقيقية وليست أداة للتعطيل .. وليست أداة لتفتيت الجبهة الداخلية التى يجب أن تصمد - فى اللحظة التى نحن فيها - وأن تبقى على الخط، حتى يحقق الله النصر؟

     لى رجاء يا سيادة الرئيس هو أن يُسْمَعْ صوت رجال الجامعة، ونستمع لما يقولونه مرة، واثنين، وثلاث، وأربع .. يكتبونه فى تقارير، ويقولون : هذه هى مواطن الداء .. وهذا هو الخطأ.. وهذا هو الصواب . إذ أن عدم إلقاء البال إلى كلام رجال الجامعة قد جعل جزءاً كبيراً منه وكأنه لا فائدة منه، إذ سبق لنا فى السنة الماضية أن قلنا : كذا وكذا، والكلام الذى يحدث الآن تكلمنا عنه ، وقلنا : كذا فى السنة الماضية، والسنة السابقـة لها قلنا : كذا، وفى شهر سبتمبر قلنا : كذا، وفى اجتماعاتنا قلنا : كذا. وعلى الرغم من ذلك انتظرنا دون فائدة، حتى جـرى ما جرى فى جامعـة الإسكندرية، تلك الجامعة التى كانت دائماً هى الجامعـة الرائدة .. الجامعـة الثائرة.. الجامعـة التى كان يخصها سيادة الرئيس باجتماع سنوى.. الجامعـة التى كنت يا سيـادة الرئيس تعتبر أن اتصالها اتصال يكاد يكون مصيرياً - أو هو فعلاً مصيرياً - بالثورة وبرئيس الثورة .

     كيف يحدث فى هذه الجامعة مثل هذا، ومن هذه القلة؟ وكيف استطاعت هذه القلة أن تشوه هذه الصورة، وتجعلها أمام الشعب .. وأمام حضراتكم، بهذه الصورة؟ كلمة حق أقولها : إن غالبية شباب الجامعة مستاء جداً .. وناقم جداً على ما حدث من هذه القلة التى حركتها - ولا شك - أصابع خفية. لقد كنا نتفق معهم ونحـرر الاتفاق على أن الاعتصام سينتهى فى ساعـة معينة نُبَلِّغ عنها، ثم لا يلبث أن ينقلب رأساً على عقب كل ما اتفقنا عليـه، نتيجـة أن طالباً يأتى ويقول : إن

 

 

 

 

15 شخصاً ماتوا .. ثم يضيفون أنتم خائفون على أولادكم .

     رجائى يا سيادة الرئيس أن يكون حل مشكلة الجامعة حلاً موضوعياً .. حلاً علمياً مبنياً على دراسة، ولا تؤثر فيه الأحداث الأخيرة . وهذا لا يعنى إطلاقاً أننا نطالب بالعفو عن أى شخص يثبت عليه أنه اشترك فى هذه العمليـة، ولكننا نطالب باسم جماهير جامعة الإسكندرية أساتذة وطلاباً - أن يؤخذ بالشِدَّة اللازمة أى أستاذ أو أى طـالب يثبت عليه قانونياً أنه اشترك فى هذه الأعمال.. أو دعا إليها .. أو تغاضى عن إصلاحها، إذ أنه عزيز علينا أن تصبح جامعة الإسكندرية فى الوضع الذى هى فيه الآن .. والسمعة التى هى عليها الآن، من جراء عمل قلة من الطلبة .

     إننى أنقل إلى سيادة الرئيس حب واحترام وتقدير أساتذة جامعة إسكندرية.. وطلاب جامعة إسكندرية .. وجماهير جامعة إسكندرية. وجامعة الإسكندرية يا سيادة الرئيس ما زالت هى هى على عهدكم بها .. أيـدت الثورة وما تزال تؤيدها، وهى جامعة الثورة ولا تزال فى موقع الطليعة فى الحب والتقدير والولاء للثورة ولرئيس الثورة،   وشكراً .

 

الدكتور / جابر جاد عبد الرحمن :

     سيدى الرئيس .. فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة، فأنا لست منـزعجاً هذا الانزعاج كله الذى ألمسه من كلمات بعض السادة الزملاء، ذلك أننى أُشَبِّهْ بحر الطلبة هذا البحر الضخم المتلاطم بحراً رائقاً إن ألقى فيه أحد بحجر تعكر. إن الطلاب عناصر طيبة .. مؤمنون بالثورة، ويفدونها ووطنهم بأرواحهم، وأجسادهم، وعقولهم، ولكن هؤلاء الطلبة الطيبين وهم أبناؤنا جميعاً صغار السن يمكن أن يُؤَثَّرْ عليهم بسهولة .

     سمعنا الآن ما ذكرتموه سيادتكم، وما ذكره السادة : وزيـر الداخلية، وأمناء الاتحاد الاشتراكى، ووزيرا التعليم العالى والتربية والتعليم. والواقع أن هـذه الحقائق جميعها لو أُعلنت للناس كافة لأثمرت النتيجة المباشرة لذلك، وَلاَنْفَضَّ على التو بسرعة أولئك الذين انساقوا وراء هؤلاء المنحرفين .

     إن قانون التعليم العام الذى صدر أخيراً .. ووافق عليه مجلس الوزراء، انطوى على إصلاحات جوهرية رئيسية نادينا بها نحن أساتذة الجامعات، إذ هالنا انحدار المستوى التعليمى للطلبة الذين   يأتون مـن التعليم الثانوى ليلتحقوا بالكليات الجامعيـة ، فتـرى طالب الحقوق لا يمكنه أن يكتب أو يتكلـم جملتين صحيحتين، هكذا كان الضعـف فى المستـوى التعليمـى بين الطلبـة واضح ،

 

 

 

 

ولـذلك فـإننا كنا ننـادى باستمرار أنـه لابـد من أخـذ مسائـل التعليم بالحـزم، وألاَّ يحصل على الشهادة المـؤهلـة لدخـول التعليم الجامعـى إلاَّ كل مـن يستحـق . أمَّا بدعة الطالب الناجح الـراسب، فكان يجـب أن تـزول . والحمد لله أن أخـذت طريقها إلى الزوال .. وإلى الاختفاء .

     وأؤكد لسيادتكم أن هذا القانون أحدث صدى طيباً فى نفوس الناس جميعاً، أولئك الذين يؤمنون بالخير لهذا البلد . ولذلك فإننى لا أعتقد أبداً أن قانون التعليم كان سبباً فى كل ما حدث ، وإنما اتُّخِذَ ذريعة فقط للذين يضمرون الشر لهذا البلد، فجعلوه تكئة من أجل الوصول إلى أغراضهم الخبيثة، فاندسوا بين هذه الجموع الطيبة النقية التى تشبه البحر الرائق، وحاولوا أن يعكروه بإلقاء الأحجار، فحدث ما حدث .

     ولذلك فإننى لست متخوفاً أبداً مما حدث، لأننى أعرف أن البحر سيرجع - على وجه التأكيد - إلى صفائه مرة أخرى ، ومن هنا فلتسمح لى سيادتكم أن لا أوافق أبداً على أن تغلق الجامعات إلى أن تنتهى آثار العدوان ، بل إننى أعتقد - ومؤمن كل الإيمان - أن الجامعات ستعود إلى ما كانت عليه ، تحمل رسالة العلم والبحث وتخدم بلادها، إذ هى منارات تكشف لهـذا الشعب - كما جاء بالميثاق الوطنى - طريق الحياة .

     وإنى أتساءل هـل نأخذ هؤلاء الطلبة الذين راحوا فريسة لهـؤلاء المنحرفين بجـريرة غيرهم؟.. كلا ،  " ولا تزر وازرة وزر أخرى " صدق الله العظيم .

     إن من حق هذا الشعب أن يعرف أولئك الذين أجرموا وأثموا فى حقه، ولذلك فإننى أطالب   بأن يأخذ القانون مجراه فى حق هؤلاء، ويجب أن يُحَاكَموا قانونياً، ليعلم الناس كافة ما ارتكبوه من آثام. وأؤكد لسيادتكم أنـه عندما تصل كل هـذه الوقائع التى سمعناها هنا إلى أسماع الشعب، فسيكون حكمه على هؤلاء حكماً قاسياً، أقوى من حكم الإعدام . وفى يقينى أننا حينما نتخلص من هؤلاء الشريرين العملاء .. ومن أولئك الذين انحرفوا معهم، فسوف يعود البحر كما كان رائقاً صافياً، وستسعى جمهـرة الطلاب إلى بيوت العلم، تُحَصِّلْ العلم والمعرفة، تحت رعاية أساتذتهم الذين لا يبخلون عليهم بعصارة قلوبهم وأفكارهم .

     سيدى الـرئيس، إننا فى هـذه الأيـام نسمع بين الحين والحين - فى الجامعات وفى الشوارع- أولئك الذين يوسوسون فى آذان الناس، يقولون : لقد نـادى بيان 30 مـارس بالتغيير، فأين هـذا

 

 

 

 

التغيير؟ وأين كذا وكذا؟ ثم يردفون : إن الأمور ما زالت على ما كانت عليه .

     تلك دعوى لا أصدقها أنا، لأننى أعلم بما يحدث من تغيير، وما يجرى فى هذه اللجنة من دراسات متصلة ليلاً ونهاراً، فى سبيل إحداث هذا التغيير . وأعلم ما تتكبدونه سيادتكم فى رئاسة اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى .. وفى رئاسة مجلس الـوزراء ، وما تحملونه من مشاغل تخص هذا الشعب، بل تتعداه فتشمل العالم العربى. ثم إلى جانب هـذا كله دورك فى العالم كله .. أعلم هذا ياسيدى، وبالرغم من هذا، فإن كثيراً من الجهود تبذل من أجل إحداث هذا التغيير. أقول : إذا كنت أنا بحكم موقفى أعلم هذا، فهل يعلمه أولئك الذين يجلسون كطلاب وتلاميذ فى المعاهد؟ وهل تطوع أحد بإطلاعهم على كل ما حدث؟ تلك مسئولية قائمة فى أعناقنا .. وفى أعناق لجان الاتحاد الاشتراكى، إذ يجب أن نُطْلِع الطلاب والتلاميذ باستمرار على ما يحدث، وعلى الجهود التى تبذل .

     لقد وجهت حديثى إلى الطلبة أثناء إحدى المحاضرات، فقلت لهم : " إنكم الآن تتمتعون بنعم ما كنا نحلم بها نحن الذين عشنا فى الثلاثينات، إذ كان قنطار القطن لا يتجاوز 180 قرشاً، والبقرة ثمنها خمسة جنيهات، والجحش لا يتعدى 150 قرشاً، وزوج الحمـام بقرشين ، ولكم أن تتصوروا مدى الإرهاق الذى كان يصادفنى - وأنا ابن فلاح - لسداد مصروفات كلية الحقوق البالغـة 33 جنيهاً،   وكان هذا يعنى ثمن حوالى ثمانية عشر قنطاراً من القطن لكى أحصل على هذا المبلغ .. وبمثل هذا الحديث يعرف الطلبة أن الثورة قدمت لهم أعظم خدمة .. عندما قـررت مجانية التعليم، فأمكن لإبن الفلاح الفقير وإبن العامل المجاهـد أن يدخل الجامعـة .. ليتخرج طبيباً ومهندساً، إذ الناس ينسون، ولابد بين الحين والحين من أن نُذَكِّر هؤلاء الأبناء الطيبين بما قدمت لهم الثورة من جلائل الأعمال .

     وهناك المدينة الجامعية، حيث يجد الطالب فيها مسكناً، ومأكلاً جيداً، وغسل ملابسه، نظير خمسة جنيهات يدفعها .. هل يُتصور هذا؟ فى حين أن الطلبة الذين يعيشون خارج المدينة الجامعية، يقيم كل خمسة أو ستة منهم فى حجرة واحدة .. يستعملون وابور الجاز ، ولا يمكن أن يكفى الواحد منهم مثل هذا المبلغ لمواجهة نفقات معيشته . أقول لو أننا بَيَّنا للطلبة والتلاميذ كل ما قامت به الثورة حتى فى هذا المجال فقط - لأمكن أن نحدث تأثيراً كبيراً جداً .

     نحن نعقد ندوات فى كلية الحقوق يحضرها طلابنا - أبناء الجمهورية، وأبناء البلاد العربية - وأقرر مع الأسف الشديد، أنه ما من مناقشة دارت حول مشكلة من المشكلات السياسية، إلاَّ وجدنا أبناءنا فى حالة تخلف شديد فى الناحية السياسية عن زملائهم أبناء الدول العربية، الذين نراهم يحملون

 

 

 

 

وحدهم عبء المناقشة . هذه الظاهرة تجعلنا نتساءل - والألم يعصر قلوبنا - عن السبب فى انصراف أبنائنا عن المناقشة فى المشكلات والنواحى السياسية، مع أننا فى طليعة ومقدمة الدول العربية، وهذه    الدول هى التى تحاول أن تحذوا حذونا دائماً. هذه الظاهرة قد يكون سببها نظام التعليم، أو الإثقال فى المناهج، وقد يكون السبب فى ذلك طريقة تعليم مادة : ثورة 23 يوليو، والاشتراكية العربية، والمجتمع العربى ، بالطريقة التى تُعَلَّمْ بها الآن . إذ لا يعدو دور الطالب حفظ الكتاب، ليكتب كلمتين عنه فى الامتحان، ثم لا يلبث أن ينساها بعد فترة ، ولو فتحت الموضوعات الحية أمام الطلبة ليناقشوها مع أساتذتهم ومع المختصين، فلسوف يُحـدِث هذا أثراً كبيراً ، وسوف يتفاعل الطلاب مع مشاكل بلدهم، لأنهم مطلعون عليها .. ملمون بها، ومن ثم يفكرون فى إيجاد الحلول لها .

     وهذه مسألة يجب أن ندق ناقوس الخطر بالنسبة لها. وإننى شخصياً أحاول أن أُقدِّم للطلبة كل الكتب الخاصة بالقومية العربية، والاشتراكية، والثورة، وجميع الكتب التى أصدرتها وزارة الإرشاد حول هذه الموضوعات وغيرها .. لكى تكون تحت تصرفهم. ولكن بالرغم من هذا لم تتحقق النتيجة على نحو ما نأمل ونرغب .

     ولهذا فإننى أود أن نقوم باستمرار بـدورنا كأعضاء فى الاتـحاد الاشتراكى، وأن نبذل جهداً متواصلاً لا ينقـطع أبداً، إذ أن هذه قضية .. وليست نـدوة تُعقد مرة فى الأسبوع، أو فى كل شهر ثم تنتهى، بل إن هذه المسألة تحتاج إلى إيضاح ، ووضع الخطوط تحت كل شئ ، إذ أن كل شئ   يُنْسَى إذا لم نُذَكِّْر باستمرار بمـا تم ، وحتى إذا ما جاء المنحرفون يوسوسون .. وسوسة الشيطان فى آذان الأبرياء : " أين التغيير؟ " .. كان الرد على هذه الوسوسة جاهزاً وموجوداً .

     يجب أن نركز دائماً فى ندواتنا فى الاتحاد الاشتراكى .. وكل يوم فى وسائل الإعلام، على هذه الأشياء ، وأن نُذَكِّر الناس بما تم عمله، وما سوف يُعْمَلْ فى الغد، والموضوعات التى تُدْرس، والأخرى التى فى طريقها للدراسة .. نُذَكِّرْ الناس، والذكرى تنفع المؤمنين . وأعتقد أنه بهذه الطريقة سيصل كل شئ إلى بر الأمان .

     إننى أرى - مع الأسف الشديد - أننا مقصرون فى هذه المسألة، وهذه مسئولية فى أعناقنا جميعاً، ويجب علينا أن نعترف بأننا لا نؤدى كل ما يجب علينا أن نؤديه بالنسبة لتكوين هذه الأجيال الصاعدة، التى تتعلم اليوم لتتولى الوظائف غداً، والتى سوف تُسَيِّر دفة الأمور فى البلاد .

     أود أن أقول: أيضاً إن عامل الثقة بين الأساتذة والطلبة أمر جوهرى.. وفى غاية الأهمية، ومن ثم

 

 

 

 

أرى أَلاَّ يُؤخذ الطلبة بالشدة أبداً، إذ الطالب الذى يُعَامَل بالشدة، مستعد أن يُخَرِّب، ولو اقتضى الأمر أن يُنَكِّل بالكلية الملتحق بها، كأن يُخَرِّب حجرة العميد، أو يُتْلِف حنفيات المياه ، كل ذلك من باب خُلُق العناد. وفى يقينى أن الطالب ينساق وراء الابتسامة اللطيفة والمعاملة الرقيقة، هذه وتلك تجعله يندفع وراء أستاذه دون ما تردد، لأنه يحس أن أستاذه يحدب عليه حدب الآباء على الأبناء، وأنه منه بمثابة والد، وأخ، وصديق .

     أذكـر أننى عندما كنت عميداً لكليـة التجارة والاقتصاد بجامعة بغداد قبل سنة 1952، أن قام طلبة كلية الحقـوق بإضراب لمسألة مـن المسائل، وتوجهوا إلى كلية التجارة والاقتصاد  لِيُخرجوا طلبتها، فتركت مكتبى ووقفت على بـاب حجرة العميد - أعنى حجرتى - فجاء جميع طلبة كلية التجارة ووقفوا من حولى .. وكان طلبة كلية الحقوق يهتفون : " يحيا الإضراب " ، ويريدون أن يخرجوا طلبـة كليـة التجـارة .. دون فـائـدة . وكان هـؤلاء الطلبة يقفون وهـم ينظـرون إلىّ مستوحين رأيى، مـاذا أريـد ؟ وكأنهـم يقولون هـل ندخل أو نخرج ؟ فما كان من زعيم طلبة كلية الحقوق - وهـو طـالب لا زلت أذكـره .. إسمه عدنان فرحات .. أن جاءنى وأَسَرّ إلىّ فى أذنى قـائلاً : " أستاذ .. خـاطـر الله، ادخـل فى غرفتك " .. فقلت له : " لمـاذا ؟ " .. فقـال لى : " إن الطلبـة يستحون منـك، فـادخـل غرفتك حتى نستطيع الخروج " .

     إننى أذكـر لسيادتك هـذه الحادثـة، لأبيِّن مدى ثقة الطلبة بالأستاذ، عندما يكون هناك تفاعل بين الأساتـذة وبين الطلبـة، وهـذه مسألة تتوافـر فى كثير من أساتذتنا، ولكن مع الأسف لا تتوافـر فى بعض الأساتذة الآخـرين. والطلبة مرآة لأستاذهم، فهم يتحدثون عن أستاذهم، ويحبون أستاذهم، ويحبـون العلم الذى يحبـون أستاذه. هذه مسألة نحسها ونحن نعمل فى الجامعات .

     والواقع أننى بناء على ذلك كله أقول : إنى لست متشائماً، ولا أنظر بهذا المنظار الأسود الذى نظر به البعض إلى المشكلة، بل إننى متفائل وعلى يقين من أننا متى عزلنا المنحرفين، والذين حرضوهم، والذين يعملون فى الخفاء .. بناء على المعلومات التى سمعناها الآن والتحقيقات التى تجرى، على أن يُؤخذ كل إنسان بجريرته. أقول : إننا متى عزلنا هؤلاء، فستعود المسائل كلها إلى صفائها. والله الموفق،      وشكراً لكم .

 

 

 

 

السيد / الرئيس :

     هى الجامعة الوحيدة اللى بتشتغل دلوقت هى الجامعة الأمريكية، والطلبة .. واتحاد الطلبة .. وبعض زعماء الطلبة، راحوا للجامعة الأمريكية، وقالوا لهـم وأثاروا نخوتهم انهم جبناء، وازاى قاعدين فى الدراسة . وعلى هـذا الأساس يعنى فكـروا بتوع الجامعة الأمريكية - والمصاريف هناك 100 جنيه .. كلنا نعرف المصاريف 100 جنيه فى الجامعة الأمريكية - انهم يطلعوا. ولكن العميد طلع برضه وقـال : " اللى حيطلع من الجامعـة يعتبر نفسه مفصول " .. ماحـدش طلع، والدراسة رجعت، وقعد كل الطلبة .. والعميد يظهر فى الجامعة الأمريكية عنده هذه السلطة .. كل الطلبة رجعوا وانتهى الأمر . علماً بأن الجامعة الأمريكية فيها عدد من الطلبة العرب .. عـدد كبير، وهم فى هذا الموضوع مثيرين للحماس .

     أحب - على أساس أن الساعة واحدة إلاَّ ربع - أعـرف من يريد أن يتكلم.. علشان نقرر هل ننهى الكلام الليلة، أو نيجى بكرة، فاللى عايز يرفع إيده عالياً .

     1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15 .. والدكتورة حكمت كانت رافعة إيـدها قبل كـده . يبقى 17 أو 18 .. فى عشر دقايق .. أو خمس دقايق، يبقى أربع ساعات ، مانلحقش إذاً نـروَّح على السحور ، يبقى على هـذا بنيجى بكرة نِكَمِّل المناقشة الساعة سبعة، والسلام عليكم . 

 

(رفعت الجلسة الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والأربعين، على أن تعود للإنعقاد مساء الغد الخميس 8 رمضان سنة 1388هـ، الموافق 28 من نوفمبر سنة 1968، الساعة السابعة).